الموسيقى الشعبية في العصور الوسطى

كانت وما زالت الموسيقى الدينية في الفترة حتى القرن العاشر الميلادي تقريبا ، محوراً للاهتمام والدراسة ، ولكن لا يعني ذلك أن الموسيقى الدنيوية والشعبية لم يكن لها وجود حتى هذا التاريخ بل لانها لم تجد العناية التى لاقتها الموسيقى الدينية على ايدي رجال الدين والكنيسة التي كانت تسيطر على النشاطات السيلسية والاجتماعية والفنية ايضا. وهذا ما حفظها وساعدها على بقائها منذ ذلك التاريخ المتقدم ، اما الموسيقى الدنيويه فقد بدات تنمو بين العامه وظلت آثارها مطموسة لزمن طويل شان كل ما هو بسيط الشان والاصل. ومما لا شك فيه ان الناس منذ القدم يغنون في الحقل واثناء العمل في اجتماعاتهم واحتفالاتهم الشعبية ، فالامهات تغني وتهدهد لاطفالها ، والبسطاء يشكلون لأنفسهم وبأيديهم آلاتهم الموسيقة البدائية ولكن للأسف لايتيسر الحصول على نماذج حقيقية لهذه الأغاني أو الموسيقى لان هذا النوع الذي يخص الطبقة السفلى من البشر لم يهتم بهم احد حتى ذلك الوقت . كما ان كتب التاريخ ايضا لم تذكرها ومع نهاية القرن الحادي عشر بدات تظهر بعض العوامل التي ادت الى تنشيط وتطور الصيغ الموسيقية الدنيوية ،ومنها الاتصال بالشرق نتيجه للحرب الصليبية وما يتعلق بادخال الالات الموسيقية او تطورها والخطة الثانية والاهم بالنسبه لنا هي التطور الحاسم في تقاليد ومثل وأخلاقيات الفرسان والفروسية فبدلا من الاهتمام المطلق لفنون القتال والصيد الخشنة والهمجية تغيرت الى اتباع دستورا خلقيا كريما يعتمد على الاساليب المهذبة للسلوك والعناية بفنون الشعر والموسيقى وقد صار بهذه الطريقة طبقة من الفرسان والشعراء المغنون شان كبير بين الطبقات الاوروبية الارستقراطية والشعبية على حد سواء اما العامل الثالث الهام لتطور الموسيقى الشعبية فكان التطور السريع للغات العامية فقد شهدت هذه الفترة بداية الانتاج الادبي بها كما بدات تشكل منها اغاني التروبادور –والتروفير والمنسترل –والمنسنجر والمايسترسنجر وحيث ان الفوارق بينهم كانت ناجمه عن الطابع العنصري والاجتماعي والجغرافي المختلف فانه يتحتم التحدث عن كل مجموعه على حده وهم جميعا لهم الفضل في ازدهار هذا النوع من الموسيقى .

التروبادور والجنجلير

هم الشعراء والمغنون من الطبقة الراقية في جنوب فرنسا واشهرهم هو : وليم بواتيه وهو يحمل لقب كونت (87-1-1127) والتروبادور كانوا أساسا ينظمون الشعر وكثيرا ما كانو يتركون غناء قصائدهم لخدمهم او لاتباع ماجورين يتجولون من بلاط ملك او امير الى بلاط اخر وهم ما يسمون بالجونجلير ولو تيسر معرفة الكثير عنهم لكان من الممكن اكتشاف كيفية اسمائهم الحقيقي دون ساداتهم في التطور الموسيقي لهذه الفترة .

وقد تغنى التروبادور والجنجلير بالحب والمغامرات وذلك في الحان رقيقه مرحه وكانت اللغه العامة قد فقدت حينئذ الطابع الكمي لها منذ فترة ليست قصيره وصار الشعر يكتب طبقا لمبدا الضغوط accent بابعاد محدده وهذا الطابع الايقاعي كان قد اكسب الموسيقى نضارة وتناقض تماما في طابعها مع طابع الموسيقى الديني كما ان الالحان كانت تنبئ وتمهد لمقدم المقامين الكبير والصغير(الماجير والمينير) وبهذا اضافت الحرية المقامية والايقاعية عنصر التلقائية الابداعية في الموسيقى الشعبية وهو ما اسهم به  جماعة التروبادور لفن الموسيقى وتطوره .

وهناك من يرجح بانهم كانو يستخدمون نوعا من الهارمونيه استنادا الى عذوبة الالحان التي تقبل المصاحبه الهارمونيه فعلاً هذا الى جانب الثراء الآلي لجماعة الجنجلير الذي كان عليهم ان يعزف كل منهم عددا لاتقل عن تسعه الات موسيقية شعبية او من الالات التي كانت منتشرة حينئذ وقد انتشرت حركة التروبادر في جنوب فرنسا واسبانيا والبرتغال وايطاليا .

التروفير والمنيستر

عرف ممثلو حركة التروبادورالذين انتشرو في شمال فرنسا وانجلترا بالتروفير وهم ايضا كانو شعراء يتغنون بالحب والفروسية ولكن بصورة اكثر قناعة وبلغه اقل موسيقية وعلى ايديهم تطور اسلوب القصائد الملحمية التي كانت تقوم على تلاوه موسمية بقصص عن مغامرات بطولية (ملاحم بطولية) واصبح بلاط ملوك وامراء فرنسا وانجلترا مركزا لهم في القرن الثالث عشر. وبمرور الوقت الحق عدد من شعراء موسيقى الطبقة الدنيا بخدمة .هذه البلاطات وكما نالهم التقدير والاعتراف بمهاراتهم وفهمهم وبدأوا  يستخدمون على العكس موسيقى الكنيسة المعروفه بغية تحويلها الى اغراض دنيوية وذلك اما بتغيير نصوصها او بتغيير طابعها طابع ادائها ، ولم يكتفو بالعامل الترفيهي في البلاط بل الفو اغاني للرقص والمسرحيات الموسيقية ومن ابرز التروفير في هذه الفترة العبقريان الموسيقيان ادم دي لاهال ،وجيوليم دي ماشو وترجع اهميتهم الى جهودهم في تاليف وتلحين مسرحيات وتعتبر تاسيسا حقيقيا للدراما الفرنسية بعد حياة حافلة بالتجوال والغناء والشعر والعزف بين العامة وبين بلاطات الملوك والامراء.

المينيسنجر  minnesinger

هم جماعة المانية تقابل جماعة التروبادور والتروفير في فرنسا وانجلترا ولفظ المينيسنجر يعني –مغنو الحب – ولكنهم لم يكونو معتمدين موسيقيا على طبقة اخرى تقوم بالعزف والغناء لاشعارهم بذالك فإنهم كانو اكثر شعبية رغم ان غالبيتهم كانت من البداية من بين النبلاء .وقد كان اثر جماعة التروفير عليهم واضحا عندما اخذو في اول الامر الحانهم الفرنسية ووضعوا لها نصوصا المانية جديدة لكن بعد ذلك نشأت بينهم وبين الجماعات السابق الاشاره اليها اختلافات هامة منشأها طبيعة اللغة الالمانية الوسطية التي احتفظت بالشكل المقطعي الى جانب تاثير افكار الكنيسة واسلوب وشكل موسيقاها القوي وسيطرتها عنها في فرنسا كل هذا جعل لموسيقى المنيسنجر طابعا مختلفا عن معاصريهم . بينما كان الحب والجمال والطبيعة مصدرا لالهامهم ، كانت لديهم الى حد ماصيغة دينية في اغانيهم التي كانت اقرب الى اسلوب الانتشار البسيط بطابعها الايقاعي واللحني حيث كانت الالحان وثيقة الارتباط بالقيمة الالقائية للكلمات وهذا ما جعل اغانيهم اقرب الى الرابسوديات منها الى الاغنيات (الرابسودية هي قصيدة شعرية ملحمية ملحنة) مماجعلها تتصف بالطابع الشعبي علاوة على النكهة الدينية البسيطة الساذجة البطيئة في نفس الوقت كل ذلك ساهم في وضع جذور الموسيقى الالمانية التي ازدهرت فيما بعد .

المايسترسنجر Meistersinger

كانو في الحقيقة من الحرفيين والتجار في المدن الصغيرة والتي كانو يمارسون كتابة الشعر والموسيقى والغناء والعزف وهم يفوقون شعبية عن المنيسنجر الذي يرجع نسبهم الفني اليهم ، وان كانوا يستبدلون الالهام الفني بالاجتهاد العلمي في كتابة موسيقاهم واشعارهم وقد نظموا لأنفسهم تنظيمات (نقابة) مهنية انتشرت في المانيا ، ولم تحل الا في نهاية القرن التاسع عشر.

الصيغ الموسيقية الشعبية

كانت أغاني التروبادور التروفير والمنيسنجر والمايسترسنجر تتناول مواضيع وقوالب موسيقية مختلفة مثل الأغاني القومية والشعبية والسياسية والدينية والمراثي للشخصيات العظيمة . وكذلك الأغاني العاطفية والأغاني ذات المواضيع المحددة إلى جانب أغاني الرعاة وأغاني الصباح... الخ لذلك استخدمت هذه الجماعات عدد كبير من الصيغ أهمها :-

ا) الكانزو canzo:-

وعليها تغني التروبادور بأشهر أغانيهم وهي تقوم على :-

6-5                  4-3              2-1      أبيات النص

B                        A2                 A    صيغة اللحن     

ب) البلاد ballade:-

وهي من اهم صيغ التروفير وهي تشبه صيغة الكانزوا ولكن زادت عليها بالانتهاء بنص المذهب ولكن بلحن جديد تماما في الختام وبعبارة لحنية خاصة .

  A         -         A2     -       B       -          C   صيغة اللحن

  1-2         5-6         3-4             1-2   أبيات النص

ج) الفيرليه virelai :-

وهي كتعبير يعني القصيدة الدوارة ،وقد كان لهذا النوع صيغة عبارة عن اغنيه يؤديها  خاصة لكل سطر مهما بلغ عدد اسطرها إلا أن السطر الأخير كان على نفس لحن المذهب مثل :-

  A        -         B        -     C       -       D     -       A2

د) الروندو rondeau :-

كان الروندو في أقدم صورة (القرن الثاني عشر والثالث عشر )عبارة عن اغنية يؤديها المشتركون في رقصة دائرية ، حيث يقوم القائد لهذه الرقصة بدور المغني المنفرد ويردد الكورس ورائه مايؤديه واللحن البسيط الذي يغني عليه المذهب عبارة عن عبارتين موسيقيتين  (( A B  يغني المغني المنفرد الجزء (A) ويردده الكورس وراءه ثم يغني القائد

بعد ذلك الجملة كاملة ( A B ) ويرددها الكورس وهكذا مثل :

AB              A              المغني المنفرد  

AB           A             الكورس

ومنذ القرن الثالث عشر كان المذهب كاملاً يبدأون به عند الكورس اولا كما ينتهون به كما في الشكل :

AB   -      AB    -        A       -        A       -        AB

AB           AB              A                A                AB

كورس          مغني           كورس         مغني           كورس

خصائص الموسيقى الشعبية

يمكن تلخيص خصائص الموسيقى الشعبية بما يلي :-

1.    لحنية وليست قائمة على اسس بوليفونية او هارمونية او هاموفونية .

2.    لها ميزان واضح ويعتمد الايقاع فيها على الاوزان الشعرية .

3.    لم تتبع اسلوب الكنيسة القائم على الاجناس والمقامات انما كانت السلالم المستعملة مشابهة للسلم الكبير او الصغير ( او مهدت لها مستقبلاً ) .

4.    احياناً كانت الاغنيات تؤدي بمصاحبة الآلات واحيانا بدونها وبهذا كان دور الآلة ثانوياً بشأن الغناء او الرقص وماهو الا مضاعفة اللحن الاساس فقط وربما به بعض الهارمونيات العارضة او البسيطة .

5.    استخدام احدى الايقاعات الكنيسية الستة ولكن بتكرارها في الاغنية من اولها الى آخرها (فيما يشبه الأسلوب الشرقي الذي يعتمد على الضروب الإيقاعية ) .