جاك ماريتان
جاك ماريتان (بالفرنسية: Jacques Maritain، مواليد 18 نوفمبر 1882 - 28 أبريل 1973)، فيلسوف فرنسي كاثوليكي معاصر. ولد في باريس لأسرة بروتستانتية. كان لاأدريًا قبل اعتناقه الكاثوليكية في عام 1906. مؤلف لأكثر من 60 كتابًا، ساعد في إحياء أفكار توما الأكويني في العصر الحديث، وكان له تأثير في تطوير وصياغة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان. قدم البابا بولس السادس «رسالة إلى رجال الفكر والعلم» في يوم غلق المجمع الفاتيكاني الثاني لماريتان، صديقه ومعلمه منذ فترة طويلة. فكر البابا بجدية في جعله كاردينال (وهم صحابة البابا ومستشاروه ولهم الحق في انتخابه من بينهم)، لكن رفض ماريتان هذا العرض. امتدت اهتمامات ماريتان وأعماله إلى العديد من جوانب الفلسفة، بما في ذلك علم الجمال، والنظرية السياسية، وفلسفة العلوم، والميتافيزيقيا، وطبيعة التعليم، والقداس والكنيسة.
حياته
ولد ماريتان في باريس، وهو ابن بول ماريتان، الذي كان محاميًا، وزوجته جينيف فافر، ابنة جول فافر، وتربى في بيئة ليبرالية بروتستانتية. تلقى تعليمه في ليسيه هنري الرابع ثم التحق بالسوربون لدراسة العلوم الطبيعية: الكيمياء والأحياء والفيزياء. التقى في جامعة السوربون برايسا أومانكوف، وهي مهاجرة يهودية روسية، وشاعرة صوفية مشهورة، شاركت لتكون شريكته الفكرية في بحثه عن الحقيقة، وتزوجا في عام 1904. عاشت شقيقة رايسا، فيرا أومانسوف، مع جاك ورايسا طوال حياتهما الزوجية تقريبًا. سرعان ما أُحبط جاك ورايسا في جامعة السوربون، من العلم الذي لم يستطع -من وجهة نظرهما- معالجة القضايا الوجودية الأكبر للحياة. في ضوء هذا الوهم وفي عام 1901 بالتحديد، توصلا إلى اتفاق ألا وهو الانتحار سوية خلال عام في حال عجزهما عن اكتشاف معنى أعمق للحياة. بناءً على طلب تشارلز بيجوي، فلقد جُنبا من متابعة هذا وذلك بحضور محاضرات هنري بيرغسون في كوليج دو فرانس. حل نقد بيرغسون للعالم يأسهما الفكري وغرس فيهما «الإحساس المطلق». ثم، من خلال تأثير ليون بيل، تحول الزوجان في عام 1906 إلى الإيمان الكاثوليكي الروماني. في خريف عام 1907 انتقلت عائلة ماريتان إلى هايدلبرغ، حيث درس جاك علم الأحياء تحت قيادة هانز دريش. جذبت نظرية هانز دريش للحيوية الجديدة، جاك بسبب تقاربها مع أفكار هنري بيرغسون. خلال هذا الوقت، أصيبت زوجته بالمرض، وخلال فترة شفائها، قدم إليها مستشارهما الروحي، الراهب الدومينيكي همبرت كليريساك، كتابات توماس أكويناس لقرائتها. فقرأتهم بحماس، وحضت زوجها بدوره على فحص كتابات القديس. وجد ماريتان في كتابات توماس، عددًا من الأفكار والرؤى التي صدقها طوال الوقت، قبل اطلاعه على أي من هذه الكتابات. فكتب:
«من هذا المنطلق، مؤكدًا لنفسي، وبدون خجل أو تضاؤل، تعود القيمة الحقيقية لواقع أدواتنا الإنسانية للمعرفة، كنت بالفعل موافقًا لكل ما قاله توماس (من قديم الزمان)، دون أن أعرف ذلك. عندما عدت بعد عدة أشهر إلى الخلاصة اللاهوتية، لم أبني عائقًا أمام الفيضان المضيء.»
من الطبيب الملائكي (اللقب الفخري لأكوينيوس)، قيد إلى «الفيلسوف»، كما أطلق عليه الأكويني أرسطو. في وقت لاحق، ولتعزيز نموه الفكري، قرأ الفلسفة المدرسية الجديدة لتوماس.
درس ماريتان ابتداءً من عام 1912، في جامعة كوليج ستانيسلاوس. انتقل بعد ذلك إلى المعهد الكاثوليكي في باريس. ثم درس في بيتي سيمينير دي فرساي للعام الدراسي 1916-1917. تحصل ماريتان وإتيان جيلسون في عام 1930، على الدكتوراه الفخرية في الفلسفة من جامعة القديس توما الأكويني البابوية في أنجليكوم. ألقى في عام 1933، محاضراته الأولى في أمريكا الشمالية في تورنتو في المعهد البابوي لدراسات العصور الوسطى. كما درس في جامعة كولومبيا. في لجنة الفكر الاجتماعي، جامعة شيكاغو، وفي جامعة نوتردام، وفي جامعة برينستون. تولى لفترة ثلاث سنوات (من 1945 إلى 1948)، منصب السفير الفرنسي في الكرسي الرسولي. بعد ذلك، عاد إلى جامعة برينستون، إذ تحصل في عام 1956 على «وضع الإليسيان» (على حد تعبيره) لأستاذ فخري. توفيت رايسا ماريتان في عام 1960. بعد وفاتها، نشر جاك مجلتها تحت عنوان «مجلة رايسا». كان ماريتان رئيسًا فخريًا لمؤتمر الحرية الثقافية لعدة سنوات، إذ ظهر في مرتبة متحدث رئيسي في مؤتمره عام 1960 في برلين. عاش ماريتان من عام 1961، مع الجماعة الدينية «إخوة يسوع الصغار» في تولوز، فرنسا. كان له تأثير على النظام منذ تأسيسه في عام 1933. أصبح الأخ الصغير في عام 1970. دُفن جاك ورايسا ماريتان في مقبرة كولبشيم، وهي مقبرة في قرية فرنسية صغيرة في الألزاس حيث أمضى ماريتان العديد من عطله الصيفية هناك، في عزبة أصدقائه، أنطوانيت وألكساندر جرونيليوس. يجري التخطيط لتطويبه وزوجته رايسا.
عمله
يعود أساس فكر عائلة ماريتان إلى الفيلسوف أرسطو، والأكويني، والتوماوية ولا سيما جون القديس توما. فهو انتقائي في استخدامه لهذه المصادر. تستند فلسفة عائلة ماريتان إلى أدلة مستمدة من الحواس المكتسبة من خلال فهم المبادئ الأولى. دافع ماريتان عن الفلسفة بأنها علم معارض لأولئك الذين يحطون منها، وروج ذلك للفلسفة باعتبارها «ملكة العلوم». أكمل جاك ماريتان في عام 1910 مساهمته الأولى في الفلسفة الحديثة، مقال يتكون من 28 صفحة بعنوان «العقل والعلوم الحديثة» نشر في مجلة «مراجعة الفلسفة» (عدد يونيو). حذر في مقاله من أن العلم أصبح اليوم إلاها، يغتصب منهجه دور العقل والفلسفة. حل العلم محل العلوم الإنسانية في الأهمية.
كلفت لجنة من الأساقفة الفرنسيين جاك في عام 1917 بكتابة سلسلة من الكتب المدرسية لاستخدامها في الكليات والمعاهد الكاثوليكية. كتب وأكمل واحدًا فقط من هذه المشاريع، بعنوان (مقدمة في الفلسفة) في عام 1920. لقد كان هذا الكتاب نموذجًا منذ ذلك الحين في العديد من الكنائس الكاثوليكية. كتب في مقدمته:
«إذا كانت فلسفة أرسطو، كما أعاد توماس أكويناس ومدرسته إحياءها وإثرائها، يمكن أن تُسمى بحق الفلسفة المسيحية، لأن الكنيسة لا تشعر أبدًا بالضجر من طرحها باعتبارها الفلسفة الحقيقية الوحيدة ولأنها تنسجم تمامًا مع حقائق الإيمان، مع ذلك، يُقترح هنا لقبول القارئ، ليس لأنه مسيحي، بل لأنه حقيقي بشكل واضح. لا شك في أن هذا الاتفاق بين نظام فلسفي أسسه وثني وعقيدة الوحي، هو علامة خارجية، ضمان إضافي فلسفي لحقيقته، ولكن من خلال أدلته المنطقية، فإنه يستمد سلطته من الفلسفة.»
خلال الحرب العالمية الثانية، احتج جاك ماريتان على سياسات حكومة فيشي أثناء التدريس في المعهد البابوي للدراسات القروسطية في كندا. «أثناء الانتقال إلى نيويورك، انخرط ماريتان بعمق في أنشطة الإنقاذ، وسعى إلى جلب أكاديميين مضطهدين ومهددين إلى أمريكا، الكثير منهم من اليهود. كان له دور فعال في تأسيس كلية الدراسات العليا، وهو نوع من الجامعات خارج بلده (في المنفى) وكانت، في الوقت نفسه، مركز المقاومة الديغولية في الولايات المتحدة». بعد الحرب، في جمهور البابوية في 16 يوليو 1946، حاول دون جدوى أن يؤثر على البابا بيوس الثاني عشر لشجب معاداة السامية رسميًا.
تُحفظ العديد من أوراقه الأمريكية في جامعة نوتردام، التي أسست مركز جاك ماريتان في عام 1957. دائرة الدراسات لجاك ورايسا ماريتان، هي جمعية أسسها الفيلسوف نفسه في عام 1962 في كولبشيم (بالقرب من ستراسبورغ، فرنسا)، وهو المكان الذي دُفن فيه الزوجان أيضًا. الغرض من هذه المراكز هو تشجيع الدراسة والبحث في أفكار ماريتان والتوسع فيها. تُساعد أيضًا في ترجمة وتحرير وتعديل كتاباته.
ماريتان
فيلسوف فرنسي توماوي النزعة .
ولد في باريس سنة ١٨٨٢ ، وتوفي في تولوز سنة ١٩٧٥. وهو حفيد جول ففر Jules Favre (١٨٠٩- ١٨٨٠) السياسي والمحامي ووزير الخارجية بعد سقوط نابليون الثالث ويهذه الصفة تفاوض لعقد معاهدة فرنكفورت بين ألمانيا وفرنسا سنة ١٨٧١ وكان بروتستنتي المذهب
وقد درس جاك ماريتان على فليكس لودانتك ، العالم البيولوجي المتحرر من العقائد الدينية ، كما تتلمذ على برجسون - ومع ذلك صار بعد ذلك من أشد المهاجمين لفلسفة برجسون - وأخيراً تأثر بها نز دريش وتتلمذ له . ولقد تحول من البروتستنتية إلى الكاثوليكية في سنة ١٩٠٦ ، وتزوج من روسية يهودية تحولت إلى الكاثوليكية وهي ريسه Raissa التي كتبت ذكريات عن برجسون . ولما تحول إلى الكاثوليكية اعتنق مذهب القديس توما الأكويني ، وأسهم في حركة إحياء
لمذهب توما ، سميت بالتوماوية الجديدة - Le Néo - thorn isme ، وتولى التدريس في ا المعهد الكاثوليكي» في باريس . وعلى ضوء نزعته التوماوية هذه هاجم البرجسونية في كتاب نشره سنة ١٩١٣ بعنوان « الفلسفة - البرجسونية» ه1
Philosophie bergsonienne
وراح منذ ذلك الحين يحاول تطبيق مبادى فلسفة توما على مختلف ميادين الفكر المعاصر : العلمي ، والسياسي ، والأخلاقي ، والجمالي وتوالت مؤلفاته بغزارة :
- » تأملات في العقل وحياته الخاصة» Reflexions suf
.1923 ,L'intelgene et sur sa vie propre
-ثلاثة مصلحين : لوتر، وديكارت ، وروس T ois 1925 ,1٤0 mateurs: Luther, Descartes. Rousseau
- و رسالة إلى جان كوكتو» ,20 Cocteauعل Lettre à 1926
- أولوية ما هو روحي » 1927 spirituel لال Primauté
- « التمييز من أجل التوحيد ، أو درجات المعرفة» 1932 ,Savoir لال pour unir, ou les degrés ٢علاع 11 015
وفي هذا الكتاب الجامع يتناول التوماوية ، والمعرفة العلمية ، والمعرفة الصوفية .
- « النزعة الانسانية التامة ٠ L'Humanisme integral 1937 وفيه يعبر عن آرائه السياسية الجديدة فيفترةحكم الجبهة الشعبية في فرنسا والحرب الأهلية في أسبانيا .
ولما قامت الحرب العالمية الثانية وهزمت فرنسا لجأ إلى الولايات المتحدة الاميريكية وأقام فيها طوال الحرب . ثم عاد إلى فرنسا غداة نهايتها ، وعين في سنة ١٩٤٥ سفيرا لفرنسا لدى حاضرة الفاتيكان واستمر في هذا المنصب حتى سنة ١٩٤٨ . ورد على سارتر ووجوديته برسالة صغيرة عنوانها :
- « رسالة صغيرة في الوجود والموجود» Court Traite existence 1 de .existant'! حل
ثم اعتكف ابتداء من سنة ١٩٦٠ في دير جماعة , اخوة يسوع الصغار» في تولوز ( جنوبي فرنسا ) .
ونشر قصة طويلة في سنة ١٩٦٦ بعنوان : « فلاح اقليم الجارون» Garonne هسا عل Paysan عا
ماريتان
واخيراً نشر كتاباً بعنوان : « كنيسة المسيح» L’Eglise du Christ وقد الهمه إياه قرارات المجمع الفاتيكافي الثافي .
وتوفي في الدير المذكور في سنة ١٩٧٥ .
آراؤه الفلسفية
كان ماريتان في بداية أمره متحمساً للفلسفة البيولوجية التي يمثلها دريش ولفلسفة برجسون، المشابهة لها. لكن تحوله من المذهب البروتستنتي الذي ولد عليه إلى المذهب الكائوليكي في سنة ١٩٠٦-وقد تم ذلك تحت تأثير الكاتب الكاثوليكي المتحمس اللاذع ليون بلوا Leon Bioy - قد جعله يعتنق الكاثوليكية الخالصة الممثلة فلسفياً في مذهب القديس توما الأكويفي ، مما حمله على التخلي عن كل ماضيه والانقلاب على من كان بالأمس يتحمس لهم.
فأداه ذلك إلى محاربة مذهب برجسون لأنه في تعارض تام مع المذهب التوماوي ، ولانه رأى في برجسون ملهماً ( وإن كان برجسون يهودياً ) لحركة التجديد الديني في فرنسا آنذاك ، وهي حركة أداغها البابا. فهويرى أن البرجسونية هي في جوهرها نزعة مضادة للعقل ( « الفلسفة البرجسونية» ص٣٧ )، وبرجسون في رأي ماريتان- وقع في نفس الخطأ الذي وقعت فيه النزعة الترابطية لأنه « يحرم على العقل معرفة حقيقتنا الجوهرية ، وماهية ذاتنا ومن هنا فإنه عبثا يدعي ، بعكس أصحاب نزعة الظاهرة ، ان حقيقتنا الجوهرية هي شيء آخر غيرأحوال الثعور المترابطة ، مادام لا يريد أن يعرف هذه الحقيقة الواقعية إلا بواسطة العيان ، وب لحز الباطن المشور على نحو ملائم ، وينكر عليه الجوهرية ، التي لا يستطيع إدراكها إلا العقل » . ومادام يرجسون يرى أن التغيريؤلف نسيج الحقيقة الواقعية ، ه فإن الجوهر والأعراض ، والشيء في ذاته ، والظواهر تختفي جملة وتختفي الحقيقة الواقعية هي نفسهاوالوجودهونفسه ، ولا يبقى غير عدم يتغير. وبهذا امعنى يمكن نعت البرجسونية بأنها نزعة ظواهرية مطلقة » ( الكتاب نفسه ، ص٤٧ ).
كذلك يأخذ ماريتان على برجسون أنه وقع في الفخ الذي نصبه الماديون . ذلك أن « برجسون خلط بين العقل امشوه والمصاب بالعمى عرضاً ، ربين العقل الثمي جداً ؛ الجميل جدا ، الذي وهبه الته للانسان ليخلقه على صورته » . « إن البرجسونية تخلط بصورة منتظمة بين الخيال والفكر ، وينتج عن هذا أنه في المقام الأول حين ينقد العقل فإنه إنما
يتوجه إلى الخيال ماخوذاً على أنه العقل » ( الكتاب نفسه ، صهه).
ويخلص ماريتان إلى القول بأنه لا مكان لله في فلسفة برجسون ، ذلك أنه متى ما ألغينا الوجود ، حطمنا في الأشياء ما به تشابه الله ، وما به تريناالته. وبهذا المعنى ينبغي أن نقول - هكذا يقول ماريتان : إن مذهب برجسون وحدة وجود ملحدة » ( الكتاب نفسه ص٤٢٤ ).
ويمضي ماريتان في نقده لذهب برجسون إلى أبعد من هذا فيقرر أن البرجسونية لا تتفق مع الحرية الحقيقية . يقول ماريتان : « إن برجسون وهو يحسب أنه يقرر حرية اختيار للإنسان ، لا يقررفي الواقع غيرتلقائيتنا spontanéité وهي صفة نتقاسمها مع كل الكائنات الحية ولا تميزنا من الحيوانات المحرومة من العقل» ( الكتاب نفسه ص ٤٢٥-٤٢٦).
وفكرة « التطور الخالق» عند برجسون تنطوي على تناقض « فمن يقل تطوراً يقن سيثاً بالفوة ينحقق شيناً فشيئاً حتى كماله . . . ومن يقل خلقا ، بالعكس ، يقل انتاجا، دون شى ء سابق ، لكل وجودالشى، ويفترض تبعا لذلك قوة لامتناهية ، اعني وجوداً لا متناهياً ، وإذن الوجود الإني: ( الكتاب نفسه ص٢٤٦ ) .
وحسبنا هذا من نقد ماريتان للبرجسوية . ونتساءل : ما هي هذه التوماوية التي ينادي بها ماريتان ؟ .
يقول ماريتان في كتابه : « تأملات في العقل وحياته الخاصة )) إن التوماوية ترى ان « حياة العقل ، منظوراً إليها في جانبها العقلي الخالص والاستنباطي ، ومن وجهة نظر الترابط بين التصورات بعضها وبعض- بغض النظر عن علاقاتها مع التجربة الحية - وليست توفقاً في الهوية المحضة البسيطة، وتكراراً خالصا* لتفس الشيء - هي حياة تقدمية في جوهرها ، وانتقال من الغيرإلى الغير، في الروح ، مؤسسا على هويات خارج العقل يجليها التصورات نفسها ، وبالجملة حركة لا مادية ، ترجع في النهاية إلى قوة عقلية» ( الكتاب المذكور ص٧٢-٧٣).
إن ماريتان يرى أن الفلسفة المسيحية الحقة تجد مركزها في ميتافيزيقا الوجود كما ينيرها الله ، رب ابراهيم واسحق ويعقوب ، وكماتكلم مع موسى ، وخصوصاكماتكلم ، ولا يزال يتكلم ، على لسان يوع المسيح والقديسين . وهذه
ماريتان
ال ميتافيزيقا مدعوة إلى أن تتجاوز نفسها إلى حكمة صوفية ، وعليها أن تفضي اولاً إلى منطق ونظرية في المعرفة. ومن اميتافيزيقا التي أسست على هذا النحو ينبغي أن تنشأ فلسفة في الطبيعة ، وفي الانسان ، وفي الأخلاق وفي السياسة .
وفي كتابه : « ثلاثة مصلحين : لوتر ، ديكارت ، روسو» يهاجم في هذه الشخصيات الثلاث العظيمة ما يراه الأخطاءالعظمى في الميادين الثلاثة: الدين، الفلسفة، السياسة على التوالي . ورأى في هزلاء الثلاثة أنم مصادر البلايا التي منها تعاني الانسانية المسيحية المعاصرة . ولهذا يرى ماريتان أن المهمة العاجلة الملحة للفلسفة الكاثوليكية هي في بيان كيف ولماذا « التوماوية الحية » يمكنها وينبغي عليها أن تعود وتصير حكمة لإنسانية صارت في صلح مع طبيعتها ورسالتها .
وماريتان في هذا إنما يتبع النهج الذي وضعته الكنيسة منذمجمع الفاتيكان الأول (سنة ٧٠/١٨٦٩) والرسالة البابوية التي أصدرها ليو الثالث عشر وقرر فيها أن تكون فلسفة القديس توما هي الفلسفة الرسمية للكنيسة الكاثوليكية.
وفي هذا المجال يمجد ماريتان فزياء أرسطوباعتبارها موصلاً جيداً إلى ميتافيزيفا الوجود ؛ وعلى الرغم من أن هذه الفزياء قد لا تكون مقبولة عند الفزيائيين المعاصرين ، لأغها لا تلجأ إلى التفسير الكمي، بل إلى التفسير الكيفي باستمرار ، فإنها تقوم على معاني أساسية لا تزال مفيدة ، في نظر ماريتان ، مثلفكرة الهيولي والصورة ، وفكرة العلل الأربع ( الصورية ، امادية ، الفاعلية ، الغائية) ، وخصوصاً فكرة القوة والفعل .
والوجود الذي هوموضوع علم ما بعد الطبيعة ، ليس الوجود الخاوي المجرد المفهوم في المنطق والرياضيات ، بل الوجود العيني الواقعي.
والانسان هو قمة الوجود وخلاصة الوجود الممكن تجريبه ، وهو العالم الأصغر microcosme الذي فيه يتم العالم الأكبر macrocosme المادي .
وكما كان ماريتان مطيعاً للبابا في الفلسفة ، كان مطيعاً له في السياسة. لقد كان في مطلع حياته ، بعد اعتناقه الكاثوليكية ، ذا نزعة ملكية ، ويدعو إلى إعادة الملكية في فرنسا ؛ وكان ، نتيجة لذلك ، من أنصار حركة « العمل
الفرنسي» L’Action Française تلك الحركة اليمينية التي كان ملهمها هو شارل موراس Charles Maurras ( ١٨٦٨ -١٩٥٢ ). لكن لما أصدر البابا في سنة ١٩٢٦ قراراً بإدانة حركة « العمل الفرنسي » وأيدت النظام الديمقراطي ، بدأ ماريتان يتحلل من ارتباطاته مع حركة « العمل الفرنسي »، وأصدر في سنة ١٩٣٦ كتابه « النزعة الانسانية التامة»، في وقت كانت فيه «الجبهة الشعبية»- المؤلفة من تحالف الاشتراكيين والشيوعيين- قد تولت زمام الحكم في فرنسا-وفيه نجد ماريتان ينقلب على نفسه ، فيهاجم املكية يعد ان كان من أشد الدعاة إلى إعادتها في فرنسا حماسةونشاطا! وأخذ يغازل الديمقراطية ، وراح يتناسى فظائع الثورة الفرنسية وعهدالارهاب وفظائع روبسبيير، وهي الأمورالتي طالما وجه إليها سهام نقده ، وصار يستند إلى أقوال لأب لاكوردير Lacordaire الذي زعم ان الديمقراطية ذات أصل مسيحي ، لأن غايتها رفع مكانة الشخصية الانسانية ولأن مبدأها ، في العصر الحديث ، هو احتجاج الانسان ضد قهر السلطات. فكلمة ا ند يمقراطية، هكن ا يتابع ماريتان ، كان من سوء حظها أن حرفتها البورجوازية بما تنطوي عليه من رأسمالية ، وتحرر من الأديان بل وإلحاد، حتى صارت الديمقراطية بؤرة الخطايا القاتلة وعدوا للكنيسة بل وللمسيحية ! ونتيجة لهذا التشويه للديمقراطية - في زعم ماريتان - صارت الديمقراطية في خدمة الطبقة البورجوازية ومصالحها وعقبة في وجه الطبقة العاملة أو الشعب الفقير. لكن على الرغم ما قد يستشف من هذا الكلام من نزعة يسارية ، فيما كان أبعد ماريتان عن التأثر بالماركسية ! إنما هو سار في الاتجاه الذي وضعه البابا بيوس الحادي عشر ( ولد سنة ١٨٥٧ ، وصار بابا سنة ١٩٢٢، وتوفي في سنة ١٩٣٩ ) نحو الاهتمام بالفقراء . وانتهى ماريتان في اتجاهه الجديد هذا إلى ما وصفهم باسم « النزعة الانسانية التامة» أي القائمة على فكرة الشخص الانساني المتحقق باللطف الإلهي .
ماريتان، جاك
ماريتان، جاك (1882-1973م). فيلسوف فرنسي، وواحد من أكثر علماء الرومان الكاثوليك نفوذًا في القرن العشرين الميلادي، كان زعيمًا للتومانية الجديدة المتمثلة في إحياء النظام الفلسفي الذي طوره في القرون الوسطى عالم اللاهوت القديس توما الأكويني داعيًا إلى الربط بين الإيمان والأسباب.
تتناول الكثير من أعمال ماريتان نظرية المعرفـة. وفي كتابه درجة المعرفة (1932م) قام بتحليل هيكل الأفكار، وتحديد ثلاثة أنواع من المعرفة هي: حسب الترتيب التصاعـدي: 1- المعرفة العلمية للواقع التجريبي. 2- المعرفة الغيبية للمبادئ الخاصة بكلمة (يكون هكذا). 3- المعرفة المنطقية العليا للإله من خلال الوحي السماوي، وقد كان ماريتان يعني المعرفة فيما وراء فهم الأسباب البشرية.
وُلد ماريتان بباريس، وتحول من البروتستانتية إلى الكاثوليكية الرومانية في عام 1906م. تلقى تعليمه في المعهد الكاثوليكي في الفترة من عام 1914م إلى 1939م، وكان السفير الفرنسي للفاتيكان في الفترة من عام 1945م إلى عام 1948م. تشمل كتب ماريتان الرئيسية الأخرى:الفن والشعر (1935م)؛ المذهب البشري المتكامل (1936م)؛ مدى الأسباب (1948م)؛ الرجل والدولة (1951م).