العالم في النصف الأول من القرن 17

أوضاع العالم في تلك الفترة

كان القرن السابع عشر يعرف بعدم التسامح الديني. كما حدثت فيه صراعات عديدة بين الدول على الأراضي والتجارة. ولمدة 30 عاما منذ عام 1618، عانت أوروبا كثيرا من الحروب ؛ حيث كانت كل الدول الأوروبية تتحالف إما مع الكاثوليك أو البروتستانت. ونتيجة لتلك الحروب، فقد حل الخراب بكثير من الدول الأوروبية إذ انتشرت المجاعات والأمراض. وفي أجزاء أخرى من أوروبا، لقي حوالي 30 بالمائة من السكان حتفهم بسبب كل هذه الظروف القاسية. كما أن الصراع الطويل على السلطة أدى إلى نشوب صراع طويل ومعارك حامية بين فرنسا وأسبانيا في ساحات القتال التي دارت في الأراضي المنخفضة. فعلى الحافة الشرقية لأوروبا، تصارعت كل من بولندا وروسيا على الأراضي الواقعة بينهما.

ظلت الحرب الأهلية في إنجلترا حتى الأربعينيات من القرن السابع عشر. وقد كان الصراع محتدما بين الملك والبرلمان، تماما كما هو الحال بين رجال الدين. كما أن الاستقرار السياسي والنهضة الثقافية التي تلت تلك الفترة أدت إلى ازدهار العلم بشكل لم يسبق له مثيل من قبل. كما أن هذه الحرب الأهلية غير المعلنة نشبت في فرنسا بين القوات الكاثوليكية التابعة للملك والقوات البروتستانتية الفرنسية.

بحلول عام 1650، انتهت الحرب التي استمرت حوالي 30 عاما تاركة وراءها شمال ووسط أوروبا في حالة يرثى لها. وقد كانت السلطة العليا للبروتستانت في إنجلترا وقد تم إعدام الملك الكاثوليكي. أما الشعب الهولندي فقد تمتع بحريته. كما تولى سلالة الرومانوف زمام الحكم في روسيا.

بالإضافة إلى ذلك، قامت كل من بريطانيا وفرنسا وهولندا وأسبانيا بإنشاء المستعمرات الأوروبية الأولى الثابتة على ساحل أمريكا الشمالية، ثم في كندا والولايات المتحدة الأمريكية. ونتيجة لذلك، كان يمكن التنبؤ بأن الولايات المتحدة قد تصبح القوة العظمى في مجال العلم على مدى ثلاثة قرون مقبلة.

فنون وأفكار

بالنسبة للموسيقى، فقد بدأت النهضة الأوربية تمهد الطريق لفن الباروكي - أسلوب في التلحين خاص بالمؤلفات الموسيقية التي ازدهرت في أوروبا في القرن السابع عشر والتي تميزت بعدم توافق الأنغام وكذلك بالأنماط المقيدة والإضافات المطولة. وقد قام الملحن الموسيقى الإيطالي کلودیو مونتيفيردي كتابه الشهير الذي أطلق عليه اسم Vespers في عام 1610. وكان مونتيفيردي رائدا لنوع جديد من الفن يسمي الأوبرا (أوبرا The Coronation of Poppea في عام 1642). وفي إنجلترا، كان كل من أورلاندو جیبونز ووليم بيرد نشيطين ولهما دور مؤثر للغاية في مجال الفن. .

أما فيما يتعلق بالرسم، فقد قام الرسامون من كل من فلاندر وهولندا باستخدام التكنولوجيا الحديثة في الرسم بألوان الزيت وكان هؤلاء الرسامون الأكثر تأثيرا في ذلك. ومن هؤلاء الرسامين : بيتر بول روبنز (الذي قام برسم لوحة The Raising of the Cross في عام 1608) وفرانس هالس (الذي قام برسم لوحة The Laughing Cavalier في عام 1624) والرسام الشاب رامبرانت (وقد قام برسم لوحة The Night Watch في عام 1642). هذا، علاوة على أن الرسام أنطوني فاندايك أصبح من رسامين البلاط الملكي، ولا سيما للملك تشارلز الأول، ملك إنجلترا في ذلك الوقت. وفي إيطاليا، كان كاریفاجو رائداً لطراز جدید من الفن المسرحي. وبدأت فرنسا في الازدهار والارتقاء في مجال الرسم، وكان من أهم الرسامين في تلك الفترة: نيقولا بوسان الذي قام برسم لوحة The Rape of the Sabine Women في عام 1637).

هذا، وقد ظل المسرح في حالته المزدهرة في ظل كتاب المسرح الإنجليز من أمثال وليم شكسبير (الذي قام بتأليف المسرحية الشهيرة Hamlet في عام 1603 وThe Tempest في عام 1611) وبن جونسون (الذي قام بتأليف مسرحية بعنوان Volpone في عام 1605)، بالإضافة إلى الكاتب المسرحي الفرنسي بيير كورني (ومن أهم أعماله في عام ۱۹۳۷ مسرحية Le Cid). ولقد تم عرض مسرحية Passion لأول مرة على خشبة المسرح في مدينة أوبرا مارجو في ألمانيا عام 1634. كما تم إصدار رواية Don Quixote للكاتب الأسباني مانويل سرفانتس لأول مرة في عام 1605. بالإضافة إلى ذلك، قام الشاعر ورجل الدين الإنجليزي جون دون بإصدار عمله الشهير Of the Progress of the Soul في عام 1612.

في ميدان الفكر، قام المحامي الألماني هوجو جروشيس بتأليف كتاب On the Laws of War and Peace في عام 1625. وبعد ذلك بفترة وجيزة، كان الفيلسوف السياسي الإنجليزي توماس هوبز مستغرقا في التفكير في دفاعه عن الحكومة الاستبدادية حتى يقوم بنشر أفكاره الفلسفية في كتابه Leviathan.

البلاد التي تم اكتشافها في هذه الفترة

نشبت صراعات داخل وخارج الدول الأوروبية ، الأمر الذي أدى إلى التأثير على التجارة والحياة في المجتمعات الجديدة في الغرب وفي الشرق الأقصى، وبعد ذلك في أفريقيا. ولقد تم اكتشاف كثير من البلاد الجديدة التي لم يكن لها أي وجود على الخريطة. ومن ناحية، عاد المكتشفون إلى أوطانهم وقد تعرفوا على أنواع جديدة وغير مألوفة بالنسبة لهم من النباتات، مثل: البطاطس والطماطم وحبوب القهوة والذرة والشاي والتبغ والشيكولاتة والمطاط. هذا، بالإضافة إلى اكتشافهم لبعض المعادن، مثل: الذهب والفضة ذوي الإنتاج الوفير. ومن ناحية أخرى، وفد هؤلاء المكتشفون وهم محملون ببعض الأمراض، کداء الزهري والجدري والأنفلونزا. ومن النتائج الأخرى للحضارة في تلك الفترة تجارة الرقيق.

هذا، ويعد الأسباني لويس دي توريس هو أول من اكتشف الجزء الجنوبي من غينيا الجديدة في عام 1606. ولقد تم اكتشاف أراضي أخرى في هذه المنطقة بالصدفة بواسطة السفن التي كانت تقصد الشرق من أدنى أفريقيا متخذة اتجاه الرياح وقد فقدت هذه السفن طريقها الأصلي نحو الشمال حيث جزر سبايس. وفي عام 1642، قام الهولندي أبل تاسمان بتسمية نيوزيلندا نسبة إلى وطنه ثم قام باكتشاف جزيرة تاسمانيا. وبعد 3 سنوات، قام تاسمان باكتشاف الساحل الشمالي الغربي للقارة السادسة والتي تقوم بربط الاكتشافات التي توصل إليها البحارة من البرتغال وهولندا.

في أقصى الشمال، قصد المكتشفون الطريق الشمالي الغربي من أجل الحصول على موارد الشرق؛ تجنبا للانطلاق بسفنهم عبر البحار التي تسيطر عليها كل من أسبانيا والبرتغال. إذ لم يكن هناك ممر سهل خلال هذه البحار المملوءة بالثلج. ولقد استطاع الملاح الإنجليزي هنري س ون عبور خليج هدسون (في كندا) ثم توفي بعد ذلك بفترة وجيزة. كذلك، وصل Henry Baffin حتى 13 درجة من القطب الشمالي في المنطقة الواقعة بين نيوفاوندلاند وجرينلاند. وكان هذا هو أبعد مكان في القطب الشمالي استطاع العلماء الوصول إليه على مدى ۲۰۰ عام قادم.

عصر جاليليو

في أوائل القرن السابع عشر، تم حل المشكلة المثارة حول النظرية التقليدية للنظام الكوني وموقع كوكب الأرض فيه ، تلك النظرية التي أيدتها كل من الحكمة القديمة وسلطة الكنيسة. فالمناطق الموجودة في هذا الكون أصبحت تتميز بالتغير المستمر وعدم الكمال على الرغم من الاعتقاد السابق بأنها خالدة وكاملة.

هذا، وقد كان العالم الإيطالي جاليليو من أبرز الشخصيات الموجودة في هذه الفترة؛ حيث كان له دور مؤثر للغاية في علمي الفيزياء والفلك. وقد أدى تحديه المستمر للنظريات التي قدمها أرسطو، وبالتالي للكنيسة، إلى انهياره حيث توفي وهو ينفذ الحكم المفروض عليه من قبل محكمة التفتيش بأن يظل حبيس منزله. ولقد حقق بعض من تلاميذه - ومن أبرزهم العالم توريشيلي - العديد من الاكتشافات الرائعة. وبعدهم ، لم يحقق العلم الإيطالي أي إنجازات لأكثر من قرن.

من ناحية أخرى، قام العالم الألماني جوهانس كبلر بتصحيح أفکار کوبرنیکس حول مدارات الكواكب. وقد اكتشف كبلر القوانين التي تحكم حركة الكواكب ودورانها. أما الاكتشافات التي توصل إليها العالم الهولندي يان فان هلمونت فقد أدت إلى تحويل علم الكيمياء القديمة إلى الكيمياء الحديثة. هذا، وقد انتقل علم التشريح إلى دراسة علم الفسيولوجيا (علم وظائف الأعضاء) حينما اكتشف العالم وليم هارفي حقيقة الدورة الدموية. وقد ركز العديد من الباحثين على دراسة الضوء : كيف نتمكن من رؤية الأشياء؟ ولماذا ينكسر الضوء؟ وما المقصود بسرعة الضوء؟ كما اكتشف بعض العلماء كل من العدسات المكبرة والمصغرة.

لم يكن كل العلماء العظماء في هذه الفترة يقومون بإجراء التجارب. وقد تناول بعض الفلاسفة، مثل : الفيلسوف الإنجليزي فرنسيس بيكون والفيلسوف الفرنسي رينيه ديكارت الموضوعات الخاصة بكيفية البحث والدراسة في مجال العلم ووصف الأشياء المتعلقة بالكون. وبالنسبة لكل من المثقفين والصحف العلمية، كان الفرنسي مارین میرسین بمثابة المنهل الذي يستقون منه العلم في أوروبا.

هذا، وقد أصبحت الأسماء الفرنسية من الأسماء التي لمعت على الساحة العلمية. وفي هذا الشأن، لا نذكر فقط دیکارت ومیرسین وإنما أيضا بيير جاسندي. ويعد جاسندي هو أول من قام بإحياء وتقوية الاعتقاد اليوناني القديم الخاص بالذرات، الذي استند إليه الكثير من العلوم. وقد كان العلم في إنجلترا في تلك الفترة أقل ازدهارا (هذا، باستثناء التأثير الذي أحدثته إسهامات العالم هارفي)، الذي كان في طليعة العلماء الذي ساهموا في الازدهار الكبير الذي حدث في النصف التالي من هذا القرن.

الأجرام السماوية المتغيرة

مع بداية القرن السابع عشر، أصبح علماء الفلك أكثر ميلا وتفضيلا النظريات التي تقول إن الأجرام السماوية ليست خالدة وثابتة. وفي عام 1572، تمكن العالم تيكو براهی من رؤية النجم الجديد (الذي نطلق عليه الآن النجم المتفجر فائق التوهج)، وقد سمي هذا النجم تیکو نسبة إلى هذا العالم. وقد كان هذا النجم يماثل نجم كبلر الذي ظهر في كوكبة الثعبان الشمالية في عام 1604. ولقد قام مساعد تیکو - العالم الألماني كبلر - برؤية هذا النجم عن كثب. ولقد كان هذا النجم منيرا، بل وشديد التوهج في فترة النهار قبل أن يتلاشى على مدى الشهور التالية. لكن، لم يلاحظ وجود أي اختلاف في موقع هذا النجم. ولذلك، فإنه يقع بعيدا عن القمر في نطاق النجوم الثابتة. وعلى الرغم من أن هذين النجمين الجديدين كانا شديدي التوهج واللمعان لمدة ۳۰ عاما، فإنه لم تتم رؤية أي من النجوم اللامعة خلال السنوات الأربعمائة التالية.

أكد عالم الفلك الألماني دافيد فابير حقيقة التغيير الذي يطرأ على الأجرام السماوية المختلفة. وكان هذا العالم قد تمكن من قبل من رؤية أحد النجوم في الكوكبة الجنوبية قیطس ولكن هذا النجم لم يظهر في منطقة معروفة وقد اختفى بعد ذلك عن الأنظار. وحينما تمكن فابير من رؤية هذا النجم للمرة الثانية في عام 1609، أدرك أن هناك شيئا جديدا يحدث بين النجوم، فهناك تغيير مستمر يحدث وليس مجرد تغيير يحدث مرة واحدة فقط. وبعد ذلك، اكتشف علماء الفلك أن هذا النجم يظهر ويسطع تقريبا مرة واحدة فقط في العام. ويسمى هذا النجم ميرا (ويعني أعجوبة قيطس). وعبر قرون من الزمان، لم يستطع أحد تفسير مسار هذا النجم وما يحدث له حتى بعد اكتشاف بعض النجوم المشابهة له.

في عام 1667، اكتشف العالم الإيطالي جيمناریو مونتاناري نوعا آخر من النجوم المتغيرة فقد لاحظ هذا العالم وجود نجم في الكوكبة الشمالية فرساوس - يعني في اللغة العربية الغول - يتسم بتغير ملحوظ للغاية في شدة لمعانه وسطوعه كل بضعة أيام. ولم تكن التغيرات التي تطرأ عليه مشابهة للتغيرات الكبيرة التي تحدث للنجم ميرا، حيث ظل نجم الغول مرئيا وساطعا دائما. ولعل معظم الأسماء التي تطلق على هذا النجم في اللغات المتعددة والتي تعني الغول توضح أن سلوكه الذي لا يمكن تفسيره كان معروفا لوقت طويل. هذا، ولم يستطع علماء الفلك الأوروبيون - الذين شاهدوا هذا النجم -- التصريح بأن ما يحدث لهذا النوع النجوم يدخل فيه بعض المعتقدات الخرافية خوفا من تعارض ذلك مع العقيدة الأرثوذك التي تؤمن بأنه ليس هناك شيء تابع للأجرام السماوية يطرأ عليه أي تغيير.