الجمعية الفابية

الجمعية الفابية (بالإنجليزية: Fabian Society) هي جمعية إنكليزية أنشئت في عام 1884 في لندن، وكان هدف الجمعية إعادة بناء المجتمع وفق أسمى المبادئ الخلقية. وسميت نسبةً إلى القائد الروماني كُونْتَاس فابْياس ماكْسيموس (نحو 275 - 203 قبل الميلاد) الذي كان شعاره "البطء مع الثقة" وكانت كنيتُه بالإنجليزية تعني البطيء أو المهدِّئ أو المؤجِّل. وحدد الفابيون وسائلهم وفق أسلوبه، وسعوا إلى نشر مباديء الاشتراكية بالوسائل السلمية أي تحقيق المبادئ الاشتراكية عن طريق التطور وليس عن طريق الثورة.

يشير مصطلح الفابية إلى اتجاه رئيسي عام فى الفكر الاشتراكى الإنجليزي الدائر حول السياسة الاجتماعية التى تتصف باللاثورية والبراجماتية والعقلانية، وتؤمن بالتدخل الحكومى وصلاحية دولة الرفاهية. ولقد ارتبطت الفابية ارتباطاً قوياً بالتراث الانجليزى فى البحث التجرببى (الإمبيريقى).

كان من بين الفابيين الأوائل جورج برنارد شو (George Bernard Shaw) وسيدني ويب (Sidny Webb) وغراهام والاس، وقد انضم إليهما فيما بعد بياتريس ويب واتش جي ولز و ج.د.هـ.كول وجون. أ. هوبسون.

تاريخ الجمعية الفابية

أسس «الجمعية الفابية» سنة 1884 لفيف محدود من المفكرين البريطانيين، الذين أعجبوا بالاشتراكية كدعوة للعدالة قدر ما ضاقوا بالرطانة الماركسية عن «البروليتاريا» و«صراع الطبقات» واستئصال الرأسماليين وإقامة دولة البروليتاريا. لقد استبان هؤلاء ما في هذه الدعاوى من سرف وشطط وما تخلفه من آثار سيئة، فاستبعدوها تمامًا وأوجدوا نسخة من الاشتراكية البريطانية، تلحظ ظروف المجتمع البريطاني وتبرأ من التورط في العمل السياسي، خاصة عندما يقوم على صراع دموي عنيف. وكان البديل الذي قدموه هو «الحكمة والموعظة الحسنة»، ووسيلتها كتيبات تشرح فكرتهم بأسلوب بسيط واجتماعات وندوات تؤدي إلى «تسريب» الفكرة، واختراقها للأشخاص والهيئات واكتساب إيمانها الطوعي.

وكان على رأس المجموعة القليلة التي أسسها الزوجان سيدني ويب وزوجته بياتريس، وهما علمان في الفكر الاشتراكي الاجتماعي والإنساني، الكاتب المسرحي جورج برنارد شو. وهم الذين أعطوا الجمعية هذا الاسم الذي أخذوه من اسم الجنرال الروماني «فابيوس»، وهو الذي تصدي لهانيبال الذي أوقع الهزائم المنكرة بالجيش الروماني في معركتين فاصلتين، فلجأ الرومان إلى فابيوس الذي وضع خطة يتفادى فيها اللقاء المباشر، ويناور ويحاور حتى يستنزف قوى عدوه وعندئذ يضرب ضربته.

ساعد الفابيون في وضع حجر الأساس لتشكيل حزب العمال البريطاني أوائل القرن العشرين الميلادي. نادى الفابيون بإصلاحات في قانون الفقر عام 1912م. أسَّستْ بياتريس وسيدني ويب قسم البحث الفابي، وقامت الجمعية بإجراء بحوث عن مشاكل اجتماعية ونقابات للعمال وتعاونيات. وفي عام 1915م، تحّول القسم إلى قسم البحوث لحزب العمال. ومن ثم، توقَّف الفابيون عن العمل. وفي سنة 1920 انضمت «الجمعية الفابية» إلى حزب العمال الذي كانت الحركة النقابية قد أسسته، وأصبحت بمثابة الهيئة الأيديولوجية له، كما رزق العمال كاتبًا ومؤرخًا مرموقاً هو «ج. د. كول».

أسس قادةُ العمال مكتب البحوث الفابي أوائل ثلاثينيات القرن العشرين الميلادي. ونشر المكتب مطبوعات عن مسائل اجتماعية وسياسية. تأسس مجتمع فابي جديد عام 1938م، ونما بسرعة في بريطانيا ودول كومنولث الأمم، وانضم إليه كثير من رؤساء اتحادات العمال واتحادات التجار وأعضاء البرلمان من حزب العمال.

وظلت الحركة الفابية تعمل بوسائلها حتى شاعت الفكرة وآمن بها عدد كبير من الجمهور البريطاني، كما آمنت بها الحركة النقابية. وفي سنة 1945، حانت ساعة انتصارها عندما اكتسح العمال الانتخابات السياسية وهزموا تشرشل، الذي كان معبود الشعب البريطاني والذي قاده إلى الانتصار في الحرب العالمية. ولكن الشعب البريطاني كان من نضوج الفكرة وقوة الشخصية بحيث قال إن تشرشل هو بطل الحرب، وقد كسبها، ونحن الآن نواجه السلام.. وأبطال السلام هم أبطال العمال.

وبدأ العمال المتأثرون بفكر الفابية السلطة، وأعلنوا للمرة الأولى «دولة الرعاية» ووضع الميزانية على أسس جديدة «طبقاً للأيدي العاملة وليس طبقاً للنقود»، أن تكون «ميزانية إنسانية»، وأصدر السير وليم بيفردج كتابه «العمالة الكاملة في مجتمع حر» الذي وضع فيه أساساً اشتراكياً لاقتصاد تنتفي منه سوءات الرأسمالية من أزمة وبطالة.

ووضع نظام للتأمين الاجتماعي يغطي جميع المجالات من مرض أو شيخوخة، كما قدمت الدولة «اللبن» لكل الأسر، بحيث كانت كل أسرة تجد زجاجات اللبن الكافية أمام بابها.

كان حكم العمال سنة 1945 ثورة سلمية في التنظيم السياسي أثبت إمكان قيام دولة للرعاية، وليس للقهر والاستغلال، وتحقق هذا كله بوسائل سلمية من دعاية وفكر إلى انتخابات حرة.

فلسفة الفابية

أقام الفابيون نظرياتهم السياسية والاقتصادية ـ التي تضمنت تأميم الأراضي ورأس المال ـ على كتابات جون ستيوارت مل أكثر من كتابات كارل ماركس. وتبنى الفابيون الأوائل برنامجاً للاشتراكية الاجتماعية وتحكم الدولة فى ظروف العمل متجنبين بذلك الماركسية الثورية والنزعة اليوتوبية عند أوين Owen، على أن تتحقق الاشتراكية من خلال حزب العمال الذى تسانده النقابات العمالية. ويمارس التأثير السياسى بشكل غير مباشر من خلال توضيح الحقائق فى المنشورات والصحافة ذات العلاقة بالسياسة. وبذلك فقد كان أكثر من نصف أعضاء البرلمان عن حزب العمال عام 1945 من الفابيين.

وبالرغم من أن الكتابات الفابية كانت مهتمة على الدوام بالنماذج المثالية للاشتراكية كالمساواة والحرية والمواطنة، إلا أن هذه الكتابات تراوحت من مذهب المساواة عند ريتشارد تاونى Richard H. Tawny فى العشرينيات، إلى نزعة المراجعة عند أنتونى كروسلاند Anthony Crosland في الخمسينيات. وفى بعض الأحيان كان يوجه النقد إلى الفابية خاصة عندما يجرى ربطها خطأ بالإدارة الاجتماعية - على أنها مذهب يفتقر إلى الأساس النظرى، وذو طابع قومى، يفضل التغيير التدريجى،. ويميل إلى البيروقراطية والتعالى النخبوى، وأنه موجه بالأساس إلى رجال السياسة والموظفين البريطاننين، أكتثر من اهتمامه بإثارة القضايا العامة، أو المنزول بالممارسات السياسية إلى الحياة اليومية والتعامل مع عامة الناس. ومع ذلك فإن هذا النقد يقلل من التأثير التاريخي والقوة المطردة للتراث الإمبريقي اليساري للجمعية الفابية.

انظر أيضاً