النفس الإنسانية عند أفلاطون

سنقسم البحث في النفس عند أفلاطون إلى قسمين رئيسيين : القسم الأول خاص بالبراهين على خلود النفس . والقسم الثاني خاص بقوى النفس والتناسخ وحياة النفس الأزلية. فلنبدأ الآن بالقسم الأول.

خلود النفس

تتلخص البراهين الرئيسية التي أدلى بها افلاطون من أجل البرهنة على خلود النفس في اربعة :

اولاً - كل تغير فهو انتقال من ضد إلى ضد . اي انه يجري بين طرفين، ولكن هذا التغير لا يجري في اتجاه واحد بليجري فيكلا الاتجاهين، فإذا انتقل من الطرف (ا) إلى الطرف ( ب ) ، فلا بد ايضاً ان ينتقل من الطرف (ب ) إلى الطرف (أ). فلنحاول الآن أن نطبق هذا على الطرفين المتضادين اللذين هما الحياة والموت. فنجد أن هناك تغيراً من الحياة إلى الموت . فتبعاً للمبدأ الذي قلنا به، لا بد أيضاً أن يتم التغير من الموت إلى الحياة . ومعى هذا أن تبقى النفوس في مكان ما تأقي منه فتشيع الحياة في الجسم مرة أخرى ، أي لا بد أن تبقى النفوس بعد الموت . إذن فالنفوس أبدية .

ثاياً - حينما نرى المحسوس ننتقل قطعاً إلى صورته ، ونلاحظ في الحال أن المحسوس غير الصورة ، فمن أين هذا الاختلاف؟ وكيف حصلنا على العلم بالصرر ، إذا كان المحسوس ، وهو الذي تحت نظرنا ، ليس مكافئاً للصورة ؟ لا بد أن نكون قد عرفنا هذه الصورة في حياة سابقة، ونحن نتذكرها الآن بمناسبة المحسوس الذي يشارك فيها . ولكن لكى يكون هذا عكناً ، لا بد أن تكون النفس قد وجدت من قبل في مكان ما ، تأملت فيه الصرر ؛ وحين تهبط إلى الأرض تتذكرها بمناسبة المحسوسات . إذن لا بد من ان تكون النفس موجودة وجوداً سابقاً ، وفي اثناء وجودها السابق كانت تحيا حياة عقلية ، لأن هذه الحياة كانت حياة تأمل للصور. إذن النفس ازلية.

‘الثاً - إذا تحدثنا عن الانحلال او التحطم، فذلك لا يمكن أن ينطبق إلا على ما هو مركب ، لأن المركب هو وحده الذي يتحول ، وهو وحده الذي يتحطم ، لأن المركب أجزاء . أما البسيط فلايمكن أن يقبل ذلك، لأنه عديم الأجزاء ولا يقبل التجزئة . ونحن نجد النفس تتعقل الصور وتدركها ، ولما كان الشبيه هو الذي يدرك الشبيه ، فلا بد أن تكون طبيعة النفس من طبيعة الشيء الذي تتعقله ، أي من طبيعة الصورة . ولما كانت الصورة بسيطة فالنفس إذن بسيطة، وإذا كانت انفس بسيطة فهي لا تقبل الانحلال، ، إذن فالنفس لا يجريعليها الفساد ، فهي إذن أزلية ابدية .

رابعاً - الشيء لايقبل ضده، أي ان الشيء الواحد لا يتحول هو عينه إلى ضده، او بعبارة أوضح - ولو انها ليست أفلاطونية صحيحة - الضد لا يتحول إلى ضده فإذا كان الشيء متصفاً بالحياة فلا يمكن أن يتصف بالموت، والثلج لا يمكن ان يتحون إلى الحرارة. ونحن نجد ان النفس هي مبدأ الحياة، لأنها تبث الحياة في جميع الأجسام التي تحل بها؛ فهي إذن مشاركة في صورة الحياة او مثال الحياة. إذن فالنفس لا تقبل ما يضاد الحياة، أي انها لا تقبل الموت. إذن النفس ازلية أبدية.

فلنحاول الآن أن ننظر في كل برهان من هذه البراهين على حدة ، وقبل هذا ، يجدر بنا أن نشيرإلى الخلاف الكبير الذي قام بين كبار المؤرخين للفلسفة الأفلاطونية حول قيمة هذه البراهين في نظر أفلاطون ، وأيها أهم في نظره ٠ أما أفلاطون نفسه فقد قال إن البرهانين الأول والثاني لا ينفصلان : لأن الأول يثبت فقط أبدية النفس، والثاني يثبت فقط أزلية النفس ٠ فلكي نبرهن على خلود النفس- والخلود جامع بين لأبدية والأزلية - لا بد أن نضم الأول إلى الثاني .

وهنا جأء المؤرخون في القرن التاسع عشر ، فاختلفوا اختلافاً كبيراً حول هذه البراهين من حيث قيمتها في نظر أفلاطون ٠ ولن نستطيع الدخول في تفاصيل هذه الاختلافات، وإنما نستطيع أن نذكر أشهر هذه الآراء فحسب. واول هذه الآراء رأي تسلر فإنه قال إن البرهان الرابع هووحده البرهان لمقنع في نظر أفلاطون لأن هذا البرهان يضم بفية البراهين، كما أن البراهين لاخرى لا تثبت إثباتاً قاطعا أن النفس هي في الواقع خالدة بل قد ينطبق ما تدل عليه من الأزلية أو الأبدية على الجسم سواء بسواء . اما البرهانالرابع فهو وحده الذي يثبت أن النفس - وهي الشيء المشارك في صورة الحياة - هي بعينها موضوع الخلود .

ولكن أت بعد هذا باحث فرنسي مشهور، هوجورج رودييه ، فخالف تسلر - وقد كان رأي تسلر في عهده الرأي السائد تقريباً - وقال إن البرهان الثالث هووحده البرهان المقنع في نظرأفلاطون . والمقالة التي عبرفيها عن هذا الرأي قد ظهرت بعنوان « براهين خلود النفس في فيدون « ، في مجموعة الدراسات التي نشرت بعد وفاته بعنوان « دراسات في الفلسفة اليونانية ه ،ث ٠١٩٢٦

يبحث رودييه هذه البراهين الأربعة برهانا برهاناً ٠ فيبدأ بالبرهان الأول ، فيقول إن هذا البرهان يقوم على فكرة هرقليطر في السيلان الدائم ٠ وهرقليطسي نفه قد عبر عن شيء قريب من هذا . لكن ما عسى أفلاطود يقصد من قوله إن كل تغيريجري من ضد إلى ضد ؟ أيقصد أن الأضداد نفسها تتحول هي بعينها لواحد إلى الأخر ؟ هذ غيرمكن 1 و إلا ناقض البرهان الأخير . إنما يقصد أفلاطون أن هناك شيئأ ثابتاً يجري عليه التغيرمن الضد إلى الضد ، وعذا الشيء الثابت سيكون النفس . ولكن هل يحق لنا من البرهان نفسه أن نستنتج مباشرة أن هذا الشيء الثابت الذي يجري عليه التغير من الضد إلى الضد هوحقا النفس ؟ أولا يمكن أن ينطبق هذا الكلام عينه على الجسم ؟

الواقع ، كما يلاحظ سوزميل ، أن هذا البرهان لا يؤدي إلى إثبات المطلوب ، لأنه يمكن أن يؤدي أيضاً إلى إثبات أر الجسم أزلي أبدي أو خالد : وإنما يفترض هذا البرهان شبئاً آخر خارجاً عن مضمونه هم ، هو وجود مبدأ ثابت في ذاته لا يتأثر بالتغيرويحل في الأجسام ؛ وحلوله في الأجسام ليس صفة جوهرية بالنسبة إليه ، بل هو صفة عرضية فهو يحا في الجسم ، وبالعرض يبعث فيه الحياة ، أو يكون له مصدر حياة , فكأن هذا لبرهان إذا أريد به إذن أن يزدي إلى البرهنة على المطلوب لا بد أن يفترض حينثذ وجود مبدأ ثابت في ذاته ، إحياؤه للأشياء بالعرض ، وهذا الشيء لن يكون شيئأ آخر غير الصورة فهذا البرهان إذن يفترض البرهان الثالث ، وهو ال النفس صورة ثابتة لا تقبل الانقسام .

فإذا انتقلنا من هذا البرهان الأول الذي بينا انه غير مقنع تماماً إلى البرهان الثاني، وجدنا أن حظه ليس بأحسن من حظ الأول. إذ يلاحظ أولا أنه يثبت الأزلية ولا يثبت الأبدية، فلا يمكن إذن أن يكون مؤدياً إلى لمطلوب وهوخلود النفس؛ ولهذا قال سقراط نفسه لقابس وسمياس، إنه لا بد من الجمع بين هذا البرهان الثاني وبين البرهان الأول حتى يتم إثبات خلود النفس. ويلاحظ كذلك في هذا البرهان أنه يفترض نظرية الصور بكل وضوح، ما يؤذن بأنه يفترض في نهاية الأمر البرهان الثالث.

ونصل الآن إلى البرهان الثالث فنلاحظ أن هذا البرهان، كما يقولرودييه، هو وحده الذي يمكن أن يكون مقنعا من وجهة نظر أفلاطون نفسه. فهذا البرهان يبدأ من مبدأ معروف قال به كثيرمن الفلاسفة السابقين ؛ وحتى لو لم يقل به أحد من السابقين لكان على أفلاطون أن يقول به، وهذا المبدأ هو أن الشبيه وحده هو الذي يدرك الشبيه : والمقصود بهذا أن يكون اعتراضا بين الاعتراضات القوية جداً التي توجه إلى المذهب التجريبي. فكيف يتيسر للانان أو للذات أن تدرك الموضوع، دون أن يكون هذا الموضوع من جنس الذات؟ وعلى كل حال فقد فال أفلاطون يهذا المبدأ وأقام على أساسه هنا هذا البرهان الثالث. فلنبحث الآن في كيف تكون النفس صورة. والبحث الذي أجراه رودييه في هذا، بحث فيلولوجي طويل، نستطيع أن نختصره في القول بأن رودييه قد قال ان أفلاطون يرى أن الصور تتصف بالحياة وبالفعل، وقد رأينا نحن ذلك في كلامنا عن الصور، حين قلنا ان الصور علل، فإذا كانت الصور تتصف بالحياة، فالنفوس إذ هي مبدأ الحياة، وإذن فالنفس صورة، أوعلى الأقل أقرب الأشياء إلى الصورة هذا من جهة. ومن جهة أخرى يلاحظ أن أرسطو قد تحدث عن النف عند أفلاطون بوصفها عدداً، وقد رأينا أن الصور عند أفلاطون - في أواخر حياته على الأقل - أعداد . فالنفس إذن من جنس الصور وتبعاً لهذا فالنفن صورة ٠ وقد يعترض على هذ بالقول إن الصور أزلية بينما النفوس حادثة ٠ وهنا يقول رودييه -كماقلنا من قبل-إن تصوير حدوث النفس في «طيماوس» تصوير أسطوري ، شك فيه القدماء أنفسهم وأجمعوا هم الآخرون تقريباً على أن النفس أزلية وأنها ليست حادثة، أو مخلوقة كما توهمنا محاورة «طيماوس».

وقد يعترض أيضاً بأن الصورة كلية، بينما النفس جزنية ٠ وهنا يرد رودييه أيضاً على هذا الاعتراض قائلا إن الصورة ليست كلية، وكذلك الحال في النفس، وهما يتقاربان أشد التقارب في هذا الصدد وهكذا يرد رودييه على كل هذه الاعتراضات، مثبتاً في النهاية أن الصورة يمكن أن تكون نفساً أي أن النف من جنس لصورة أو هي صورة؛ ونحن نعلم أن الصورة بسيطة، فإذا كانت النفس من جنها فالنفس إذن بسبطة؛ وبهذا يثبت أيضاً أن هذ البرهان برهان مقنع صحيح، وأن البرهانين السالفين يفترضان هذا البرهان الثالث.

فلننتقل الآن إلى هذا البرهان الواسع الشهرة وهو البرهان الرابع ٠ فنقول أولا من أجل توضيحه إن المقصود من هذا البرهان هو أن الشى ء أثناء ما يكون هو نفسه لا يمكن أن يقبل ضده، فالنلج بوصفه ثلج لا يقبل لحرارة، أي أن الشيء الثابت الذي لا يمكن أن يقبل الضد ليس هوالشىء الفردي با صورته : فالصغير مثلا يمكن أن يكون كبيراً بالنسبة إلى آخر، ولكن الكبر في ذاته أو الصغر في ذاته لا يمكن أحدهما أن يكون ضده ٠ ومعفى هذا بصريح العبارة أن الصورة هي وحدها التي لا تقبل الضد. والآن يلاحظ أنه إذا لم تكن النفس صورة، فلا يمكن أن يكون هذا البرهان منطبقاً عليها، لأنها إن لم تكن كذلك فستكون حينثذ قابلة لأن يجري عليها الضد، كما هي الحال تماماً بالنسبة إلى الثلج : بمكن أن يصير ماء وحرارة , وكذلك الحال في ا لنف : إن لم تكن صورة، فسيكون من الممكن إذن أن تكون فانية أو قابلة للفناء ، ومعنى هذا أخيراً أن هذا البرهان الرابع يفترض *ايفاً البرهان الثالث

وخلاصة الرأي في هذا كله أن البرهان الثالث هو أهم هذه البراهين الأربعة، وهو وحده المقنع في نظر أفلاطون، خصوصاً ونحن نجد هذا البرهان متصلا بنظرية أفلاطون الرئيسية، ألا وهى نظرية الصور ويقوم عليها. فإذا قلنا بهذه النظرية، قلنا قطعاً بصحة عذا البرهان . ولذا نرى سقراط في النهاية يحدث المتحاورين عن الفرض الأول الذي إذا سلم به فقد سلم بخلود النفس ، وهو يقصد قطعاً بهذا الفرض الأول ، نظرية الصور.

لكن يمكن مع ذلك أن تضم هذه البراهين بعضها إلى بعض، وأن تصاغ جميعاً برهاناً واحداً، ولو أن أفلاطون قد قصد-على الأقلبالنسبة إلى البرهانين الأولين معاً وإلى كل واحد من البرهانين الآخرين على حدة - أن يكون كل منها مستقلا بذاته ، كافيا وحده لاثبات خلود النفس. وتكون صيغة هذه البراهين الأربعة على النحو الآقي:

«الصورةمعقول، والمعقول منجنس العاقا ، والعاقا هو النفس، أي أن النفس من جنس الصورة، والصورة بسيطة. فالنفس إذن بسيطة؛ والنفس مشاركة في الحياة، فهي إذن تحيا، والنفس تتذكرالمثل، فهي إذن قدحيت حياة تأما في حياة سابقة، ثم إنها بعد الموت ستحيا هذه الحياة نفها، لأن الحياة بعد اموت من جنس الحياة قبل الوجود » .

التذكر : إذا كانت النفحييتحياة سابقةكما ثبتناعن طريق البرهان الثاني، فلا يمكن هذه الحياة السابفة ألا تنرك أث أ في النفس حينما تتصل بالجسم ٠ ومن هنا كانت فكرة التذكر مرت طة أشد الارتباط بعكرة الوجود السابق هذا ونظرية امعرفة عند أفلاطون تضطر اصطراراً إلى القول بالتذكر. فكبف تتم المعرفة، بمعى العلم، إن لم يكن هناك تذكر لمعارف سابقة أدركةا الانسان أوحصلها في حياته السابقة ) ذلك أن العلم هو ارتفاع فوق المحسوس، وهذا الارتفاع لوق المحسوس لا يمكن أن يتم إلا إذا كانت لدينا، في نفوسنا، بقايا أفكار أوصور لتلك لتي نراها في الخارج وتصل إلينا عن طريق الحس، لأن الانسان لايحث عنشيء جهاه كل ١لجها، 3اخايبحث عنشيء لديه عنه بعض المعرفة السابقة، وهذه المعرفة السابقة عبارة عن تذكر للصور التي رأيناها في عالم ساب ، نذكرها بماسة هذه لأشياء الحسية التي تظهر أمامنا فمن ناحية نظرية المعرفة أيضا لا بد من القول بالتذكر

التناسخ: يلي هذا وينتج عنه مباشرة لقول التناسخ فقد رأينا في السرهان الأول أن التغير يجري بين صدي ويجري في اتجاهين . فبالسبةإلى النفس والموت والحياة قد رأينا أن الأحياء يولدون من الأموات، ومعنى هذا أن النفوس التي تدخل في أجسام جديدة فتأخذ لحياة، كانت موجودة بعد اموت في مكان ما، ومن هذا المكان أتت فأخذت اجساماً جديدة، أي لا بد من القول بفكرة تناسخ الأرواح بمعى بقائها بعد الموت وسيرها لمدة تأقي عدها فتحل في الجسم، ثم تخرج من هذا الجسم عن طريق لموت لكي تحل مرة أخرى في جسم جديد، وهكذا باستمرار. ونحن إذا بحثنا في قيمة هذه النظرية في نظر فلاطون وجداء بؤمن بها في الواقع ، ولم يقل بها بوصفها شينا أسطوريا، على الأقل في مضموها العام. أما التفاصيا ، وكلما توغل في دراسة مسألة التناسخ، توغل أيضاً في ميدانى الأسطورة. ولعل الدافع لأفلاطون إلى القول بنظرية التناسخ هذه - إلى جانب ذلك لبرهان على خلود انغر - تأثره بالفيثاغوريين إلى حد بعيد. وقد كان هو لاء يقولون بتناسخ الأنفس أو الأرواح. فامن أفلاطون بهذا القول على الرغم ما يثيره من تناقض ومنصعوبات أشار إليها أرسطو: -كأن يقال مثلا إن هذا المذهب يتنافى مع ما يؤكده أفلاطون من أن الانسان يمتاز عن بقية الأشياء بالنطق أو بالعقل، فكيف يتأى لهده النفس العاقلة الانسانية أن تحل في جسم حيوان؟ هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى إذا قلنا بمبدأ التناسخ، فسيكون مر نتائج هذا القول أن تقول أيضا بأن لنفوس الانسانية صدرت عن نفوس حيوانية، وهذا مستحيل ما دامت النفس الإنسانية بمتازة كل الامتياز على النفوس الحيوانية، وتختلف عنها اختلافا

جوهريا، وإلا فلا نستطيعحينثذ أن نمسر وجود لعقا 9 الروح في النفوس الانسانية وعدم وجودهما في النفس الحيوانية . إلى آخر هذه الاعتراضات الكثيرة التي يمكن أن توجه إلى نظرية التناسخ.

لكن يخيل إلينا أن أفلاطون قد قال بهدا امبدأ تحت تأئير ديني أخلاقي ، لأنه كان يقول بأنى الانانى لا يذهب عمله دون جزاء ، بل لا بد أن يعذب عما اقترفه من إثم، وأن يجزى ويثاب على ما فعله من خير، لأن هذا ما تقتضيه لعدالة الإلهية. فكيف يتم هذا العقاب، أو ذلك الثواب، إن ل يكن هناك عذاب للنفس عن طريق التناسخ بعد أن تفارق الجسم؟ وقد خضع أفلاطون خضوعاً كبي ا لهذه المعتقدات الشعبية الدينية وقال بشيء يشبه التصورات الأخروية التي نجدها شائعة في كل الأديان، ولو أنا سجد فيما بعد، في الأخلاق، أن أفلاطون قد ارتفع بهذه التصورات الشعبية، فلم يرد أن يجعا جزاءالفضيلة إلا في الفضيلة نفسها، وجزاء الشر في غير الشر نفسه.

أجزاء النفس

وهذا يقودنا إلى الكلام عن الجزء الأخيرمن البحث في النفس عند أفلاطون، وهو القسم الخاص بأجزاء النفس. قسم أفلاطون النفس إلى قوى مختلفة، وقال عن هذه القوى إن النفس تنقسم إليها لا بوصفها قوى مختلفة لوحدة واحدة، بل بوصفها أجزاء حقيتية للنفس، ومن أجل هذا نراه قد وضع لكل جزء من الأجزاء مكاناً خاصاً به في النفس لانانبة .

قال أفلاطون إن قوى النفس ثلاث : الأولى شريرة منحطة، والثانية قوة عالية نبيلة، ويتوسط بين القوتين - كما هي الحال في كل شيء بالنسبة إلى أفلاطون - قوة ثالثة تجمع بين كلتا القوتين ٠ أما القوة الأولى، وهي القوة الشريرة، فهي ما يسمى باسم القوة الشهوية : التي تصدر عن الاحساسات والتي يسودها عنصر اللذة والألم بالمعنى الحسي الخالص، وهذه القوة موضعها البطن ٠ وفوق هذه القوة، قوة الكبرياء أوتوكيد النفس أو السيطرة أو محاولة السيادة على الآخر، وهي ما يسمى باسم القوة الغضبية، وهذه القوة موضعها الصدر، أو القلب بعبارة أدق . وهذه القوة الثانية مرتبة في خدمة قوة عليا هي أعلى هذه القوى الثلاث وهي مصدر العلم، وهي القوة العاقلة، وموضعها الدماغ .

رأينا إذن كيف تنقسم القوى النفسية إلى ثلاث قوى، ورأينا مواضع كل هذه القوى، فلنحاول الآن أن نبين الصلة بين هذه القوى المختلفة . وهنا يجب أن نربط - كما فعلنا دائما - هدا التقسيم بنطربة المعرفة، وفذ فسما المعرفة إل ثلاثة أنواع: نرع خاص بالاحساس، واخر حاص التصوز الصادق، رثالث خاص بالعلم، وإلى هده الأفاء، أو مفالها، تقسمأبصا المس .ومي هاكانتمراتب الوجود بين القوى النفسية على هدا الأساد : فما يقال الاحساس، وهو القوة الشهرية، في أحط المراتب؛ وما يفال انعلم: وهو القوة العاقلة، في أعلى المراتب.، وا يفال الشجاعة في المرنبة الرسطى . وبمثل أفالاطرن هذه القرى بمربة دات جوادين: أحدهما عنيف حموح والثاني قوي ل، وفي العررء سانق بكف الحصان الجمرح، مستعيا بالحصار انفوي، عن أر ينر العربة . وكدلك اق، في القرة العاقلمة ١ مثلها كمثل هدا السائق : فهي نمع الشهوات من أر تنحارر حدردها، مبتعينه في ذلك بالشحاعة. وفذا فالواج أن نكرن السبأدة دانما للقوة العاقلة، وأن تكرن الشجاءة في خدمة القو: العاقلة، وأن تكون الشهرات عارفة لحدردها، خاضعة للاوامر التي تصدر إليها م العقل. أما إدا ترتبت هذه الفرى ترتا عكسيا، فينتح ع ذلك فاد في النفس، مظهره في الأخلاق الشر أو انرذيلة، فكان المثل الأعلى للنفس هو إذن في انسحاء هذه القوى المختلفة، رمعنى هذا الانسجم أداء كل لوظيفته !لخاصة.

فإذا بحثا الآن في وحدة هذه انقرى، فإنما جد كلاء انلاطرن هنا ليسر كلاما واضحاً. وفد أشرنا إنى أنه يجعل هده إلقوى منفصلة تمام الانفصال، وإذا كانتكدلك، فكيف يتم للقوى العافلة أن نزثر ي بقية القرى، وكيف تستطيع العاقلة الاستعانة بالشجاعة هن أجل تنفيذ أوامرها في القزة الشهرية؟ الملاحظ على كل حال أنه ولو أن أفلاطون قال فكرة الذانية وبفكرة الشخصية، وأن هذه الشخصية ترجد في القرة ألعاقلة، فإنه د يستطع أل يوصح، توضيحاً تاما، الصلة ببن هذه النوى المختلفة. ومصدر ذلك في اخر الأنر أر سحث أفلاطون لم يكن بحثا نفسانياً خالصاً، بل كان قبل هذا سحثا ميتافبزيغياً أخلاقبا، وبحثه المينافيزيقي قد أدى مه إلى الفصل بين هذه القوى على هذا النحو كي يستطبع أن يفسر "لرديلة وإمكا^ا، والفضيلة وكبف تتم، ولكي يستطيع أن يعر أيضا الوجود من حيث ان وجود يقابل هذه النوى. فإنه لما كانت النفس صورة كما رأينا في البرهان ألثالت، وانها في الدرجة العليا منها تمثل الصورة، بمعنى انها جزء خالد. لكنها، من ناحية اخرى، لما كانت قد اتصلت بجسم أي اتصلن بمادة يدخلها إذن ما يضاد الصورة، فقد أصبحت تتارك في الوجرد اخسي من هذه الناحية، أي الوجرد الذي هوخليط من الصورة والمادة. فلكى يفر إذن وجود النف في الجسم من احيه، وص ناحية أخرى لاثبات خلود النفس، كان لا بد من الفصل بين هذه القوى فصلا ببنا واضحاً ، نستطيع منه أن نتببن طبيعة النفس من الناحية الميتافيزيقية الوجودبة.

وعلينا الان النحدث عن حرية الارادة. فهل النف حرة مختارة؟ الواقع أن أفلاطون كان يقول بحرية الارادة وهر يذكر هذه الحرية فيكثير من المراضع بكل صراحة. والأقوال الي تبدو في الظاهر مناقضة للقرل بالحرية، يمكن أن تفهم بسهولة برصفها مزدية أيضاً إلى الحرية، ذالقول المشهرر «إن إنساناً ما من الاس لا يفعل الشر مخنارأء ، فيه ابضا معفى حرية الارادة لأن المقصود هنا اًلاخبار العلم الصحيح. ومصدر فعل الشر هنا الجهل بالخير الحقيقي ولب مصدره عجز الارادة او عدم قدرتها على فعل الخير فهذا الفول يتصل بنظرية المعرفة، ولاصلة له بحرية الارادة. وكذلك الحال في بفية الأنوال التي قد تشعر بشيء من الجبر رتقييد الارادة. ولهذا فليس صحيحا ما ذهب إليه بعض المزرخين من إنكار حرية الارادة عند أفلاطون.

واخيراً تاي مسالة الصلة بين النفس والجسم. فإننا نحد من ناحية أن افلاطون يقرل بأن النفس صورة وأنها خالدة رأنها سيدة الجم، وأن الحم لا يزثر في الفس، وأر النفس مفارقة . لكن، وعل العكس من ذلك، نجد أفلاطون يقرل بان الرذيلة أو الخطأ مصدرهما تأثير الجسم الصار على النفس، فكأن للجسم هنا إذن تأثبراً على النفس. ونراه يفرل كذلك بنظرية الوراثة بمعنى أن الآباء يررثون أبناءهم مافم من صفات، وهذا لا يمكن أن يتم!لا إذا كان هناك تأثير متبادل بي النفس والجسم، فهذه الورانة لا يمكن أل تغسر إلا على أساس القول بتاثير الجسم في النفس، ومن هنا نجد أن أقوال أنلاطون في صلة الجسم بالنفس ليست من جانب واحد، بمعى أنه نارة يقرل بالفصل التام وعدم التأثر من جانب النفس بالجسم، ومن ناحية اخرى يؤكد هذا التأثيرمن جانب الجم في النفس.

وفد فسم أفلاطون الشعرب بع ب هذه النفرس أو الملكات فهو يفرل إن الناس ليسوا متساوين في إحرازهم لهذه الةوى فعر البعض تسيطر القرة العاقلة، وعند البعذ الآخر تسيطر القوة الغضبية، وعند فريق ثالث تسيطر الفرة الشهرية، فلبس الاختلاف يفع بين الناس بعضه. وبعض، بل ابضا بين الأجناس والأمم . وفي رأي افلاطون أن اليونانيين يمتازون بيطرة القوة العاقلة على بقية القوى، وأن الشماليين يمتازون بسيادة القوة الغضبية، وأن الفينيقيين والمصريين يمتازون بسيادة القوة الشهوية.