تقرير كولمان
تقرير كولمان (بالإنجليزية: Coleman Report) دراسة مهمة ومثيرة للجدل نشرتها حكومة الولايات المتحدة فى عام 1966 بعنوان: تكافؤ الفرص التعليمية. وقد شارك فى كتابه تلك الدراسة مجموعة من العلماء واعتمدوا فى تأليفها على مسح مفصل للفرص التعليمية (ضمت العينة القومية التى جمعت منها البيانات حوالى 650,000 من الطلاب والمدرسين فى أكثر من ثلاتة آلاف مدرسة) . و استندت تلك المدراسة إلى قانون الحقوق المدنية الذى صدر عام 1964، وتمت تحت إشراف عالم الاجتماع جيمس كولمان. وكانت تلك الدراسة معلما هاما من معالم البحوث التطبيقية، لكونها من أوائل الدراسات الاجتماعية العلمية التى كلف الكونجرس المباحثين بإجرائها لكى تسترشد بها السياسة الحكومية فى مجال التعليم، وكانت قد سبقتها البحوث الاجتماعية التى أجريت على الجيش خلال الحرب العالمية الثانية. ويرجع إلى التصميم البحثى الذى تبنته تلك الدراسة الفضل فى تغيير الاتجاه العام للبحوث التطبيقية فى مجال التعليم، بحيث أصبحت تحدو حذوها أغلب البحوث التى أجراها الباحثون فيما بعد. وقد أسهمت نتائج تلك الدراسة فى صياغة سياسة محاربة الفصل العنصرى داخل المدارس طوال الفترة الطويلة التى أعقبت نشر التقرير.
وقد بدأت الدراسة بمقدمة مبتكرة ولكنها خلافية مؤداها أن تكافؤ الفرص ينبغى أن يتحدد من خلال المساواة فى النتيجة (أو المخرجات) وليس من خلال المساواة فى المدخلات. ولذلك لم يكتف الباحثون بجمع بيانات عن الموارد التعليمية المتاحة لجماعات الأطفال المختلفة، وإنما كذلك عن الإنجاز التعليمى للتلاميذ (كما يتضح على سبيل المثال فى نتائجهم الدراسية). ومن خلال ذلك أمكن لأول مرة الإجابة بشكل علمى دقيق على السؤال الذى يقول: إلى أى مدى، وعلى أى نحو استطاعت المدرسة أن تتغلب على الأشكال المختلفة من عدم المساواة (خاصة تلك المرتبطة بالعرق) التى جاء بها الأطفال إلى المدرسة. وقد أوضح كولمان فيما بعد أن أهم النتائج التى توصل إليها البحث كانت نتيجة من شقين. أوضح الشق الأول أن التباين فى مستوى المدرسة (كما يتضح فى المقاييس المألوفة مثل معدل الإنفاق على التلميذ، وحجم مكتبة المدرسة، وما إليها من معايير) لا ترتبط ارتباطا كبيرا بمستويات الإنجاز التعليمى، إذا ما قارنا بين التلاميذ الذين ينتمون إلى بيئات اجتماعية متماثلة ويدرسون فى مدارس متباينة المستوى. (دلت الفروق فى الخلفيات الأسرية للتلاميذ، عند مقارنتها ببعضها، أن هناك ارتباطاً كبيراً بالإنجاز التعليمى). أما الشق الثانى فقد أوضح أن الإنجاز التعليمى للتلميذ لم يرتبط فقط بخلفيته الأسرية، وإنما ارتبط كذلك -وإن بدرجة أقل- بخلفيات التلاميذ الآخرين فى نفس المدرسة. وقد كانت لتلك النتائج آثارها الواضحة على الهندسة الاجتماعية: فمن الممكن تحقيق تكافؤ الفرص على أفضل نحو عن طريق الاستراتيجيات التى تستهدف القضاء على الفصل (العنصرى) داخل المدارس (مثلا عن طريق توصيل الفئات المختلفة -عنصريا- إلى المدرسة بنفس السيارة). كما تحدت تلك النتائج بندا رئيسيا من بنود رؤية ليندون جونسون (رئيس الولايات المتحدة آنذاك) للمجتمع العظيم، وهو البند الذى يرى أن زيادة الإنفاق على التعليم يمكن أن يؤدى إلى تفاقم صور العجز الاجتماعى.
ولقد أصبح ذلك التقرير محور جدل واسع سواء فى دوائر الباحثين الأكاديميين أو على مسرح الحياة السياسية امتد لسنوات طويلة . وقد أساء الكثيرون تفسيره بالقول بأنه يثبت أن "المدارس ليست هى الأمر المهم (فى التعليم الجيد) وإنما المهم هو الأسرة". ومما يدعو إلى السخرية فعلا أن بعض الدراسات التى أجراها كولمان نفسه بعد ذلك استهدفت الوقوف على سمات وملامح المدارس التى يتوقف عليها جودة التعليم، لكى يدعم من تأثير المدرسة بالنسبة لتأثير الأسرة. من هذا ما ذهب إليه فى دراستين له (نشرتا فى: الانجاز التعليمى فى المدارس الثانوية، ونشرت عام 1982، وأثر المجتمع المحلى، ونشرت عام 1987 أنه اتضح -بعد تثبيت أثر الخلفية الاجتماعية وغيرها من المؤثرات- أن الإنجاز التعليمى لتلاميذ المدارس الكاثوليكية الخاصة كان أفضل من إنجاز تلاميذ المدارس الأخرى، وذلك بسبب ارتفاع المستوى العلمى المطلوب تحصيله وشدة معايير الانضباط داخل ذلك النوع من المدارس، وبسبب أنواع الأسروالمجتمعات المحلية التى ينتمى إليها أولئك التلاميذ. وقدناقش كولمان تلك الفئة الثانية من العوامل تحت عنوان رأس المال الاجتماعى.
ومن اللاقت للنظر فعلاً أنه برغم القيود الزمنية التى عمل فى ظلها كولمان وزملاؤه، و الموضوعات المحدودة التى ألزمته بها مجموعة الموظقين الحكوميين الذين كانوا يتابعون الدراسة، فإن جميع النتائج المرئيسية التى توصل إليها كولمان قد صمدت - فيما عدا نتيجة واحدة -أمام عمليات الفحص والتمحيص التى قام بها فيما بعد جيش من العلماء الاجتماعيين. من هذا، على سبيل المثال، تشكيل مجموعة من كبار العلماء الاجتماعيين ومن المتخصصين فى الإحصاء الاجتماعى حلقة دراسية من أساتذة جامعة هارفارد لدراسة تقرير كولمان . وظل أفراد تلك المجموعة يتقابلون لمدة عام كامل من أجل هدف واحد هو التحقق من صحة النتائج الأصلية للتقرير عن طربق إعادة تحليل البيانات . وقد أوضح التحليل البعدى للنتائج أن خطاً معينا فى عملية الترميز قد أدى إلى الإيحاء بوجوددليل على تأثيرجماعات الرفاق - على الانجاز التعليمى- بدرجة تفوق الحقيقة . وهو خطاً سى الحظ بشكل هائل لأن تلك النتيجة بالذات كثيرا ما استخدمت لدعم سياسات التكامل المقصود والإجبارى بين مجموعات التلاميذ وجمعهم فى سيارات مدرسية واحدة، باعتبار ذلك هو الوسيلة الفعالة للقضاء على الفصل العنصرى ووضع حد له، ولتحسين الإنجاز التعليمى للتلاميذ السود .
ويجد القارئ تلخيصاً ممتازاً وتقييماً لتقرير كولمان، مع عرض للبحوث التى تلته فى المقال المعنون "إسهامات كولمان في التعليم" والمنشور في كتاب كلارك (محرر): جيمس كولمان، المنشور عام 1996.