الصدور = الفيض

هو العلاقة بين الواحد وبين الموجودات المنبثقة عنه؛ وهوأيضاً العلاقة بين الموجودات العليا وبين الموجودات الدنيا في نظام ترتيبي للموجودات. وأفلوطين يشبه هذه العلاقة بتلك القائمة بين الشمس وما يصدر عنها من أشعة، لكن أفلوطين يوضح هذا المعنى بأن هذا الصدور عن الواحد لا يترتب عليه تغير ولا كثرة في الواحد[١].

وقد قال بالصدور الغنوصيون، كما نجد بذور مذهب الصدور عند أفلوطرخس وفيلون اليهودي وإن تجنبا استعمال كلمة απόρροια على أن أفلوطين هو الآخر نادراً ما يستعمل التعبير απόρροια او απορροή[٢]. وكثيراً ما يستعمل التعبير (يفعل، يصنع) للدلالة على فعل «الواحد». ويحدد مبدأ الصدور بأنه لا يعاني أي نقص ولا زيادة في عملية الصدور بل هو تام منذ البداية والى الأبد. وهو في وحدة تامة وبساطة تامة.

وعن أفلوطين أخذ الفلاسفة الإسلاميون فكرة الصدور، ويسمونها أيضاً «الفيض» والفاراي يقول في الفصل السابع من «آراء أهل المدينة الفاضلة» وعنوانه: «القول في كيفية صدور جميع الموجودات عنه»: "الأول هو الذي عنه وجد. ومتى وجد للأول الوجود الذي هو له، لزم ضرورة ان يوجد عنه سائر الموجودات التي وجودها لا بإرادة الإنسان واختياره، على ما هو عليه من الوجود الذي بعضه يشاهد بالحس، وبعضه معلوم بالبرهان. ووجود ما يوجد عنه إنماهوعلى جهة فيض وجوده لوجود شيء آخر، وعلى أن وجود غيره فائض عن وجوده هو. .. ولا.. . يحتاج في أن يفيض عن وجوده شى ء اخر - إلى شى ء غيرذاته يكون فيه، ولا عرض يكون فيه... ولا يمكن آبضاً ان يكون له عائق من أن يفيض عنه وجود غيره، لا من نفسه ولا من خارج اصلا"[٣].

وقد أخذ بمذهب الصدور هذا ابن سينا، وعارضه ابن رشد بشدة، (راجع خصوصاً «تهافت التهافت»). أما ابن سينا فقد قال به على أساس المبداً القائل بأن الواحد لا يصدر عنه إلا واحد؛ وأما ابن رشد فيرى، على العكس، أن الواحد ما دامت لديه القدرة، فإنه تصدر عنه كثرة.

ومن ثم، وفي العصور الوسطى الأوروبية ، أصبح التعارض حاداً بين نظرية الصدور ونظرية الخلق. وقد قال بالصدور من بين هؤلاء، يوحنا اسكوت اريوجنا[٤]. وفسر توما الأكويني الصدور على أساس فكرة المشاركة[٥]. ونفس التفسير نجده عند السيد أكهرت[٦].

والصدور يقال إذن في مقابل:

١-الخلق، لأن المخلوق منفصل تماماً عن الخالق، ولأن الخلق يتم إما من العدم، او من مادة سابقة موجودة منذ الأزل إلى جانب المبدأ الخالق.

٢-والتطور، لأن التطور عملية تجري في زمان وتمضي من الأقل كمالاً إلى الأكمل، فالتطور يضاد تماما الصدور لأن الصدور يمضي من الأكمل إلى الأنقص، كما أنه في التطور يجري التغير على المبدا، بينما في الصدور يظل المبدأ في كماله وتمامه.

وثم تشابه بين الصدور وبين الحلول pantheisme، لكن بينهما فارقاً جلياً يقوم في كون المبدا باطناً ومحايثاً هو نفسه في الكون عند اصحاب مذهب لحلول، بينما الأمر ليس كذلك في الصدور كما بينا من قبل، ولهذا فإن من الأفضل التمييز الواضح بين الصدور والحلول.

  1. ^ راجع تحديد عبد الرحمن بدوي للصدور عند أفلوطين في كتابه: "خريف الفكر اليوناني" ص 132 ط سنة 1979.
  2. ^ في التساع الثاني: ١، ٣، ٢٦، ٢٧، ٢,٨؛ التساع الثاني: ١، ٤، ٢، ٤، الثاني٣، ٢، ٧.
  3. ^ «آراء اهل المدينة الفاضلة»، ص ٥٥- ٥٦، بيروت سنة ١٩٧٣.
  4. ^ De la division de la nature، 17.
  5. ^ راجع شرحه على كتاب «السماع الطبيعي» لأرسطو VIII, L.II.
  6. ^ 13 ,218 ,3 ,Lateinische Werke.