تعريف الدواء
Drug / Medicine إلى يومنا هذا لم يتم تعريف الدواء تعريفاً دقيقاً ومحدداً بإحكام - شديد العناية بالتفاصيل - حرصاً على الدقة وعلى عدم الوقوع في الخطاء. عامة الجمهور والمثقفين ُيعرفون الأسبرين على أنه دواء/علاج لعلاج الصداع وخفض الحرارة...إلخ بينما قد يخفى على الكثير منهم بأن الأصناف التالية عبارة عن أدوية أيضاً وهي:
- المنتجات الغذائية (بالإنكليزية: Food products)
- مستحضرات التجميل (بالإنكليزية: Cosmetics)
- البهارات والمكسرات والأعشاب الطبية (بالإنكليزية: Herbal therapies)
- مستحضرات الرشاقة والعناية بالبشرة والجسم.
- المواد الغذائية الملحقة / التعويضية (بالإنكليزية: Food supplements/ Diet supplements) كالفيتامينات والمعادن والأملاح.
- التداوي / العلاج المنزلي (بالإنكليزية: Home Remedies)
- مواد النظافة (بالإنكليزية: Detergents)
قد تحتوي هذه الأصناف على العديد من المواد الفعالة (أدوية). فمثلاً الشاي / القهوة (الكافيين والفلفل (الكابسيسين (Capsaicin ووجبات الشوفان oat-meal والماء العطري للزهور كالزعتر والورد والزهر Aromatic : Thyme water, Rose water, Eau de fleur water لها تطبيقات علاجية ولكنها تعتبر/تصنف من ضمن المنتجات الغذائية من قبل عامة الجمهور والمثقفين والجهات الرسمية.
تجمع المراجع والدساتير على تعريف الدواء بشكل عام على أنه: أي مادة كيميائية لها القدرة على تعديل/ تغيير الوظائف الجسدية/الحيوية الطبيعية للكائن الحي (إنسان/حيوان/نبات) حال امتصاصها ودخولها داخل جسد الكائن الحي. وُيعرف الدواء من قبل علماء الدواء بأنه: أي مادة كيميائية تستعمل/تستخدم: في العلاج/ الشفاء من الأمراض، أو في تشخيص الأمراض (العلة/الداء) التي تصيب الكائن الحي (إنسان/حيوان/ نبات)، أو التي تفيد في تخفيف وطأة وحدة المرض والوقاية منها، أو التي تفيد في تعزيز الصحة البدنية والنفسية للكائن الحي.
نلاحظ من التعاريف السابقة أن هناك توسيع لدائرة المواد/الأصناف التي تدخل في مجال التعريف الدوائي لمفهوم الدواء في التداوي/العلاج. الدواء إما أن يكون ُمستخرجا ً/مستخلصاً من النبات أو الحيوان أو الأرض (الطبيعية) أو مشيداً في معامل أبحاث تشييد وتصميم وتطوير الدواء والتي تؤثر بحكم طبيعتها الفيزوكيميائية (أي الدواء) في بنية الكائن الحي أو في وظيفته الجسدية. فمثلاً مادة الإنسولين يطلق عليه مسمى هرمون عندما يتم إفرازه من قبل غدة البنكرياس داخل جسم الإنسان بينما يطلق على الإنسولين مسمى دواء عندما يتم إعطاؤه من الخارج إلى داخل جسم الإنسان لعلاج مرض السكر. تميل بعض الدول إلى تعريف الدواء بالقانون ومنها تعريف هيئة الدواء والغذاء الأمريكي:
الدواء: أي مادة أو مواد معدة للاستخدام بغرض التشخيص (بالإنكليزية: Diagnosis) أو الشفاء (بالإنكليزية: Cure) أو تخفيف/تسكين الألم (بالإنكليزية: Mitigation) أو المعالجة (بالإنكليزية: Treatment) أو الوقاية من الأمراض Prevention of disease سواءاً في الإنسان أو الحيوان، كما تشمل تلك المواد (من غير الأغذية) المعدة للتأثير في بنية أو في الوظائف الجسدية/الحيوية للإنسان أو الحيوان. كما ُتعرف هيئة الدواء والغذاء الأمريكي الأدوية المخدرة وتلك الخاضعة للرقابة على نحو منفصل وتستثني من ذلك بوضوح الدخان (بالإنكليزية: Tobaco) والشاي/ والقهوة والمشروبات الكحولية Alcoholic beverages, وتشترط هيئة الدواء والغذاء الأمريكي أن يكون الدواء فعالا وآمنا أي له القدرة على التأثير وصالح للاستخدام (غير منطوي على مخاطر).
يفهم من السياق والتعاريف السابقة للدواء أن هناك خط فاصل ما بين الأدوية المستخدمة في الصحة والأدوية التي أسيء استخدامها بمعنى آخر، أي أن هناك دواء طيب أو جيد وصالح للاستخدام وآخر رديء أو سيء وغيرصالح للاستخدام. هنا يتبادر سؤال في الذهن هل حقيقةً هناك دواء نافع وآخر ضار؟ فإذا كان الدواء آمن فلابد أن تنطبق عليه العايير التالية: 1. أن ينجزالمهمة ويلبي الحاجة / الغرض الذي أستخدم من أجله. 2. خالي تماماً من الأضرار الجسدية/الحيوية والنفسية أي آمن/نافع تماماً(100%). 3. أن يكون سهل الأخذ/ التعاطي / التناول.
حقيقة الأمر، لا يوجد حتى يومنا هذه (1430 هـ ،2009م) وعلى مستوى العالم دوءاً متطابق مع الشروط والمعايير أعلاه. قد يقول قائل أن هناك بعض الأدوية قريبة جدا ًمن التطابق مع الشروط والمعايير أعلاه مثل البنسلين حيث أنه أحد الأدوية الأكثر فعالية ضد البكتريا والأكثر أماناً (اقل ضرراً). ومع ذلك فإن للبنسلين عيوبا/عوائق يحد من استخدامه مثل: 1- عدم مقدرته على قتل جميع أنواع البكتريا المعروفة. 2ـ مع مرور السنين على استخدامه ظهرت سلالات من البكتيريا مقاومة للبنسلين. 3-هنالك الكثير من المرضى الذين يعانون من حساسية ضد البنسلين.
بينما يٌعتبر البنسلين أحد الادوية الآمنه إلى حد ما, فإن هنالك بعض الأدوية من غير ريب ضارة/خطرة على الصحة. فمثلاً المورفين دواء مسكن للألم من الطراز الأول ومع ذلك فإن بعض المرضى لايستطيعون تحملة كما أن المورفين (الأفيون) يهبط عمل الجهاز التنفسي علاوة على إدمانه، بل إن المورفين قد يقتل الإنسان عند تجاوز الحد أو الإفراط في استخدامه (زيادة الجرعة). مما سبق نستنتج أنه ليس هناك دواء آمن بمعنى الكلمة 100% كما قد يتوهم الشخص أو يعتقد. قد يسأل سائل وماذا عن الأدوية الرديئة أو السيئة أو الخطرة أو الضارة ! وهل نستطيع ذكر/التحدث بأي شي جميل/حسن عنها؟
نعم. ولنأخذ مثالاً على ذلك الهيروين فعلى الرغم من أنه يعتبر أحد أكثر الادوية إسراعاً وإحداثاً للإدمان على المخدرات, إلا أنه أفضل دواء قاتل للألم (بالإنكليزية: Pain killer) ُعرف من قبل الإنسان، لذلك أطلق عليه هيروين في نهاية القرن التاسع عشر وذلك اعتقاداً منهم بأنه دواء بطل ونبيل Heroic drug، كما أنه يطرد الألم ويحل محله الراحة والهدوء. تم سحبه من الأسواق بعد طرحه للبيع عام 1898م بسبب سوء استخدامه وظهور وثبوت خاصية الهروين وقوته على إحداث الإدمان. لا زال الهيروين يستخدم إلى يومنا هذا وفق ضوابط محددة، حيث يعتبر الدواء ذو الاختيار الأفضل/الأنسب في علاج مرضى السرطان المشرفين على الموت/القريبين من حافة الموت (الله أعلم). فإعطاء المورفين أو الهيروين أو الديامورفين(بالإنكليزية: Diamorphine) لهؤلاء المرضى سوف يخفف من آلامهم الشديدة والحادة وتعطيهم شعور بالنشوة والنشاط والخفة ممايساعد على عكس حالة الاكتئاب المزمن التي يعاني منها المرضى المشرفين / القريبين من الموت، فهل نستطيع إدانة وشجب هذه الأدوية ونعتها ووصفها بأنها أدوية ضارة وغير آمنة وسيئة وغير صالحة للاستخدام ؟!
جميع الأدوية وبدون استثناء لها خاصية النفع والضرر (بإذن الله)، فبعض الأدوية أكثر نفعاً وأماناً من غيرها والعكس صحيح, ويجب على المريض أن يعلم أن الدواء سبب نافع وأن الشافي هو الله. كل دواء يتميز وينفرد عن غيره بخواص معينه خاصة به، فبالتالي كيف لنا أن نعرف الدواء؟ إذا كان تعريف الدواء (كماسبق أعلاه) بأنه أي مادة كيميائية أو مركب كيميائي قادر على التداخل/ التفاعل مع النظام البيولوجي لجسد الكائن الحي وإحداث تأثير/ تغيير حيوي /بيولوجي ملحوظ في الكائن الحي. مثل هذا التعريف يغطي جميع الأدوية التي ناقشناها سابقاً، بل إن دائرة نطاق التعريف يمتد يتوسع/ليشمل مواد أخرى. هناك العديد من المواد الكيميائية التي نتناولها كل يوم والتي لها القدرة على إحداث تأثير حيوي/بيولجي فينا.
المواد الكيميائية؟ إن أحد هذه المواد الكيميائية موجودة في كل فنجان قهوة أو كأس فما هي هذه. caffeine شاهي، فهذه الاشربه تحتوي على مادة منبهة تسمى كافيين فأنت عندما تشرب فنجاناً من القهوه أو الشاهي، فأنت فعلاً تأخذ جرعة دواء! ويمكن أن نتمادى في القول ونقول إنك drug addict في حقيقة الأمر مدمن دواء عندما تشتد بك الرغبة لكوب من الشاهي أو لفنجان من القهوة طلباً لليقظة والانتباه. والأطفال كذلك ليسوا بمنأى/بعيدين من هذا الإدمان، حيث أنهم يتناولون جرعاتهم من مادة الكافيين الموجودة في البيبسي والحلويات. مثل هذا القول قد يُعجب أو لا ُيعجب الجمهور فسواءاً علمت ذلك أو لم تعلم فإن هذا لا يغير من حقيقة الأمر بأن الكافيين دواء.
أنت عندما تأخذ كوباً من الشاهي أو فنجاناً من القهوه سوف تشعر بتغير في المزاج والشعور/الإحساس. يمتد السرد/الحديث ليشمل دواء آخر يتناوله البعض منا طلباً للراحه والهدوء والسعادة مثل السجائر/ التبغ وخلافه لاحتوائها على مادة النيكوتين (بالإنكليزية: Nicotine), بل إن بعض الأغذية تحتوي على أدوية مثل اللحوم والشرائح /المنتجات الغذائية المجففة والأشربة وخاصة الفوارة منها أعتبرت مسؤولة عن النشاط الزائد لدى الأطفال hyperactivity وهذا راجع لاحتواء هذه الأغذية على جرعات عالية من أحماض أمينية معينة والتي تتحول داخل جسم الإنسان إلى مواد ناقلة للإشارات / الرسائل العصبية Neurotransmitter بين الأعصاب. فإذا زاد تركيز هذه المواد الكيميائية الناقلة للإشارات / الرسائل العصبية داخل الجسم، فإن ذلك يؤدي إلى زيادة وصول الرسائل/الإشارات العصبية إلى داخل المخ بكميات كبيرة مما يؤدي إلى حدوث اضطراب في السلوك والتصرف وبالتالي زيادة النشاط والحركة لدى الطفل.
تؤكد التقارير ظهور حالات حساسية شديدة ومفرطة للمواد الإضافية في الاغذية مثل المواد المنكهة والحافظة. ويمتد نطاق التعريف للدواء ليشمل مواداً قد تبدو لنا من الوهلة الأولى بأنها ليست أدوية ولإيضاح ذلك لنتأمل الأمثلة التالية: يتفاعل/ يتداخل مع الجسم لإسكان/إزالة الألم. (بالإنكليزية: morphine) المورفين يتفاعل/يتداخل مع الجسم وقد يتسبب في الوفاة. sank venom سم الثعبان يتفاعل/ يتداخل مع الجسم وقد يتسبب في الوفاة. strychnine الايستريكينين. Hallucination يتفاعل/يتداخل مع الجسم لأحداث حالة الهلوسة LSD. الشاهي/القهوة يتفاعل/ يتداخل مع الجسم لإحداث حالة من النشاط والتنبيه (لإيقاظك). البنسيلين يتفاعل / يتداخل مع جسم البكتيريا لكي يقتلها. السكر يتفاعل/يتداخل مع اللسان لإحداث حالة من الاستطعام / التذوق Sense of taste. جميع المواد أو المركبات السابقة ينطبق عليها تعريف الدواء تماماًً. قد يبدو هذا غريباً من الوهله الأولى ! وقد يقول قائل مستغرباً وهل يمتد نطاق تعريف الدواء ليشمل السموم مثل سم ثعبان ؟ ! واستخدامه كدواء !. نعم, فهذا بالإمكان ولا يبدو غريباً خاصة إذا ما ألقينا نظرة متفحصة لمفهوم الدواء. فمثلاً ليست لدينا مشكلة في تعريف البنيسيللين بأنه دواء فإذا كنا (افتراضا ً) حيوان بكتيري، فإن البنسلين فعلاً دواء سام ويتسبب في قتلنا كحيوان بكتيري، حيث انه من المعلوم أن البنسلين يتداخل أو يتفاعل مع الجهاز البيولوجي للبكتيريا ويقتلها (القتل هنا عبارة عن استجابة بيولوجية / حيويه لتأثير دواء البنسلين على البكتيريا المستهدفة). إن جميع الأدوية التي تستخدم في التداوي قد تسلك سلوكاً تمرديا أو قد يكون لديها القدوة الكامنه لتصبح سماً زعافاً عند زيادة الجرعة.
حدثت حالات وفاة نتيجة تعاطي جرعات مفرطه/زائدة من دواء المورفين. فالمورفين في الجرعات الصغيرة يقتل الألم ويزيحه ويحل محله الطمأنينة والنشوة والهدوء والراحة، بينما المورفين في الجرعات العالية / الزائدة يعتبر سما ويتسبب في الوفاة بخنق الضحية/المتعاطي. لذا فإنه من المهم جداً التعامل مع الادوية على أساس أنها سموم ذات قدرة/قوة كامنة لإحداث ضرر في الإنسان ووجوب حفظها بعيداً عن متناول الأطفال الباحثين عن الحلويات المخبأة. قد يسأل سائل إذا كان الدواء ضاراً في الجرعات الزائدة فهل نستطيع القول بأن السموم تكون نافعة ومفيدة للصحة في الجرعات الصغيرة / الضئيلة. نعم¸ وهذا ماتم ملاحظتة مع بعض السموم فمثلاً:
- Arsenic ـ الزرنيخ وهو معروف تماماً بأنه سم قاتل للإنسان والحيوان ومع ذلك فقد تم استخدام مركبات الزرنيخ لقتل الديدان المعوية والكائنات وحيدة الخلية التي تصيب الإنسان مثل البلهارسيا في بدايات القرن الماضي.
- نبات الكوراري Curare وهي من النباتات الاستوائية يستخرج منها سم قاتل يسمى: تيوبوكورارين Tubocurarina، يستخدمها هنود أمريكا الجنوبية (شعب الانكا) لتسميم السهام وتستخدم طبياً لأحداث الارتخاء العضلي في العمليات الجراحية.
بدراسة ومعرفة خواص السموم وباستخدام جرعات مناسبة منها قد نرى دوراً جديداً للسموم في العلاج / التدواي وبنفس السياق فإن المبيدات الحشرية والعشبية (بالإنكليزية: Pesticide and herbicides) تعتبر / تصنف من الادوية حيث أنها تتداخل / تتفاعل مع جسم البكتيريا/الفطر/الحشرة لتدميرها وقتلها. مما سبق نستنتج أن الدواء: هي المواد التي يُتداوى بها. وأن الداء/المرض عبارة عن ضرر يلحق بالبدن ويخرجه عن الاعتدال وقد يكون من فساد العضو أو من ضعف القوى الحاملة لها. وأن الشفاء: مصادفة الدواء للداء ورده / دفعه.
هنا قد يسأل سائل بأن الكثيرين من المرضى يداوون فلا يبرءون ؟ وللإجابة نقول أن ذلك راجع لفقد العلم بحقيقة المداواة وحقيقة المرض وحقيقة طبع الدواء, لا لفقد الدواء