السياسة عند أفلاطون

إذا كانت الفضيلة غاية الفرد، فهي ايضاً غاية الدولة؛ وإذا كان النظام والانسجام بين اجزاء النفس^غاية للنفس الانسانية، دهر أيضا عاية الدولة. وقد شرح أفلاطون طريته في الدولة في عدة محاورات اشهرها ٠السياسي» و«السياسة»، ثم «الوامبس». والمحاورتان الاوليان تتشابهان تقرب با في النظرية العامة التي فدمها عر المدينة الفاصلة . أما «النواميس، فتحتلف اشد الاختلاف عن «السياسة» و: السياسي،. ولهذا سنفرد لهاتبن المحاورنين الأولبير قسما خاصا، ولمحاورة «النواميس» فسما آخر. فلنبدا بشرح نظرية الدولة تبعاً «للسباسة، و«السياسي». هذه الظرية تفم !لى ثلاثة انام رنيسية : القسم الأول غاية اندرلة ومهمنها والثاني نظام الطبقات في الدولة. والثالث المدينة العات، أو المنشآت الني يحب ان ترجدفي الدرلة ل مثلى.

غاية الدولة ومهمتها

قلنا إن أفلاطون يجعل غاية الدولة والأصل في تكوينها أن تهى أحس الظروف لتحفيق الفضبلة، كغاية الفرد سواء بواء؛ أي أن غايتها تحقيق الفضيلة إلا أننا نجد في ادئ الأمر صعوبة من تلك الصعران الفي نجدها دانما ونحن كحث في مذهب افلاطون، إذ نجده يجاول أل يماقض هذه الغاية التي وضعها للدولة، فيقول إن الدولة نشأ حينما بشعر الاس بان الواحد مهم لا يتطيع أن يكمي هسه في إشباع حاجاته، ويجتمع الناس بعصهم مع عض لكي يتطبع الواحد أد يكسل الاخر، ويحقت له مر المافع ما لا يتطبع هر وحده أن يحففه؛ أي أن الأصل أن الاس كانرا زراعا وصناعا، ثم اجنمعوا من أجل تحفز عاباتهم، ثم لما ظهر الترف اقتصى ذلك إنشا، طبقتين أخريي إحداهما طبقة الحكام، والثاية طبقة رجال الحبش .

ونجد أفلاطون مرة احرى في «السياسي» يذكر لا نشأة الدولة، فيتحدث عن دلك العصر الدهبي الذي لم بكر فيه الاس في حاحة إلي الاحماع، وعن التقهقر الدب أصاب الاسانية شبنا شيناً ، حى وصلت إلى مذه الدرجة التي يسود فيها ظام الحكم القائم في عهده. لكر ألي معى هذا، لو اسا اخذنا هذا الكلام ماخذ الجد، ان الأصل في نشأة الدولة إشباع الرغبات المادية، لا تحقيق الفضيلة؟ وأليس معنى هذا أيضا أن الطبقات العليا، التي سيجعلها افلاطو في قمة الدولة، وليدة فضول الحاجات، لأنها وليدة الترف، فهى إذن فضول على الدولة وليست أساسا للدرلة؟ ألن تكور الدولة حينئذ مصدراً من مصادر الشر، لا مصدراً من مصادر تحقيق الفضيلة؟ الوافع أنه ليس من الواجب ان ناخذ كلام افلاطون في هاتين الحالتين مأخذ الجد، خصوصاً ونحن نرى أفلاطون نفسه، في «السياسة»، يقول إن هذه الجياة التي يحياها هزلاء الزراع والصناع ليست حياة جديرة باسم الحياة الفاضلة ، و!نما أقرب ما تكون، أو هي بالفعل، حياة الخنازير.

لهذا يجب أن نرفض الفكرة التي يمكن أن توحي ب-واهاتان الفكرتان ونرجع!لى فكرة الدولة من حيث الغاية والمهمة الملقاة على عاتقها. فالغايةهي لعلم، والعلم لا يتحقق!لا عن طريق التعليم، والتعليم لا يتم إلا بالتربية، والتربية لا يمكن أن تترك للفرد وحده، بل لا بد ص شي ء يعلوه، هو الدولة؛ فالغاية من الدولة إذن تحقيق الفصيلة، التي هي العلم، عن طريق التربية؛ وإيجاد احسن الظروف المهياة لكي تتحقق الفضيلة على أيدي هزلاء الذين تملكوها واستطاعوا أن تكون لديهم القدرة على تلقين الناس إياها: أي أن الغاية من الدولة أن تهى الظروف المساعدة على تحقيق الفضيلة عن طريق من يملكون العلم وهم الفلاسفة. فيجب أن تكون الفلسفة إذن الغاية الرتيبة للدولة في الواقع. ولهذا فمهما اختلفت الطرق، فلا بد أن تؤدي جمبعاً إلى شي، وا حد، هو تحقيق الغاية. فسوا، أكان الحكم للفرد أم للمجموع أم للاقلبة، وسواء أكان لحكم للاغئياء أم للفقرا، ، وسوا، أكان الحكم حكم الديماغوجية (أي حكم الأغلبية العامة) ام حكم الطغيان، فالغاية النهائية للدولة واحدة، ألا وهي تحقيق الفضيلة.

نظام الطبقات في الدولة

إلا أن الدولة ليست مكرنة من فرد واحد، وإنما هي مكوة من عدة أفراد. وهزلاء الافراد مختلفون من حيث الطبيعة، وهذا الاختلاف يرجع في النهاية !لى الاختلاف الذي نلاحظه في النفس الانسانية، بل وفي الرجود بوجه عام. فكما ن النفس الاسانية تنقسم إلى أقسام ثلاثة: القوة الغضبية. والقوة الشهوية ، رالقوة العاقلة، كذلك الحال في الدولة تنقسم إلى ثلاثة أقسام بحسب انقسام الأفراد بمقتضى سيادة إحدى هذه الملكات عندهم على الأخرى. فهناك طبقة تسودها القرة العاقلة، وثانيةتسودعا القوة الغضبية، وهنال ثالثة تسودها القوة الشهوية. وكذلك الحال حينما تناظر طقات الدولة بطبقات الوجود. فقد قلنا عن الوجود إنه إما وجود الصورة، وإما وجود التصور الصحيح، وإما وجود المحوسات. وهذه تناظر الطبقات الاجتماعية التى رأيناما. وإذا كانت الحال كذلك، فإنه لما كان الرجود الحقيقي هر وجود الصورة، ولما كانت الفوة العاقلة هي المسيطرة، أو التي يجب ان تسيطر على بقية القوى، كان لا بد ان تكون القوة المسيطرة في الدولة هى تلك التى تتمثل فيها معرقة الصورة، وتسودها القرة العاقلة، وهذه هى طبقة الفلاسفة. فالطبقة العليا الى سيكرن بيد ها زمام ا لأمر في الدولة الجديدة يجب أن تكون طبقة الفلاسفة.

كذلك الحال في الطبقة الثانية، فإنه لما كانت الدولة في حاجة إلى الدفاع عنها خارجياً وداخلبا، فهي في حاجة إدن إلى طبقة تتمثل فيها القوة الثانية وهي القوة الغضبية، وهذه الطبقة هي طبقة رجال الجيش . ففيها تتمثل الثجاعة والقوة الغضبية أحسن تمنل، كما أنها المعين للحكام من الغلاسفة على تحقيق أواسرهم التي يصدرونها في صالح الطبقة التالثة . وهذه الطبقة الثالثة ستكرن طبقة الشهوات، بمعفى المنافع المادية المختلفة مر زراعة وتجارة رصناعة. رهز لاء لا يحفل بهم أفلاطون إطلاقاء ولا يعفى باسر تربيتهم، بل يكتفي بان يغرل إن هزلا، الزراع والصناع والتجار عليهم أن يتبعوا الأخلاق الثعبية والأوضاع التقليدية. ولما كانت الصفة المميزة لهده الطبقة هي الملكية، وكانت هذه الصفة هي التي تجعل هذه الطبقة في هدا المستوى فمن المحرم إطلاقا عل الطبفتبن الاخريين هذا الحق : حف الملكية. وإنما يهبثورن جميعا على حساب الطقة الثالثة، يعيشرن عيشة شيوع ليس فيها الملكية ولي فيهاأي اتجاه نحو كسب أو فع . وهنا نجد احتقار أفلاطون للعمل - كما سبق لنا التحدث عنه - واضحا كل الوضرح. والدولة قد ارنمت على هذا الأساس، واختص كل قسم منها بجز، يجسب عليه ألا بتعداه، فإذا حقف كل ما عليه ولم يفرط او لم يفرط، فحينذ يكون النظام. فهذا النظام يتحقق، كما هي الحال بالنسة للعدل أو الانسجام في النفس الانساية، عن طرف أدا، كلما يجب عليه.

أما عن صلة الفرد بالدولة، فالفرد عند افلاطون يجب أن يكود من أجل الدولة، وعلى هذا يجب الا يفعل شينا خارج الدولة ولا ضد الدولة، بلعليه ن يفعل كلشي، من اجل الدرلة. وإذا كانت الدرلة إذن ستعنى بإيجاد اللبقتين الأوليين، فلنبحث الآن في النظم التي يجب أن تنشا من أجل تحقيق المدينة الفاضلة

المدينة الفاضلة

قلنا إن الفرد للدولة. ولا يرجد خارج الدولة، ولا يعمل ضد الدولة. ولتحقيق هذا يجب أن يفصل الفرد منذ ميلاده عن والديه، ويسلم !لى الدولة. وهنا نجد أن فكرة الزواج وفكرة الأسرة ينظر إليها نظرة جديدة مختلفة عن المألوف. فالغرض من الزواج عند افلاطرن إيجاد الأفراد، والمرأة مهمتها حيننذ إيجاد الأولاد. ذلك لان الزواج والاسرة هما مصدر كل شر، من حيث أن الغاية من الدولة لا تتحقق إلا بائتلاف المنافع. وكلما ائتلفت المنافع والأغراض، حققت الدولة مهمتها على الوجه الأكمل. فإذا كان الزواج والأسرة هما مصدر اختلاف المنافع، ومن ناحية اخرى إذا كانت الملكية هي مصدر اختلاف المنافع أيضا، فيجب إذن لكي تقوم الدولة الثلى، أن يقضى على الزواج والملكية. وعلى هذا ستبدا الدولة بأن تتسلم الطفل حين يولد ونضعه في ملاجىء لتربية الاطفال. ثم يزخذ الأطفال حينما يبلغون سنا معينة، فيربون، وهذه التربية ستوزع أو ستقضي لهم بحسب مواهبهم: فالذين يصلحون للجيث يربون تربية عكرية، والذين يصلحرن لادارة الدولة يربرن تربية فلسفية . ويلاحظ أن أفلاطون قد فال أيضاً بوجوب اختيار الذرية ، وغالى في هذا بعض المغالاة، فقال إن من الواجب ألا يخرج الأرلاد إلا من أبوبن صالحين، وإذا وجد أب فاسد، فيجب أن يمع من النسل، وإذا وجد أطفال غير صالحين، فيجب التخلص منهم؛ وعلى الرغم مما في هذا من قوة، فيجب أن يزدى هذا الواجب من أجل أن تكون المدينة فاضلة.

يعلم هؤلاء الموسيقى والألعاب الرياضية. أما الألعاب فبجب ألا يغالى فيها كثيراً ، ويجب أن تسير التربية الروحية جنباً إلى جنب مع التربية البدنية، وألا تكون الرياضة البدنية مؤ ثرة أقل تأثير في العناية باروح. وهنا يحمل أفلاطرن على التربية الاسبرطية حملة شديدة، لآنها احتفلت بالجسم على حساب الررح. أما الموسيقى فيجب أن تكون موسيقى تفيض بالقوة، وان تخلومن كل هذه الميوعة التي نشاهدها عند بعض أصحاب الموسيقى . وكذلك الحال في بقية الفنون : مجب أن تطهر نهائياً من كل فكرة اونزعة مخالفة للفضيلة. وهنايحمل أفلاطرن على كثير من الشعراء ويطردهم من مدينته الفاضلة ، وعلى رأسهم هوميروس.

أما التربية الفلسفية فتسير على حسب القواعد التي وضعها في الأكاديمية. ولا يبدا الانسان تعلم الفلمة إلا بعد سن متقدعة، حرالي الخامسة رالثلائين، ويستمر إلى حرالي الخمسين، فيحق له حيننذ أن يكون حاكما. وعن هذا الطريق يرب هز لاء تربية حنة ويفهم كل ما عليه من راجب يزديه نحر الدرلة -

والآن، إذا نظرنا في هذه المدينة الأفلاطونية الفاضلة وجدنا أن افلاطرن كان ينظر إليها نظرة جدية، ولم يكن يقول بها بحباتبا شبئاً غير عمكن التحقيق. فكما لاحظ هيجل وتابعه اكث المزرخين حتى الأن، كان أفلاطون ينظر إلى هذه المدينة الفاضلة بحسبانها شيئا ممكن التحقيق .

ونحن لو نظرنا إلى مذهب أفلاطون لوجدنا أن هذا هو الواجبب أن يقال، لأن الوجود الحقيقي عنده هو وجود الصرر لا وجود المحنوسات ، ووجود الصورة هو المناظر لوجود المدينة الفاضلة. اما المدن غير الفاضلة التي عدها وذكرها في «السياسي» وفي «السياسة»، فليست مدناً حقيقية لانها تناظر الوجود الحسى . رهذه المدن غير الفاضلة قد تحدث عنها افلاطون وشرحها شرحاً يدل على أنه لم يبحث في السياسة بحثاً قبليا لا يقوم على التجربة، بل الواقع انه بحث بحثاً يقوم كله على دراسة الدساتير المخنلفة لنظم الحكم المشهورة الرئيسية، وهي الأرستقراطبة، والأوليغركية، رالديماغوجية، ثم حكومة الثراة أو البلوتقراطية.

وإذا نظرنا الأن في المصادر التى صدرن عنها فكرة افلاطون في الدولة، وجدنا أولا أنه تآثر تأئراً شديداً بنظام الدولة الاسبرطية، كماصنعه لوكرجوس. فهو يقولكما يقول التشريع الاسبرطي بأن الفرد للدولة، ويفول بترية الأفراد تربية عكرية وبالقضاء على الملكية، والقضاء على الزراج، كا كانت الحال عند الأسبرطيين. إلا ان هناك اختلافاً كبيراً بين افلاطون وبين النظام الأسبرطي من خيث الروح والغاية: فالغاية من النظام الأسبرطي تقوية البدن فحسب، أما الغاية عند أفلاطون فهي الفضيلة وتحقيق العلم والفلفة. وهذه الدولة الأفلاطونية أقرب ما تكون إلى نظام الكنية الذي كان موجوداً في العصور الوسطى على الرغم من الاختلاف الكبير بين الروح التي أملت على الكنية نظامها وتلك التي أملت على افلاطون نظام مدينته الفاضلة.

دولة النواميس

تلك دولة «السياسة، واهالسياسي» وقد كان أفلاطون يؤمن بأن من الممكن تفيق هذه الدولة. بل إنه قصد فعلا إلى هذا. وكان مقتنعاً كل الاقتناع بأنه من الهل -لوتوا فرت العزائم في النفوس - أن تتحقق هذه المبادى الي اعلنها من أجل تكرين هذه الدولة الجديدة، وهو بالفعل قد ذهب إلى صقلية، عند ديون، لتنفيذ مبادئه القي اعلنها في «السياسة». لكنه في الرحلة الثانية قد عاد خائب الأمل تماما وينس بعد رحلته الثالثة غهانياً من إمكان تعقيق هذا الأمل. فكان عليه إذن ان يعدل من هذه المبادئ لكي بمكن تحقيقهافي الواقع. هذا من ناحية، ومن ناحية اخرى يلاحظ ان محاورة «النواميس، قد كتبت في أواخر حياة أفلاطون، فكان طبيعيا إذن ان تخلو من تلك الأفكار العالية التي هي داثما من وحي الشباب والرجولة، وان تكون أقرب إلى الواقع العملي، رإلى ما يمى باسم الحكمة العملية. فمبادئ الدولة - كما تظهر في «النوامي،- هي المبادئ التي يقول ب٣ا شيخ عرك الحياة وعرف تجارها، ثم يثس من. مثله العليا فحاول المسالمة ولم يكن هداماً ثائراً يحاول ان ينقض بناء الجماعة، بل كان مالمأ يحاول قدر الامكان ان يتفق مع مقتضيات الواقع وطبيعة النفوس الانانبة، من حيث إنها طبيعة منحطة يمازجها الكثير من الثر كما يمازجها الكثير من العجز. هذا إلى ان طور الشيخوخة يجر وراءه دائما النزعة إلى التصور الساذج، وبالتالي النزعة إلى الدين. ومن هنا نجد الروح الدينية، بمعناها الشعبي الاذج، تسود هذه المحارة. فلهذه الأسباب كلها وجد أفلاطون الا مناص من أن يعدل من تلك المدينة الفاضلة التي صورها لنا من قبل في «السياسي» و^الياسة.

تختلف هذه الدولة الجديدة، دولة 1 النواميسه، عندولة «السياسة» في كثير من الاوضاع وفي الروح العامة التي تسودها. فالروح العامة في «النواميس» روح دينية مسالمة واقعية . ويظهر هذا واضحاً أولا في اختيار المكان الذي ستنشا فيه الدولة : فهويقول إن الواجب أن يختار المكان بعد استشارة الألهة؛ ويجب أن يكون هذا المكان مما يسكنه الجن كما تسكنه الآلهة . وتظهر هذه الروح الدينية أيضا في العقاب في الدولة الجديدة، فالجريمة الكبرى هي تلك التي تكون ضد الدين، والعقوبة الكبرى هى العقوبة على هذه الجريمة. ويجب أن يكون كل شيء مرنباً عل هذا الاساس، فيلقن الدين للناس جميعاً ، ويكون هو الروح السائدة في منشات الدولة .

ولا نطيل في هذه المسألة لأها ليت ذات أهمية في الفلسفة، وننتقل منها !لى الروح الواقعية. فنجدها متمثلة في المنشآت الياسية والمنشات الاجتماعبة التي سبحقق بها النظام فى الدولة الجديدة. فمن الناحية الاصادة نلاحظ. أن الملكية لن تستبدل ه٣ا الشيوعية، بل سيحاغظ على الملكية إلىحد ما: فلي ثمت ملكية مطلقة، وإنما يجب ان توزع الثروة العامة على جميع الأفراد على السواء ويجب تبعاً لهذا ان يجدد عدد السكان لكل دولة بالعدد خسة الاف واربعين، لما لهذا العدد من خصائص عظمى فيما يتصل بالتقسيم ، سواء أكان هذا التقبم الى قبائل أم إلا افراد. ولكي يحتفظ يهذا العدد دائما، يجب أن ينظم الزواج على اساس انه يجب ألا يزيد عدد من يولدون عن هذا العدد. وإذا كان هناك نقص في المواليد، فيجب أن بكمل بافراد من الخارج. وإذا لم يوجد ورثة، فيجب تبفي افراد من أسر أخرى لكى يكونوا الحافظين لهذه الثروة. وهذه الثروة ثروة عفارية فحسب. فممنوع منعاً باتا ملك المنقولات إلا ما مجتاج إليه الانسان، وممنوع منعاً باتا عل وجه التخصبص ملك الذهب والفضة، لأنهما وسيلة للتعامل فحسب، وليا غاية تطلب لذاها. ويجب من أجل هذا أن يكون الإقراض حراً، بمعفى ان تلغى الفائدة إلغاء تاما.

فإذا انتقلنا من الاحية الاقتصادية إلى الناحية الاجتماعية، وجدنا ان الزواج لم يعد زواج الشيوع، وإنما اصبح زواجا حقيقيا، بمعفى الزواج الفرد، لكن يجب أن يفيد هذا الزواج تقييدا تاما، بمعفى الا تتم مراسم الزواج إلا باستشارة من الدولة. ولو أن افلاطون لم ينكر العزوبة، فإنه فى هذه المرة يفرض عقوات قاسية على من يبلغ سن الخامسة والثلائين دون ان يكون متزوجاً. وعل كل حال فإنه يربد ان يصل إلى شي، من التوفيق بين الزواج العام وبين فكرته الأولى عن الزواج.

اما الأولاد فهم لا يزالون اولاداً للدولة؛ وهم ملك الدولة من البداية، فعليها أن تعنى بتربيتهم . وهنا تختلف التربية في «النوامي» عنها في «الباسة» بعض الاختلافات. فقد كانت التربية في «الياسة» مقسمة بحسب من يتلقون التربية من حيث الطبقة التي ينتسبون إليها : فللحكام تعليم غبر تعليم رجال الجيث؛ أما هنا فالتعليم عام. وهو إلى جانب التعليم العادي للالعاب والموسيقى تعليم أيضاً للرياضيات؛ وفي هذا نجد أثر النزعة الفيثاغورية، التي سادت فكر أفلاطون في اخر طور من أطوار حياته، واضحة كل الوضرح. فهو يقول إن الرياضيات ضرورية يجب تعلمها، لأنها مصدر الانجام، والانسجام مصدر الخير، فبجب إذن من اجل هذا ان يعلم الناس شيئا من الهندسة والفلك والحساب.

فإذا انتقلنا من الناحية الاجتماعية إلى الناحية الياسية، وجدنا أنه بدلا من طه الطبقة الأرستقراطية الأولى، طبقة الحكام من الفلاسفة، نجد افلاطون يضع على راس الدولة الجديدة مشرعين. والمشرع يختلف عن الفيلسوف في ان المشرع رجل قد اكتسب الحكمة العملية وبعد النظر في الراقع فحسب، واما المعرفة الفلسفية فهوخلومنها، اى أن الفضيلة الرئيسية للمشرع هي البصربالأمور. وهؤلاء الحكام يكونون مجالس تشرف على تنفيذ الفوانين. ولر أن الرجال العظام أو الحكماء يجب الا يخضعوا لأي قانون من القوانين، فإنه لا يوجد مطلقاً هذا النوع من الناس، وإنما يوجد فقط أناس في مستوى متوسط، وهذا المستوى المتوسط يجعل المهمة الرئيية للحاكم ان يحافظ على القوانين الي سنت وأن يمنع كل تجديد او عبث في القوانين، فالحكام محافظون فحسب، ولا تسودهم اية نزعة من نزعات النجديد او الاصلاح. وهنا نجد أفلاطون يتأثربالكثير من نظم اسبرطة، ويتأثربلوكرجوس وصولرن بوجه عام.

والمحاكم والمنشات الباسية والقضائية التي يقول يها، يحاول قدر الاستطاعة أن يوفق فيها بين الديمقراطية وبين الموناركية أو الارستقراطية، وذلك لأن الصورة الجديدة التي يوردها للدولة من حيث نظام الحكم هي مزيج من الطغيان أو الموناركية ومن الديموقراطية. وإلا فإنه إذا سادت إحدى هاتين النزعتبن، فتؤ دي الحال إلى الظلم، كما هي الحال بالنسبة إلى سيادة النزعة الموناركية في بلاد الفرس، وسيادة النزعة الديموقراطية في أثينا . وهذا يظهر من فكرة أفلاطون عن المواطن: فالمواطن في نظره يجب ان يكون حراً، وهذه الحرية لا تتفق مع ما كان يقوله من قبل من أن تكون سلطة الفلاسفة سلطة تامة، ولهذا كان عليه أن ياخذ بشيء من الديموقر اطية بمعناها الحقيقى. لكنه كان عليه، من ناحية أخرى، الا يطلت نهائيا نزعته الأرستقراطية: فإذا قال بالماواة، فإنه يقول إلى جانب هذا بالكفاية، فيجب ألا يتولى أمور الدولة غيرالأكفاء ، وبالتالي يجب أن نقضي على هذا النظام الفاسد الموجود في الديموقراطية، ألا وهو نظام الاقتراع؛ فينتخب الافراد تبعاً لمؤهلاتهم الخاصة.

اما في ميدان الأخلاق فالفضانل لا زالت هي الفضائل القديمة، لكنها قد فهمت هذه المرة وفسرت تفسيرا يختلف عن التفسير السابق اختلافاً كبيراً. فالحكمة ليست هي الفلسفة العالية أو التامل الخالص بل هى البصر بالأمور، والاحاس بالواقع العملي؛ والشجاعة اصبحت مزيجاً من الحذر والجرأة، والعفة أصبحت أخذا بشيء من ملاذ الحياة في كثير من التصوف والزهد؛ أما العدالة، وهي الفضيلة الجادعة بين كل هذه المعاني، فترجع في النهاية إلى شيء من الهدوء الذي يسود النفس بتقديرها للامور ووزنها للاشياء وزنا صحيحاً يحسب للواقعكلحاب.

أما من ناحية روح المسالمة، فإننا سنجد أنه لن توجد طبقة خاصة بالجند، بل سيكون التجنيد إجبارباً بالنسبة للجميع، وبقية الطبقات ستكون مختلطة بعضها ببعض حقى لا يكاد الانان أن يفرق بين بعضها وبعض. .فلم تعد طبقة الصناع والتجار موجودة، لأن الصناعة والتجارة لم تعودا من شان المواطن الحر، وإنما يوكل أمرهما إلى العبيد والاجانب. ومعنى هذا أيضاً أن كل إنسان له تجارة وصناعة، مهما كانت طبقته، لأن هؤلآء العبيد إنما يشتغلون في تجارة وصناعة من ينتسبون إليهممن المواطنين الاحرار.

فإذا نظرنا بعد هذا العرض العام إلى عحاورة النواميس: من حيث المبادئ الفلسفية العامة، وجدنا انها تفترق بعض الافتراق، خصوصاً فيمايتصل بمسالة الرياضيات، عن بقية المحاورات. فالعناية بالرجود الرياضي هنا كبيرة إلى حد كبير، والفلفة قد اصبحت ترجع في الجزء الأكبر منها إلى الرياضيات، وذلك راجع كما تلنا إلى النزعة التي رايناها من قبل، نزعة الفيثاغورية، التي طغت على فكر افلاطون في اواخر حياته .

اما إذا تساءلنا عن السبب الذي من اجله قد ودع افلاطون احلام «السياسة»، واستعاض عنها بمنشآت «النواميس» العملية، فإن الاجابة عن هذا السؤل عند أفلاطون نفسه. فهو يقول إن الدولة المثلى التي صورناها في «الياسة» دولة لايمكن انتحقق إلا على د الآلهة او ابناء الآلهة. «السياسة» هي في الواقع الصورة العليا لما سماه القديس أوغسطين فيما بعد «مدينة اله» . أما البشر فلي في وسعهم أن يحققوا المبادى التي بينها في «السياسة»، ولهذا رأى من الواجب ان ينزل من هذا المستوى العالي الى مستوى الواقع، فيحاول قدر المستطاع أن يصور للناس فضائل الدولة الجديدة على أساس الراقع ووفق طبيعة النفس الانسانية كما هي، بما طبعت علبه من شر وفساد. فليس معفى وجود دولة «النواميس: بعد دولة «اليا-ة ا ان افلاطون قد انكر دولة «الياسة»، وإنما قد حاول فحسب ان يعرض صورة جديدة تنفن مع الواقع، مع جعله دولة «السياسة» منلا اعلى يجب ان يسعى الناس إلى تحفيقه قدر المستطاع.