تمييز تحليلي اصطناعي

التمييز التحليلي الاصطناعي (ويُسمى أيضًا الانقسام التحليلي الاصطناعي) هو تمييز مفاهيمي، يُستخدم في المقام الأول في الفلسفة لتمييز الافتراضات إلى نوعين: الافتراضات التحليلية والافتراضات الاصطناعية. تُعد الافتراضات التحليلية صحيحة بحكم معناها، بينما تُعد الافتراضات الاصطناعية صحيحة من خلال كيفية ارتباط معناها بالعالم. ومع ذلك، استخدم الفلاسفة هذين المصطلحين بطرق مختلفة جدًا. وعلاوة على ذلك، ناقش الفلاسفة ما إذا كان هناك تمييز مشروع أم لا.

كانت

الاحتواء المفاهيمي

كان الفيلسوف إيمانويل كانت أول من استخدم مصطلحي «تحليلي» و «اصطناعي» لتقسيم الافتراضات إلى نوعين. ويقدم كانت التمييز التحليلي الاصطناعي في مقدمة كتابه نقد العقل الخالص (1781/1998, A6-7/B10-11). وفيه قال أنه يقيد اهتمامه بالآراء الإيجابية المتصلة بـالمبتدأ-الخبر، ويُعرف «الافتراض التحليلي» و «الافتراض الاصطناعي» على النحو التالي:

  • الافتراض التحليلي: هو الافتراض الذي يرد مفهوم خبره في مفهوم مبتدئه
  • الافتراض الاصطناعي: هو الافتراض الذي لا يرد مفهوم خبره في مفهوم مبتدئه

أمثلة على الافتراضات التحليلية، في تعريف كانت، تشمل:

  • «جميع العزاب غير متزوجين.»
  • «جميع المثلثات لها ثلاثة أضلاع.»

مثال كانت نفسه هو:

  • «جميع الأجسام ممتدة،» أي تأخذ مساحة. (A7/B11)

كل واحد من هذه الأمثلة هو رأي إيجابي يتصل بالمبتدأ-الخبر، ويرد مفهوم الخبر، في كل مثال، مع مفهوم المبتدأ. مفهوم «عازب» يشتمل على مفهوم «غير متزوج»؛ ومفهوم «غير متزوج» يعد جزءًا من تعريف مفهوم «عازب». وبالمثل، مع مفهوم «المثلث» له «ثلاثة أضلاع،» وما إلى ذلك.

أمثلة على الافتراضات الاصطناعية، في مفهوم كانت، تشمل:

  • «جميع العزاب غير سعداء.»
  • «جميع المخلوقات التي لها قلوب لديها كلى.»

مثال كانت نفسه هو:

  • «جميع الأجسام ثقيلة،» (A7/B11)

كما هو الحال مع الافتراضات التحليلية، كل واحد من هذه الأمثلة هو رأي إيجابي متصل بالمبتدأ-الخبر. ومع ذلك، لا يشتمل في أي من هذه الحالات مفهوم المبتدأ على مفهوم الخبر. فمفهوم «عازب» لا يتضمن مفهوم «غير سعيد»؛ ومفهوم «غير سعيد» ليس جزءًا من المفهوم «عازب.» وينطبق الشيء نفسه مع «المخلوقات التي لها قلوب» و «لديها كلى»؛ حتى لو كان كل مخلوق له قلب لديه أيضًا كلى، إلا أن مفهوم «مخلوق له قلب» لا يتضمن مفهوم «له كلى.»

إصدار كانت وتمييز البداهة/البعدية

في مقدمة كتاب نقد العقل الخالص، يُقارن كانت تميزه بين الافتراضات التحليلية والاصطناعية مع تميز آخر، وهو التميز بين افتراضات البداهة والبعدية. ويُعرف هذين المصطلحان كما يلي:

  • افتراض البداهة: هو افتراض لا يعتمد تبريره على التجربة. وعلاوة على ذلك، يمكن التحقق من صحة الافتراض من خلال التجربة، لكنه لا يرتكز على التجربة. ولذلك، فهو ضروري منطقيًا.
  • افتراض البُعدية: هو افتراض لا يعتمد تبريره على التجربة. ويتم التحقق من صحة الافتراض من خلال التجربة ومرتكز عليها. وبالتالي، فهو مشروط منطقيًا.

أمثلة على افتراضات البداهة، تشمل:

  • «جميع العزاب غير متزوجين.»
  • "7 + 5 = 12."

الأحكام التحليلية والأحكام التركيبية

الأحكام التحليلية هي التي يكون فيها المحمول مستخلصاً من ماهية الموضوع، والتركيبية هي التي يكون فيها المحمول معبراً عن صفة لا تدخل في مفهوم الموضوع. ولو اعتبرنا أن كل صفة يمكن أن تدخل في مفهوم الموضوع يجب أعتبارها داخلة فيه، فإن من الواجب أن نعد كل الاحكام الصحيحة أحكاماً تحليلية. أما إذا فسرنا المفهوم تفسيراً ذاتياً، بمعنى أنه مجموع الصفات التي أعرفها عن شيء، فإن القضايا يصح أن تكون تحليلية أو تركيبية تبعاً لمدى علمى بالشىء. فاذا كنت أعرف كتاباً قرأته كثيراً دون ان أتنبه مثلا إلى تاريخ طبعه، فإنني حينما أتنبه الى ذلك، فإن هذه الصفة تعتبر جديدة، فيكون الحكم تركيبياً.

لكن كنت Kant لم يقصد هذا حين فرق بين الأحكام التحليلية والأحكام التركيبية، وإنما فرق بينهما على أساس التعريف أو الحد. فإذا كانت الصفة المحمولة على الموضوع داخلة في حد الموضوع، كانت القضية تحليلية، وإذا لم تكن داخلة في حد الموضوع، كات تركيبية. فإذا قلت إن الجسم ممتد، فإن صفة الامتداد داخلة في تعريف الجمس، وبذلك تعد هذه القضية تحليلية، وإذا قلت: الجسم غير نفاذ - فإن هذا القول لا يضيف صفة جديدة لمفهوم الجسم، لأن عدم القابلية للنفوذ تكون جزءاً من تعريف الجسم باعتباره جسماً مادياً في مقابل الجسم الهندسي. ولكن إذا قلنا: الجسم ذو ثقل، فإننا نضيف صفة غير متضمنة في تعريفه وهي كونه ينجذب الى أجسام أخرى (الأرض). فالقضية الأخيرة تركيبية؛ لأن المحمول يضيف إلى الموضوع صفة بمحمول لا يدخل في تعريف الموضوع.

لكن تقوم بعد هذا مشكلة تحديد المفهوم . ونحن نعلم أن التعريف ليس ثابتاً، بل في استطاعتنا أن نعرف الشيء الواحد تعريفات مختلفة. وإذن فالتقسيم إلى قضية تحليلية وقضية تركيبية أمر اعتباري، يتوقف على المفهوم. لهذا نقد هذه التفرقة، كثير من المناطقة، ومنهم برادلي Bradley الذي قال أن مفهوم الشيء يتوقف على معرفتنا به، وإذن ففي رأيه أن التمييز بين القضايا التحليلية والتركيبية لا معنى له.

لكن يمكن الرد على هذا النقد بأن نقول أننا في التعريف نميل الى الاقتصار على ما يفصل الشيء عن غيره ويجمع كل صفاته الأساسية، أي أننا نميل إلى التعريف بالماهية، ولا ندخل الاعراض في المفهوم. وهذا من شأنه أن يوسع مجال القضايا التركيبية، مثلاً لا ندخل في تعريف الحيوان المجتر أنه مشقوق الظلف، لهذا ينبغي أن نعد القضية: الحيوان المجتر مشقوق الظلف - قضية تركيبية. وفي الاستدلال الرياضي نستند الى الاحكام التركيبية، فتعريف المثلث لا يتضمن كون مجموع زواياه يساوي قائمتين، كما لا يتضمن أن مجموع ضلعيه أكبر من الضلع الثالث، إلخ، فالقضايا التي من هذا النوع يجب أن تعد تركيبية.

الواقع أن القضايا التركيبية هي القضايا الحقة، لأنها تأتي بعلم جديد، فإذا كان العلم يقوم على اكتشاف صفات أو خواص جديدة، فإن القضايا العلمية هي القضايا التركيبية، أما القضايا التحليلية فترجع في النهاية إما الى تحصيل الحاصل أو إلى أن تكون تعريفات لفظية بأن يكون الموضوع والمحمول لفظين أو تعبيرين مختلفين لمسمى أو مدلول واحد. وأمثال هذه القضايا إن افادت في الايضاح، فإنها لا تفيد في الكشف.

ونحصل على القضايا التركيبية إما بالتجربة، أو بالاستدلال الرياضي، أو القياس. فالتجربة ينبوع دائم لايجاد قضايا تركيبية، لأن التجربة تدلنا دائما على صفات جديدة لم نعرفها بعد، وكذلك الحال في الاستدلال الرياضي: نجد أنه يكاد يقوم كله على القضايا التركيبية (راجع في مقابل ذلك آراء بونكاريه وراسل)، حيث نستخلص - دون اللجوء الى التجربة - حقائق جديدة، هى قضايا تركيبية. كذلك يمكن النظر إلى النتيجة في القياس على أنها قضية تركيبية، لأنها تحوي محمولاً ليس داخلاً في حد الموضوع، وإنما يدخل في المقدمة الكبرى.

والخلاصة، أن للتفرقة بين الأحكام التحليلية والاحكام التجريبية أهميتها وفائدتها، وكنت Kant يسمي الأحكام التحليلية أيضاً باسم: الأحكام الايضاحية، ويسمي التركيبية أيضا باسم: الأحكام الامتدادية extensifs، إذ الأولى تقتصر على الإيضاح دون إضافة جديدة، بينما معرفة الثانية توسع وتمتد بمعرفتنا للموضوع.

ويولي كنت أهمية بالغة لدراسة الأحكام التركيبية القبلية.