الكوزموترون

كان الكوزموترون مسرعاً للجسيمات، وتحديداً سنكروترون بروتون، في مختبر بروكهافن الوطني. تمت الموافقة على بنائه من قبل لجنة الطاقة الذرية الأمريكية في عام 1948، ووصل إلى طاقته الكاملة في عام 1953، واستمر العمل حتى عام 1966. وتم تفكيكه في عام 1969.

اكتشاف آلة الكوزموترون

منذ ظهور علم الفيزياء النووية في وقت مبكر من القرن العشرين، سعى علماء الفيزياء إلى تقسيم المادة إلى جزأين باستخدام صواريخ من أنواع عدة. وقد قدمت الطبيعة أول مسبار كاشف تمثل في جسيمات ألفا المفيدة للغاية التي تطلقها بعض العناصر المشعة مثل الثوريوم. وعن طريق استخدام هذا المسبار، أثبت أرنست رذرفورد وزملاؤه أن للذرة نواة (١٩٠٩)، كما نجحوا في تحويل أحد العناصر إلى عنصر آخر لأول مرة (١٩١٩) واكتشاف النيوترون (معمل كافندش ١٩٣٢).

لكن جسيمات ألفا لم تكن فعالة بالقدر الكافي لإجراء تجارب أكثر تقدما. وكان الحل يكمن في استخدام "مسارع الجسيمات"، وهو عبارة عن آلة تستخدم جهدا كهربائيا عاليا في قذف الجسيمات (البروتونات في أول الأمر) بقوة لتسقط داخل أنبوب مفرغ من الهواء نحو الهدف. بفضل تلك الآلات، استطاع كل من جون كوككروفت وأرنست والتون داخل معمل كافندش (١٩٣٢)، تفتيت الكثير من الذرات الخفيفة، بمعنى أنهما استطاعا "شطر" الذرة.

مع ذلك، فقد كانت آلات مسارع الجسيمات الخطية ذات إمكانيات محدودة؛ ولذا تم استبدالها بآلات أخرى تشبه حلبة السباق. وبهذا، أمكن زيادة سرعة وقوة حزم الجسيمات بدرجة كبيرة جدا عن طريق إرسالها الاف المرات لتدور حول ممر دائري، مع دفعها كل مرة تكمل فيها الدورة. في النوع الأول من هذه الآلات المعروفة باسم السيكلوترون، كانت الجسيمات تدور بشكل حلزوني إلى الخارج من مركز الصفائح المعدنية الكبيرة. وقد تم إنشاء هذه الآلات في جامعة باركلي بالولايات المتحدة الأمريكية تحت إشراف أرنست لورنس الحائز على جائزة نوبل. كانت تكلفة تعديل هذه الآلات مرتفعة للغاية، وقد نتج عنها التوصل إلى الكثير من التصميمات الجديدة. في بداية الخمسينيات من القرن العشرين، كانت آلة مسارع البروتونات الآلة المفضلة آنذاك، وقد ظلت هكذا لمدة خمسين عاما، على الرغم من أن الآلات قد كبر حجمها بصورة مذهلة.

في مقدمة هذه لآلات كانت آلة الكوزموترون، وهي نوع من أنواع الآلات المسارعة للبروتونات، التي فتحت المجال أمام إتمام المزيد من المهام التجارية بالولايات المتحدة الأمريكية في عام ١٩٥٢. وقد بلغ عرض مدار الكوزموترون (وهو عبارة عن أنبوب مجوف على شكل الحلقة) حوالي عشرة أمتار وكان يقوم بإرسال الجسيمات المقذوفة إلى الأهداف باستخدام أكثر من مليار وحدة من الطاقة. وقد نجح المسارع الخطي الأول في استخدام 100000 وحدة فقط. وبحلول تسعينيات القرن العشرين، تم استخدام آلات تفوق هذه الآلات آلاف المرات في القوة وفي عدد الكيلو مترات لعرض القطر الواحد. بلغت تكلفة هذه الآلات مليارات الدولارات واحتاجت إلى فرق مكونة من مئات الأشخاص لتشغيلها. ومنذ ذلك الحين، أصبحت الفيزياء النووية من العلوم عظيمة الشأن.

سعى علماء الفيزياء للحصول على كمية عالية من الطاقة لسببين اثنين: فالمسارع الأكثر فعالية يعمل بالقدر نفسه الذي يعمل به تليسكوب أكبر منه في الحجم، من حيث إنه يستطيع رؤية تفاصيل أدق والتعرف على صفات أكثر داخل المادة. لهذا السبب، فقد تم اكتشاف الجسيمات الأساسية الافتراضية الأولى والمعروفة باسم جسيمات "كوارك" داخل البروتونات والنيوترونات، وهي الجسيمات التي كان يعتقد مسبقا أنه لا يمكن تقسيمها.

كما أن استخدام كميات كبيرة من الطاقة كان يعني أنه يمكن تحضير جسيمات جديدة. مثلما تم تحضير البوزترونات والإليكترونات من طاقة الأشعة الكونية (ديراك ١٩٢٨). فعن طريق استخدام هذه الآلات، أصبحت جسيمات "كوارك" والجسيمات الغريبة الأخرى حقيقة واقعة حيث أمكن تحضيرها داخل المعمل (١٩٩٦). وقد كان الكوزموترون له السبق في هذا المجال. ففي عام ١٩٥٥، قام الكوزموترون بتحويل طاقة أشعته إلى مادة، لكي يعمل بذلك على تحضير أزواج من البروتونات ومضادات البروتونات — وهي الجسيمات التي ربما تقوم بتدمير بعضها البعض إذا ما تم الجمع بينها.