المطران بولص فرج رحو هو أحد أساقفة الكنيسة الكلدانية الكاثوليكية، كان مطراناً في مدينة الموصلالعراقية. اختطف من قبل جماعة من المسلحين بتاريخ 29 شباط/فبراير2008 وذلك في منطقة النور السكنية شرق مدينة الموصل، حيث جرت واقعة الخطف بعد أن أنهى المطران (65 عاماً) طقوس صلاة "درب الصليب" (التي تقام خلال صوم عيد القيامة) وكان في طريق مغادرته للكنيسة فتعرض له مجهولون وأطلقوا النار على سيارته مما تسبب في مقتل سائقه واثنين من مرافقيه واختطافه هو [١]. وفي يوم 13 آذار/مارس2008 عثر على جثة المطران قرب مدينة الموصل ولم تحدد بشكل رسمي الجهة التي أقدمت على خطفه ولا سبب وفاته [٢].
ولد بولص رحو بتاريخ 20 كانون الأول/ديسمبر عام 1942 لوالديه اسطيفان رحو ووالدته مادلين سموعي يعقوب السقا، وقد كان الأصغر بين أشقائه الأربعة وشقيقاته الثلاث. أتم دراسته الابتدائية في مدرسة شمعون الصفا في مدينة الموصل شمال العراق، ومن بعدها المرحلة الثانوية في المعهد الكهنوتي التابع لكنيسته (إكليريكية شمعون الصفا الكهنوتية البطريركية) وذلك بين عامي 1954و1960، وأيضاً في العاصمة بغداد بين عامي 1960و1965، ومن ثم انشغل في دراسة الفلسفةواللاهوت في المعهد المذكور سابقاً.
كانت له نشاطات رعوية واجتماعية كثيرة، حيث أسس جماعة المحبة والفرح لذوي الاحتياجات الخاصة عام 1986 والتي تطورت لاحقاً لتصبح جماعة مسكونية في بعض كنائس العراق، وفي عام 1993 أوجد جماعة أصدقاء يسوع الخيرية لإعانات الأسر الفقيرة، وفي عام 1996 أنشأ جماعة أصدقاء الناصرة لمساعدة العوائل الجديدة، وفي العام التالي أنشأ واحة المحبة والفرح للعيش مع الإيتام، وبسبب علاقاته الواسعة مع مختلف أطياف الشعب العراقي اختير ليكون عضواً في مجلس أعيان الموصل. كتب المطران بولص رحو للمجلات المحلية الكثير من المقالات في المجالات الرعوية والثقافية، ووضع كتاباً عن كنيسة مار إشعيا برقو سري [٣].
ردود الفعل حول عملية الخطف
كان خبر اختطاف المطران بولص رحو بتاريخ 29 شباط/فبراير2008 قد أثار استهجان واستنكار الكثير من الشخصيات الدينية والسياسية في العراق والخارج مثل:
وصرح البطريرك مار أدى الثاني رئيس الكنيسة الشرقية القديمة في بيان أصدره عشية اختطاف المطران رحو، صرح باستنكاره لعملية الخطف متمنياً أن يتم إطلاق سراحه حالاً [٥].
وفي بيان صحفي له أدان المطران عطا الله حنا رئيس أساقفة سبسطية للروم الأرثوذكس عملية الخطف معتبراً إياها "حادثة إجرامية ومأساوية" وأضاف "أن آلامنا وجراحنا في فلسطين لم ولن تنسنا جراح وآلام الشعب العراقي الشقيق " متمنياً عودة السلام والأمن لربوع البلدين [٧].
ملف:Flag of Iraq.svg وفي رسالة بعثها إلى بطريرك الكنيسة الكلدانية أعرب رئيس الوزراء العراقينوري المالكي عن أسفه الشديد لخطف المطران بولس رحو، وأعلم البطريرك بأنه أعطى توجيهاته لوزير الداخلية جواد البولاني ومسؤولي الأجهزة الأمنية في محافظة نينوى لبذل جهدهم في إطلاق سراح المطران [٩].
كذلك طالبت هيئة علماء المسلمين الخاطفين بإطلاق سراح المطران، مشيرة إلى أن هذه العملية تخدم مشروع الاحتلال الأمريكي في زعزة الوحدة الوطنية وتفتيت وحدة المجتمع العراقي، وتابعت الهيئة في بيان لها بأن المسيحيين العراقيين هم جزء من الشعب العراقي ولهم من الحقوق مالغيرهم من أبناء هذه البلد [١٠].
ودعا المرجع الشيعي قاسم الطائي الخاطفين إلى الحفاظ على حياة المطران وإطلاق سراحه [١١]، وقامت أيضاً مؤسسة شهيد المحراب الشيعية (التي أسسها السيد باقر الحكيم) بإصدار بيان تستنكر فيه عملية خطف المطران بولس فرج رحو واصفة خاطفيه بأعداء الشعب والوطن مطلبةً إياهم بإطلاق سراحه على الفور [١٢].
واستهجن المرجع الشيعي اللبنانيمحمد حسين فضل الله اختطاف المطران الكلداني مطالباً بإطلاقه وأضاف قائلاً: "ندعو الجميع للعمل على طمأنة المسيحيين في العراق، ليبقى هذا البلد ملتقى دينيا وإنسانيا لكل الاتجاهات والتيارات الدينية أو السياسية، وموقعا حضاريا لانفتاح الإسلام على جميع المواطنين بالرحمة والمحبة والحرية، وخصوصا أن العراق لم يشهد في كل تاريخه الوطني مثل هذه العمليات غير الإنسانية في الخطف والقتل والتشريد لكل أصناف المواطنين" [١٨].
المفاوضات مع الخاطفين
في مقال نشرته النيويورك تايمز بتاريخ 14 آذار/مارس كشفت عن أن شخصيات رسمية من الكنيسة الكلدانية صرحت بأن المطران بولص كان قد تعرض لطلق ناري في رجله عندما هاجمه الخاطفين ممطرين سيارته بسيل من الرصاص، وبعد أن ألقوه في مؤخرة سيارتهم تمكن المطران من استعمال هاتفه الخلوي واتصل بمسؤولين من الكنيسة طلب منهم عدم دفع أي فدية لإطلاق سراحه لأنه سوف يتم استخدام المال لأذية المزيد من الناس [١٩].
وفي مساء يوم 2 آذار/مارس أبلغ المطران جرجس قس موسى راعي كنيسة السريان الكاثوليك في الموصللوكالة ميسنا الكاثوليكية للأنباء بأنه تلقى اتصالاً هاتفياً من الخاطفين لبدء مفاوضات إطلاق سراح المطران بولص رحو دون أن يذكر مطالبهم، وأعرب قس موسى عن قلقه البالغ على حالة رحو الصحية الحساسة، حيث أشار إلى أنه بحاجة لتناول أدوية مهمة بشكل منتظم [٢٠].
وكان جنرال أمريكي في العراق قد صرح بأنه من المحتمل أن الخاطفين يرغبون بالحصول على فدية مقابل إطلاق سراح المطران، وتابع الجنرال مارك هرتلينغ بأنه ليس واثق بأنه سيتم الإفراج عن رحو حياً، وقال "لا يمكن أن يقتل بسهولة وسيكون ذلك مخيباً للآمال بالفعل"، وأكد الجنرال بأن القوات الأمريكية والعراقية تقوم بالبحث عن المطران المختطف [٢١].
وفي حديث مع مسؤول من مطرانية الموصل علمت وكالة الأنباء الإيطالية (آكي) ببعض شروط الخاطفين ومنها (بحسب ذلك المسؤول) فدية قدرها مليون دولار زيدت لاحقا لتصل إلى مليونين ونصف، ثم تقدمت الجماعة الخاطفة بثلاث شروط على الكنيسة اختيار أحدها لتساهم في عملية "الجهاد" دون إعطاء ضمانات بإطلاق صراح المطران بولص، وتلك الشروط هي:
وبحسب اعتقاد نفس المصدر المسؤول فأن الجماعة التي خطفت رحو وطلبت فدية المليون دولار الأولى سلمت المطران بعد تدويل القضية لجماعة "أكثر احترافية منها" لتكمل عملية التفاوض بدلاً عنها، وقامت هذه الأخيرة بتقديم الشروط الآنفة الذكر للكنيسة [٢٢]
وبعد العثور على جثمان رحو صرح العميد خالد عبد الستار الناطق باسم شرطة محافظة نينوى بأن محادثات قد جرت بين الخاطفين وأشخاص مقربين من المطران المختطف طلبوا خلالها فدية قدرها مليون دولار، وأكد أندراوس أبونا مساعد البطريرك الكلداني بأنه جرت بالفعل مفاوضات بين الجماعة الخاطفة ومسؤولين رسميين من الكنيسة لإطلاق سراح المطران ولكنه نفى علمه بموضوع الفدية [٢٣].
وفاة المطران
بتاريخ 13 آذار/مارس بعد قرابة الأسبوعين من اختطافه وجدت جثة المطران بولس فرج رحو مدفونة في مقبرة، وبحسب موقع قناة عشتار الفضائية فأن الخاطفين أعلنوا من خلال اتصال هاتفي موت المطران وبأنهم قاموا بدفنه في مقبرة قرب الموصل، وبعد أن عثر موظفي الكنيسة على جثمانه في المكان المذكور تم نقله إلى دائرة الطب العدلي للفحص، وأكدت الشرطة العراقية في وقت لاحق من ذلك اليوم بأنه عُثر فعلاً على الجثة دون ذكر معلومات عن هوية القاتل أو القتلة أو عن كيفية الوفاة، إلا أن تقارير إخبارية أشارت إلى احتمال موته بسبب المرض وليس قتلاً حيث لم تظهر على الجسد آثار تعذيب أو طلق ناري، وبحسب الشرطة العراقية فأنه من حالة الجثة يستدل بأنه ربما قد مضى على الوفاة أسبوع على الأكثر، بينما تحدثت وكالة الأنباء الكاثوليكية الإيطالية "اس أي آر" عن إبلاغ الخاطفين لمسؤولي الكنيسة يوم الأربعاء بتردي حالة المطران الصحية ومن ثم أعلموهم بوفاته.[٢٤][٢٥]
ومن جهتها ذكرت وكالة الأنباء الإيطالية (آكي) في مساء اليوم الذي عثر فيه على جثمان المطران بولص رحو بأن مصدر من مطرانية الموصل صرح لها بأن قضية وفاة المطران لا تزال غامضة، فبعد فحص الجثة في الطب الشرعي وجد أنها لم تكن تحمل أي ندبات أو أي أثر لفعل عنيف وتقرر بأن الوفاة حدثت لأسباب طبيعية دون التمكن بعد من تحديد وقتها بشكل دقيق. وأفصح المصدر عن المكان الذي عثر فيه على جثمان المطران وهي منطقة مطاحن بالقرب من الحي الصناعي في مدينة الموصل (على طريق أربيل)، وتمكن موظفو الكنيسة من بلوغ المكان بعد أن أعطاهم الخاطفين وصفاً دقيقاً له، وأشار نفس المصدر إلى أن تلك المنطقة كانت تحت مراقبة الأجهزة الأمنية منذ أربعة أيام [٢٦].
وأعلنت مطرانية الكلدان في الموصل لوكالة الأنباء الإيطالية (آكي) بأن جثمان المطران سوف يدفن في مقبرة بلدة كرمليس في ضواحي الموصل، وأكد مصدراً لها بأنه بات من المؤكد أن بولص رحو قد توفي إثر أزمة قلبية، خاصة أنه كان يعاني من هذا المرض وتمكن سابقاً وبصعوبة من تجاوز جلطتين قلبيتين، إلا أن الحالة النفسية الصعبة والضغط الشديد الذي تعرض له في أيامه الأخيرة ساهما بإصابته بجلطة جديدة كانت قاتلة هذه المرة. وصرح مصدر أمني من شرطة نينوى بأنه كان قد تم العثور على جثة المطران في منطقة حي الانتصار بالموصل[٢٧].
وفي يوم الجمعة 14 آذار/مارس تم تشييع المطران بولص رحو في كرمليس بحضور الكادرينال عمانوئيل دلي وممثلين عن باقي الطوائف الدينية وشخصيات سياسية واجتماعية مختلفة، واحتشد في المكان عدد كبير من العراقيين المسيحيين من مختلف المناطق للمشاركة في الجنازة، ورافق حرس مسلحين موكب المشيعين الذين كانوا يحملون الشموع والأزهار [٢٨][٢٩]. وخلال مراسيم التشييع بدا التأثر الشديد على عمانوئيل دلي الذي بكى الميت ودعا أبناء رعيته لعدم الأخذ بالثأر للمطران فهم "مجبرين على السير في طريق السلام" بحسب تعبيره، تحدث بعدها البطريرك عن مناقب المطران بولص، وبعد طقس الصلاة الذي استمر مدة ساعتين دفن الجثمان في كنيسة مار أدى. ولم تكشف بشكل رسمي ملابسات القضية وفيما إذا كان المطران قد مات قتلاً أو لأسباب أخرى إلا أن رئيس الحكومة العراقية نوري المالكي عامل الموضوع وكأنه جريمة قتل، واتهمت السفارة الأمريكية في بغداد والجيش الأمريكي تنظيم القاعدة بالوقوف وراء كل شيء [٣٠].
بعد أن تلقيت نبأ الوفاة المأساوية للمطران بولس فرج رحو الذي اخُتطف في 29 من شباط فبراير الفائت، أود التعبير عن قربي من الكنيسة الكلدانية والجماعة المسيحية بأسرها وأؤكد شجبي لعمل عنيف لاإنساني يهين كرامة الكائن البشري ويضر بقضية التعايش الأخوي للشعب العراقي الحبيب. فيما أؤكد على صلواتي الحارة لراحة نفس الراعي الغيور الذي خُطف في ختام الاحتفال برتبة درب الصليب، أسال الرب رحمته كيما يساعد هذا الحدث المأساوي في بناء مستقبل سلام في أرض العراق المعذب
ملف:Flag of Iraq.svg وبعث رئيس الوزراء العراقينوري المالكي بدوره رسالة للكاردينال عمانوئيل دلي يعزيه فيها بوفاة رحو مؤكداً بأن خاطفيه لن يفلتوا من حكم العدالة [٣٣]. وبحسب وكالة رويترز للأنباء فأن المالكي وجه أصابع الإتهام إلى منظمة القاعدة التي اتهمها بالوقوف وراء اختطاف وقتل رحو [٣٤]، شاركه في ذلك الرئيس العراقي جلال طالباني في رسالة تعزية بعثها للبابا بينيدكتوس السادس عشر ورد فيها أيضاً : "إننا إذ نعزيكم من أعماق أفئدتنا المفجوعة، نؤكد لكم بأن المجرمين لن يتمكنوا من غرس نبتة البغضاء والفتن، وان المسيحيين، العراقيين الاصلاء، سيبقون يعملون مع أشقائهم من المسلمين وأبناء الطوائف والديانات الأخرى من اجل استئصال منابت الكراهية والفرقة، وترسيخ وشائج الإخوة والمحبة والوئام.". كما أدان رجال دين عراقيون من الأديان والمذاهب المختلفة مقتل المطران بولص [٣٥].
ملف:Flag of the United Kingdom.svg وأعرب وزير الخارجية البريطانية ديفيد بيليماند عن صدمته إزاء حادث مقتل المطران رحو واعتبره عمل جبان. وقال بأن العراق لن ينعم بالسلام إن لم تعمل القيادات السياسية والإثنية والدينية معاً بسلام [٣٧].
واستنكر عمرو موسى أمين عام الجامعة العربية في بيان صدر عنه مقتل المطران رحو واصفاً ماحدث بالجريمة النكراء معرباً عن أمله بأن تتحسن الأوضاع في العراق[٣٨].
ملف:Flag of France.svg كذلك استنكرت الخارجية الفرنسية بشدة "مقتل" المطران رحو وقدمت تعازيها لأسرته ولبطريرك الكنيسة الكلدانية الكاثوليكية معلنة تضامنها مع مسيحيي العراق وقالت في بيانها "إزاء العنف الذي يدمي هذا البلد يوميا، تذكر فرنسا بأنه لابد من أن تجد كافة الطوائف مكانتها في عراق ديمقراطي ومسالم يضمن لكل واحد الحريات المدنية وحرية العبادة" [٣٩].
ملف:Flag of Jordan.svg وأدانت الحكومة الأردنية أيضاً مقتل رحو على لسان وزير الدولة لشؤون الاعلام والاتصال ناصر جودة متمنية أن لا يؤثر ذلك على مسيرة المصالحة العراقية، بينما اعتبر الأمير الحسن بن طلال ما وصفه باغتيال المطران "جريمة بشعة وطعنة لكل القيم السماوية والإنسانية" [٤٠].
ملف:Flag of Italy.svg واعتبر ماسيمو داليما وزير الخارجي الإيطالي في بيان نشرته وزارته أن ما حدث للمطران "حدث جلل يعكس وحشية في اللاتسامح" مندداً بمقتله ومؤكداً وقوف بلاده إلى جانب الشعب العراقي والكنيسة الكاثوليكية[٤١].
ملف:Flag of the Vatican City.svg وفي تصريح أدلى به لصحيفة إل كوريري ديلا سيرا قال الكاردينال ريناتو مارتينو رئيس المجلس البابوي للعدالة والسلام "لو لم تشن الحرب على صدام حسين لما كنا الآن ننتحب على موتانا" وأضاف بأن تلك الحرب التي أُريد منها احتواء التوجهات المعادية للعالم الغربي أساءت كثيراً لمسيحيي العراق الذين اعتبروا من قبل الجماعات المتطرفة "طابور خامس" وبات وجودهم التاريخي في العراق مهدداً على حد وصفه[٤٢].
التحقيق
وفي شهر أيار/مايو 2008 حكمت محكمة عراقية بالإعدام على أحمد علي أحمد - المكنى أبو عمر متهمة بتهمة قتل المطران بولص فرج رحو، وقد وصف أبو عمر بأنه أحد قادة تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين[٤٣]. يذكر أن هذا الخبر لم يقابل بالترحيب من قبل أوساط دينية وسياسية وثقافية مسيحية، حيث تم التشكيك بصحة إدعاءات الحكومة العراقية المتعلقة بإلقاء القبض ومحاكمة وإعدام القاتل. فقد وصف سكرتير المجلس القومي الكلداني ضياء بطرس الرواية الحكومية بأنها «مبهمة وغير واضحة»، واعتبرها «قصة فبركتها الحكومة العراقية في سياق العملية العسكرية في الموصل لحشد الدعم الشعبي ولتطمين المسيحيين في العراق من انها لا تتقاعس في حمايتهم». من جانبها عبرت السفارة الأمريكية في بغداد عن رضاها بقرار المحكمة بإعدام «أبو عمر»، ومدحت السلطات العراقية لانزالها العقاب "العادل" بمرتكب الجريمة، مقدمةً تعازيها إلى عائلة المطران وكنيسته [٤٤].
وضع المسيحيين في العراق بعد الغزو الأمريكي
منذ بدء الاحتلال الأمريكي عام 2003 تأزم الوضع الإنساني في العراق بصورة فظيعة حتى أن لجنة الصليب الأحمر الدولي وصفته في مارس 2008 بأنه الوضع الإنساني الأسوء في العالم [٤٥]. ضمن هذا الإطار تردت أيضاً أوضاع المسيحيين بشكل كبير، حيث أشار تقرير نشره موقع البي بي سي العربي إلى أن قرابة نصف المسيحيين العراقيين المقدر عددهم بـ 800 ألف نسمة قد فروا إلى الخارج بسبب أحداث العنف، حيث تعرض قسم منهم لأحداث إجرامية كالخطف والتعذيب والقتل، وتكررت بشكل خاص حوادث اختطاف واغتيال رجال الدين المسيحي، كما حدث عام 2005 عندما وقع بولص اسكندر أحد قساوسة الكنيسة السريانية الأرثوذكسية بيد جماعة مسلحة في أحد شوارع الموصل، وطالب الخاطفين حينها بفدية دفعتها لهم أسرة القس إلا أن جثة الأخير وجدت بعد فترة ملقاة في شارع مقطوعة الرأس والأطراف. وفي مطلع عام 2005 خطف باسيل جورج القس موسى مطران كنيسة السريان الكاثوليك في العراق وأخلي سبيله فيما بعد. وفي كانون الأول/ديسبمر 2006 اختطف في بغداد سامي الريس الكاهن في الكنيسة الكلدانية وأطلق أيضاً، وبعد أيام من اختطاف الأخير أعلن عن مقتل القسيس البروتستانتي منذر الدير البالغ من العمر 69 عاماً. وفي 3 حزيران/يونيو2007 تعرض قسيس كلداني يدعى رغيد كني لإطلاق نار من مجهولين قتل على إثره مع ثلاثة من الشمامسة بعد خروجهم من الكنيسة في مدينة الموصل. وأوعز تقرير بي بي سي إلى أن أسباب استهداف الكهنة المسيحيين ترجع لأسباب عديدة منها: الدافع الديني للمتطرفين الذين يريدون إخلاء العراق من العناصر غير المسلمة، وأيضاً الدافع المالي الذي تعمل بناءً عليه عصابات إجرامية باستخدام الدين كذريعة لها في اختطاف رجال الدين وطلب فديات كبيرة لإطلاق سراحهم، مستغلين الوضع المالي الجيد الذي تتمتع به الجماعة المسيحية العراقية كما أن المسيحيين لا يحظون كنظراءهم العراقيين من السنة والشيعة والأكراد بعلاقات عشائرية واسعة أو مليشيات مسلحة توفر لهم الحماية والأمن [٤٦][٤٧].
وكان المطران رحو نفسه قد تعرض لمحاولة خطف أخرى عام 2005 ولكن خاطفيه أطلقوا سراحه حينها دون أن يتعرض للأذى. ومن الجدير بالذكر أن الكنائس العراقية التابعة لمختلف الطوائف لم تسلم هي الأخرى من الهجمات الإرهابية والتفجيرات بين الحين والآخر [٤٨].
وكان رحو قد صرح في مقابلة أجرتها معه وكالة آسيا نيوز في شهر تشرين الثاني/أكتوبر عام 2007 بأن وضع المسيحيين في العراق يزداد صعوبة خصوصاً في منطقة الموصل، وأشار المطران إلى أن مسيحيي المنطقة هم عرضة لتهديدات مستمرة من قبل الجماعات الإسلامية المتطرفة، مؤكداً أن بقاء العراق ضعيفاً ومقسماً لا يخدم إلا أجندة بعض الدول الكبرى. وأشار رحو إلى أن المعاناة الحالية التي يعيشها العراقيين تشملهم جميعاً على اختلاف أطيافهم إلا أنها أكثر قساوة على المسيحيين الذين يجدون أنفسهم محاصرين بين خيارات محددة، فإما: الهجرة، اعتناق الإسلام، دفع الجزية أو الموت. وأضاف بأن ثلث المسيحيين غادروا الموصل بسبب الجماعات الإرهابية التي تتخذ من الدين ذريعة لجمع المال. وتحدث المطران أيضاً عن حادثة مقتل القسيس الكلداني رغيد عزيز كني الصيف الماضي على أيدي مجهولين.
لقد تُركنا لنواجه الإرهابيين بمفردنا لكننا لم نفقد الرجاء