الصيغ الموسيقية الآلية
الافتتاحية
كانت الافتتاحية أهم أحد الإنجازات الهامة للأوبرا والتي لا يمكن أن تنكر فضلها في حقل الموسيقى الآلية والأوركسترالية والتي كانت البذرة الأولى لتطور وظهور السيمفونية فيما بعد وقد أشرنا سابقا إلى كل من الصيغة الفرنسية والصيغة الإيطالية للافتتاحية علما بأنها لم تكن تستعمل بشكل مستقل إلا نادرا كما في افتتاحيات تليمان الألماني 1681-1767.
السويت (المتتابعة )SUTTE:
هي مؤلفة آلية تتكون من عدة حركات أو أجزاء لكل منها شخصيتها المستقلة ولكنها كلها في سلم واحد. ويمكن القول بأنها سلسلة من القطع الصغيرة التي تعزف الواحد تلو الأخرى وكانت في عصر باخ تعتمد على ألحان الرقصات.
وكلمة سويت تعني عدد من المقطوعات المجمعة بشكل ونظام معين وكانت في إيطاليا تعزف في الحجرات أو الصالات.
وفي البداية كانت السويت في القرن السادس عشر مكونة من رقصتين الأولى في زمن ثنائي والأخرى في زمن ثلاثي مثل رقصتي(البافان، الجلبارد)المتباينتين السرعة ومثل(الألماند، الكورانت )وهذه رقصات مؤلفة في قالب بوليفوني يعتمد على التقابل اللحني أو المحاكاة. وكانت موسيقى تلك الرقصات قد تجردت تماما من وظيفتها الأصلية في مصاحبة الرقص لتصبح مجرد قطع موسيقية.
الألماند
رقصة ألمانية نشيطة سريعة زمنها ثنائي(4/4)وحتى عام 1600 كانت الألماند رقصة شعبية بسيطة هوموفونية ولكن بعد عام 1630 لم تعد تستخدم للرقص بينما أصبحت موسيقاها في العادة كحركة أولى في السويت.
الكورانت
رقصة فرنسية زمنها ثلاثي وهي متدفقة مليئة بالحيوية وهذا ما يضفي الطابع المرح على الحركة الثانية للسويت.
الكانون CANON
كلمة الكانون تعني بالإيطالية قانون أو قاعدة ومسيقاها هي أسلوب كنترابونتي من النوع الذي يلتزم فيه المؤلف بقاعدة الاتباع ويتبع بقاعدة محاكاة اللحن الأصلي تماما بواسطة الأصوات الأخرى مع دخولها متأخرة واحد تلو الأخرى لتنتهي بنفس الصورة أيضا. وقد يكون في أحد الأصوات مكبرا أو مصغرا أو مقلوبا أو معكوسا وفي هذا تقييد لحرية الاتباع الحر كما في الفيوج الذي يقوم على نفس الأسس لمبدأ التتابع والمحاكاة.
الابتكارات INVENTIONS
هي عبارة عن قطع محدودة صغيرة الحجم بأسلوب بوليفوني قائم على المحاكاة وقد ألف من الابتكارات بعض الإيطاليين والألمان مثل فيتالي وكوهنو واستخدموها كقطع نموذجية ضرورية لتعليم وتدريب دارسي الموسيقى لاحتوائها على الأشكال البوليفونية المختلفة مثل المحاكاة والفيوج والكتربوينت بأنواعه....إلخ.
التنويعات VARIATIONS
كان من أبسط الحلول التي وجدها المؤلفون لمقطوعات آلية طويلة متماسكة هو اختيار لحن معروف ثم اعادته بضع مرات مع التنويع عليه وتقديمه بعدة صور محوره ومعدله وذلك بالزخرفة أو تحوير الميزان أو الإيقاع، وأحيانا بتنويع المعالجة الهارمونية والكنتربونتية عدة مرات بأشكال متعددة. وقد تبلورت صيغة التنويعات في عصر الباروك إلى نوعين:
التنويعات المتداخلة: وهي التي لا يوجد بها فواصل لوقفات فهي بذلك عبارة عن تكرار مستمر طول القطعة كلها ويلعب الباص دورا جوهريا في بنائها وعلى هذا الباص تتم عمل التنويعات المختلفة بالأساليب المشار إليها.
التنويعات المنفصلة أو المستقلة: وهي قطع موسيقية طويلة يكون لها لحن رئيسي أساسي يعرض أولا ثم تجرى عليه التنويعات بالطرق السابقة على أن كل تنويع يكون مستقلا تماما بذاته ويكون له شخصية ورقم أيضا يميزه داخل القطعة كلها أي أنها مجموعة من القطع الصغيرة مكتوبة على أساس لحن رئيسي واحد وتسمى هذه القطع ب(لحن وتنويعاته )ولحن التنويعات وقد كتب اساطين الباروك للهاربسكورد والأرغن عديدا من التنويعات مثل باخ وهاندل وبرسل وغيرهم.
الفيوج FUGUE
كلمة فيوج بالمعنى الحرفي تعني الجري والهرب والملاحقة وقد أطلق هذا الاسم على هذه الصيغة لأن الأصوات تلاحق بعضها الواحد تلو الآخر فيما يشبه المطاردة، والفيوج ليست صيغة أو قالب موسيقى محدد التركيب ولكنها طريقة خاصة في النسيج البوليفوني عبارة عن بناء من طوابق متعددة وبناء صوتي تحكمه قواعد وقوانين موسيقية وجمالية خاصة.
وهي تعتبر قمة العمل الفني الموسيقي الذي توج جهود الموسيقيين منذ القدم بداية ببحثهم في تركيب الخط الميلودي المنفرد حتى الكثافة والعمق الصوتي والمتماسك بوليفونية وتمثل أعلى مراحل نضج البوليفونية منذ القرن السادس عشر بعد أن عهدت لها عبر خمسة قرون محاولات عديدة للمزاوجة اللحنية بين الأساليب الموسيقية المختلفة بداية بالأورجانوم بأنواعه حتى اكتملت الأسس الكنترابونتية وحتى أصبحت اللغة الموسيقية البوليوفونية معترف بها وكتبت بها صيغا استخدمت أو طورت مثل الموتيت والكانزونا والريشكارى وهي جميعا تمثل استغلالها للمحاكاة اللحنية التي تؤدى فيها أحد الأصوات لحنا معينا يتم ترديده بعد ذلك في الأصوات الأخرى واحد بعد الآخر ولكن تلك الأساليب القديمة لم تستغل المحاكاة كما بلغته الفيوج في عصر الباروك خصوصا بعد أن غزت الفيوج القائمة على البوليفونية المصبوغة بالتفكير الهارموني والتي عمادها السلالم الكبيرة والصغيرة ميدان الموسيقى الآلية لتصبح معزوفة بعد أن كانت تعتمد على البوليفونية المقامية الغنائية الكورالية وبذلك انتشرت بروحها الجديدة كمعزوفة وإن ظلت مصطلحاتها ومسمياتها كما هي تحمل التفكير الغنائي وما زالت تسمى بعدد أصواتها والأصوات لها اسماءها الغنائية( السوبرانو-الألطو-التينور- الباص)
وتنقسم الفيوج إلى ثلاثة أقسام هي:
قسم العرض
قسم التفاعل
قسم الختام
السوناتا SONATA:
كلمة سوناتا تعني معزوفة آلية وقد ظهرت هذه التسمية عندما استقل العزف عن الغناء في بداية القرن السابع عشر وقد عرف من السوناتا نوعين أساسيين.
أولا: السوناتا المنزلية SONATA DA CAMERA
وهي تقابل المتتابعة بالنسبة للفيولينه والسويت بالنسبة للكلافسان وهي عبارة عن حركات راقصة متباينة السرعة والأسلوب يجمعها سلم واحد.
ثانيا: سوناتا الكنيسة SONATA DA CHIESA
وهي تعزف في الكنيسة كملحقة للموسيقى الدينية لذلك فهي تتسم بالجدية والوقار وتتكون من أربع حركات: الأولى بطيئة ثم حركة أخرى بأسلوب الفيوج ثم حركة أخرى بطيئة والأخيرة سريعة وقد تكون على إحدى موسيقى الرقصات.
وللإيطاليين الفضل في ترتيب حركات السوناتا وقادوا أوروبا في مجال موسيقى الفيولينه ومؤلفاتها التي من الملاحظ أنها تشمل على أجزاء بوليفونيه كنترابونتيه في السوناتا وهذا بالطبع يتطلب مهارة فائقة وتمكن في عزف الآلة وقد امتدت السوناتا بعد ذلك إلى ألمانيا حيث بلغت القمة في أعمال باخ وهاندل للفيولينه المنفردة.
سوناتا التريو TRIO SONATA
كانت السوناتا في عصر الباروك صيغة شديدة المرونة وكانت أغلب السوناتات تكتب لآلتين من آلات الفيولينه بمصاحبة هاربسكورد بطريق الباص المتصل وهي بذلك سوناتا لثلاثة آلات ولكن كثيرا ما تشترك عددا من الآلات يصل إلى خمسة أو ستة كما قد يتضاعف هذا العدد أيضا حتى يقترب من أن تكون مجموعة أوركسترالية كما قد تنقص الآلات لتصبح آلة فيولينه واحدة فقط مع الهاربسكورد لتصبح سوناتا التريو أشد اقترابا من طابع موسيقى الصالون.
الكونشرتو جروسو
سلك الكونشرتو طريقا طويلا قبل أن يصل إلى ما هو معروف به الآن ولكنه قد مر بمرحلة طويلة كانت الأهمية فيه لمجموعة من مهرة العازفين معا. وهذه المرحلة هي التي نتج عنها أهم الصيغ الموسيقية الأوركسترالية في عصر الباروك والتي أطلق عليها الكونشرتو جروسواي(الكونشرتو الكبير )وكان للتطور السريع وازدهار آلة الفيولينه ما جعل المؤلفون يجعلونها منفردة أو مجتمعة حيث تكون فيها محورا للاهتمام جريا وراء الاستفادة بها وبإمكانياتها ففي القرن السابع عشر ابتكروا لها نوعا من المؤلفات قائم على الجمع بين العزف الوتري المنفرد والجماعي في آن واحد وبعدها فكروا في تمييز أوائل وأمهر العازفين في مجموعة الوتريات وإعطائهم الفرصة لإظهار براعتهم العزفية وجمعوا بين ثلاثة منهم أو أربعة في مجموعة انفرادية أطلقوا عليها(كونشرتينو)لتقوم بالعزف بالتناوب والتقابل والتحاور مع بقية مجموعة الأوركسترا الكبيرة وسموها(الجروسو)حتى جمع الاسم بين الاثنين لتصبحان كمجموعتان معا تحت اسم واحد هو(الكونشرتو جرسو )مستغلة بذلك خاصية التباين الصوتي والتجاوب والتقابل بين الكتل الصوتية ذات الرنين الخاص والتي هي من أهم القيم الجمالية التي تبلورت في عصر الباروك والتي وجدت في الكونشرتو جرسو مجالها الخصب المتسع كما أن الجمل الفردية لمجموعة الكونشرتو كانت مجالا رحبا للتنميق والزخرفة اللحنية.
أما أهم خصائص الكونشرتو جرسو فكانت التوفيق بين البوليفونية والهارمونية فهو يجمع بين الكثافة البوليوفونيه المعتدلة والمساندة الهارمونية في الباص المتصل التي يؤديها الهاربسكورد أو الأورغن بصوته العميق المتميز الرنان. كل هذا في إيقاع دائب مستمر لا ينقطع لهذا كله فإن هذه الصيغة هي عنوان موسيقى الباروك وخير مثل لأسلوب هذا العصر.
وفي البداية جمع المؤلفون الإيطاليون عدة حركات قصيرة في الكونشرتو جرسو على غرار السويت والسوناتا إلى أن تركزت في النهاية على ثلاثة حركات الأولى سريعة ولها صيغة بوليفونيه خاصة بها والثانية بطيئة غنائية تكتب بأسلوب هارموني دسم معبر في قالب ثنائي بسيط أو تكون من إحدى الرقصات البطيئة. أما الحركة الأخيرة فهي سريعة بوليفونيه وقد تصاغ على نفس صيغة الحركة الأولى بشكل أضيق.
وأصحاب الفضل الأول في مجال الكونشرتو جرسوهم مؤلفو وعازفوا الفيولينه الإيطاليه مثل( تويللي وكوريللي وفيفالدي )الذي ترك أثرا كبيرا في أسلوب(باخ)الذي بلغ مع(هاندل)قيمة النضج الفني خصوصا في كونشرتات هاندل وكونشرتات(براندبو العظيمة لباخ).