الجعاشن
الجعاشن من المناطق اليمنية الجميلة كساها الله بالخضرت طوال العام وهى تقع في مديرية ذي السفال - محافظة إب. تمتاز الجعاشن بسحرها الطبيعي وجبالها الشاهقة فهى "الجمال البكر" ومتحف اليمن الطبيعي
بدهشة وانبهار يسمع خرير لمياه في شلالاتها وحفيف الأشجار الباسقة حين تتداعب حوافها كلما هبت نسمات الرياح في مفتتح يوم، ريفي يستأنف بواكيره شدو العصافير.. وتنداح نسمات عليلة محملة بأريج الأزهار العطرية لتغسل القلوب فتدب الحركة ويتبدد الصمت بأصوات الرجال والنساء وهم ينهضون بهمة ونشاط لاستقبال يومهم. وقبل أن تسمح الجبال متدرجة العلو لقرص الشمس بامتطاء حافتها.. تستهل الفراشات رقصاتها الفريدة فرادة ألوانها الزاهية وتظهر المنازل المصبوغة بالجير الأبيض متناثرة كحبات اللؤلؤ على قمم الجبال وسفوح الأودية وأطراف المدرجات على بساط سندسيا أخضر.. وتطل الشمس بإشراقتها الأولى لتبدو كسبيكة ذهبية على صدر حسناء أماطت اللثام للتو.. أنها "الجعاشن" بلاد الخضرت والجمال ومن المحميات الطبيعية الأولى في اليمن تغنى بها العديد من الشعراء
في الجزء الجنوبي الغربي من محافظة اب وسط اليمن تقع منطقة الجعاشن على بعد 60 كم جنوب غرب مدينة اب بين خطي طول 44.5 درجة و 43.50 درجة وخطي عرض 14.21 درجة و 14.35 درجة. تبعد عن العاصمة اليمنية صنعاء بـ250 كم جنوب وتقع الجعاشن ضمن الامتداد الطبيعي لسلسلة الجبال الغربية تتبع محافظة اب وتبلغ مساحته الإجمالية 360 كم2 يقطنها حوالي 80 ألف و 183 نسمة (حسب تعداد عام 2004م) يتوزعون في سبع عزل كبيرة.. لا تزال تحتفظ بتسمياتها الحميرية، عزلة بني عبد الله، عزلة ريدة وريد، عزلة ذى الحود ومعاين، عزلة الحبلة، عزلة العنسيين ورعاش والصفه تضم هذه العزل عده قرى ترتبط الجعاشن بما حولها من المناطق والمدن بعدد من الطرق المعبدة والتي تسهل عملية الوصول إليها. ويتمكن الزائر من الوصول إلى الجعاشن من مدينة القاعدة عن طريق خط الجعاشن الذي يجري سفلتته أو من مدينة العدين. وتتكون الجعاشن من سلسلة جبلية يقل ارتفاعها كلما اتجهنا جنوبا حيث تمثل امتداداً للمرتفعات الغربية المتجهة نحو المناطق السهلية الساحلية والتي يتراوح ارتفاعها بين 920- 2800 متر عن مستوى سطح البحر. وتغطي التضاريس الجبلية نسبة عالية من التربة الزراعية الخصبة التي ساعدت في تكوين المدرجات الزراعية والمراعي والغابات.. وبها الكثير من الوديان الداخلية "السوايل".. التي تعد مصبات، لمياه الأمطار من المنحدرات المرتفعة التي تشكل روافد أساسية لبعض الاودية اليمنية.
ومن أشهر جبال الجعاشن ارتفاعاً جبل القاهر عزلة ريدة وريد، وجبل الحصن وجبل دهر في عزلة بنى عبد الله، وهناك العديد من الجبال والمرتفعات الأخرى التي تنتشر في جميع عزل المنطقة. وأكسب الجعاشن انتمائها إلى الهضاب الجبلية تنوع مناخي وبيئي متميز يساعد على سقوط الأمطار والذي يرجع إلى تأثير الرياح الموسمية التي تتعرض لها الجعاشن من تيارات هوائية حاملة للسحب الماطرة الموسمية.. وهو ما جعل الجعاشن من المناطق عالية الأمطار والتي تشهد سقوط أغلب الأمطار فترات الربيع والصيف والخريف بمعدل يتراوح بين 750-800 ملم في السنة لذلك تكونت الغيول في أعماق الوديان وهو ما ساعد في نمو شجري وغطاء نباتي كثيف وأن التنوع المناخي البارد نسبيا في الشتاء المعتدل في الربيع والصيف إلى الاستوائي أدى إلى كثرة وتنوع المحاصيل الزراعية والبيئية الملائمة لحياة كثير من الحيوانات.. حيث تتكون السحب الدخانية الكثيفة أثناء فترات الشتاء "الضباب" خلال المساء وحتى الصباح الباكر وقد تصاحبها زخات من المطر الخفيف في فترات متقطعة حيث تبلغ مساحة الغطاء النباتي بنسبة 80-90% من إجمالي مساحة المنطقة.. وتتمثل المدرجات الزراعية الجبلية بنسبة تتراوح بين 50%- 60% منها والباقي تغطية الأحراش والغابات والمراعي الطبيعية والتي تمثل حوالي 30% من المساحة.. وهو ما أكسبها ميزات أهلها لتكون من أفضل المحميات في المنطقة. ولمنطقة الجعاشن مقومات سياحية واستثمارية متعددة وواعدة. وتمتاز الجعاشن بتنوع مناخها الطبيعي وتنوع محاصيلها الزراعية وكثافة غطائها النباتي جعلها متحف طبيعي لما تحتويه من تنوع بيئي نادر قلما يوجد في منطقة أخرى..
وتحتوى على العديد من الأدوية الزراعية الهامة منها وادي موثب وسائلة الكبير بني عبد الله وسائلة حمره وسائلة الكبير تمر بعدد من العزل ووادي الزبور في عزلة ريده وريد.. إضافة إلى عدد من الأدوية الزراعية والغيول الصغيرة والتي أسهمت في تكون غطاء واسع من المراعي والأحراش والغابات الخضراء التي تحتضن أنواعا مختلفة من النباتات وتضم مجموعات كبيرة من الإعشاب والنباتات الطبية والأشجار المعمرة وهو ما أوجد توازنا بيئيا وبيولوجيا إذ تكشف الدراسات البيئية عن نباتات نادرة تحتضنها الجعاشن حيث شملت الدراسات أكثر من 267 نوعا من النباتات في أربع مناطق فقط من ذلك نبات الرمان البري النادر الذي يمكن استخدامه كلقاح للأمراض التي تتعرض لها ثمار الرمان وهو ينفرد عن النبات الموجود بسقطري اليمنية في البحر العربي من حيث الساق والأوراق إذ تؤكد الدراسات أن اليمن الموطن الأصلي لثمرة الرمان ولم يتم حتى الآن إجراء مسح شامل للغطاء النباتي في المنطقة إذ يقدر عدد أنواع الأعشاب والازاهير العطرية الموجودة ما يزيد عن 400 نوع وهناك أنواع كثيرة من الأشجار منها ما هو معمر كالطنب والتالوق والممطلح والعتم والسدر والقرض والخنس والورف والمسار والذرح والعسق والحمر " التمر الهندي) والفلفل والسيسبان والعلب وغيرها الكثير من الأعشاب الطبيعة الصعار" السعتر " والعثرب، والغمامة وحمة الحنش والحرمل والمرار والصبار والقرض والقطب والعرصم والنعناع والخروع والكركدية والحلف والفقر والشمار وغيرها. ومن النباتات العطرية الورد بأنواعها والزهور والريحان والشذاب والحزام والنرجس والياسمين والكاذي.
وتعتبر الجعاشن مناخا رئيسيا لحاصلات الحبوب المختلفة إذ تزرع في المنطقة حوالي 12 نوعا من حبوب الذرة الرفيعة والتي تصدر إلى كثير من مناطق اليمن.. وتجود المنطقة كذلك بإنتاج محاصيل الذرة الشامية البيضاء والصفراء والدخن والقمح والشعير والبقوليات والسمن بالإضافة إلى إنتاج أنواع الخضار والفواكه مثل البرتقال والليمون والفرسك والبرقوق والجوافة والبلس والتين والعنبروت والبن بأنواعها والذي يعد من المحاصيل الرئيسية.. إلى جانب المشمش والموز والرمان لكن هذه المحاصيل أو بعضها لا تسد احتياجات سكان المنطقة حيث يقوم السكان بتربية الدواجن والحيوانات وتربية النحل وإنتاج العسل.. وتقام في المديرية أسواق متعددة في مناطق مختلفة خلال أيام الأسبوع كسوق الثلاثاء وسوق الأحد وسوق الربوع وسوق الجمعة حيث يتم خلالها عملية التبادل التجاري وتسويق المنتجات والسلع الحيوانات وهناك أسواق متخصصة في أصناف معينة كسوق.. الحيوانات أو سوق الحبوب أو غير ذلك. والحيوانات في الجعاشن كثيرة ومتنوعة ما بين حيوانات مألوفة وغير ذلك ومن الحيوانات المألوفة ما يمتهن السكان تربيتها كالأبقار والجمال والبغال والحمير والأغنام والماعز وهناك حيوانات أخرى نادرة تتواجد في الجعاشن وهي ما تضفي عنصر التميز على الجعاشن وهي من الحيوانات المهددة بالانقراض كالأسود والنمور والضباع والذئاب والثاعال والقرود والسناجب والموشق والارأنب غير الأليف.. بالإضافة إلى وجود عشرات الأنواع النادرة من الزواحف وأنواع أخرى من الطيور كالنسور والصقور والعقب والباز والبوم والطليق والهدهد والغراب والحمام والعصافير بألوانها وأحجامها الجميلة والجذابة والبلابل والعديد من الطيور البرية الأليفة والداجنة والجارحة وكذلك أنواع مختلف من الحشرات كل ذلك التنوع الحيوي الفريد الذي تكتسبه الجعاشن أهلها لان تكون من المحميات طبيعية في اليمن. بهدف الحفاظ على الموارد الطبيعية التي بدأت تتعرض للاستنزاف وتشجيع المواطنين وحثهم على الحفاظ على البيئة الطبيعية وأحدث تنمية اقتصادية وتشجيع السياحة البيئة دون الإضرار بالتنوع الحيوي الفريد وتعد دعامة من دعائم الاقتصاد الرديف بشكل خاص والوطني بشكل عام وتمتلك المنطقة غطاء نباتي يختلف من موقع لآخر حيث بلغ عدد الطروز النباتية.
حوالي 17 طرز ودلت على انتهاء هذه الأنواع إلى 60 عائلة بموجب تحليل جمع النباتات ومن أهم الأنواع (11) نوعاً نادر مهددة بالانقراض حيث أن المناطق المراد حمايتها ليست منطقة واحدة بل انها كثيرة وقد تصل إلى أكثر من 8 نطاقات بيئية وهي التي تزخر بتنوعها الحيوي وقد تختلف بعضها عن بعض بحسب المناخ والتنوع كما أنها قد تتشابه في بعضها الا أنها تنفصل عن بعضها البعض بمسافات ليس قصيرة.. ومن أشهر المناطق التي تتصف بسمات التنوع الحيوي وادي الدخال وسيل الجعاشن وشلال جبل العنسيين.
والتعرف على هذه المنطقة التي تعد آية من الجمال الأصيل بمدرجاتها الزراعية ومناظرها الخلابة وسحبها الدخانية وهي تغلف الجبال في منظر طبيعي ليس له مثيل. ويتصف أبناء الجعاشن بحسن الأخلاق والكرم وحسن التعامل مع الضيف ويملكون قدر من الثقافة والعلم.. ويمتهنون كذلك العديد من الحرف كالزراعة والرعي وتربية النحل والتجارة والإنتاج الحيواني والذي يعد حرفة أساسية ومصدر الدخل الرئيس ونمط الحياة المميزة لقطاع كبير من سكان الجعاشن. وبقدر تلك المقومات لا تزال الجعاشن تفتقر لأدنى المقومات السياحية البيئية مثل النزل السياحية والفنادق والاستراحات ووسائل النقل وبيوت الضيافة فضلاً عن الترويج السياحي والطرق الفرعية ومشاريع البني التحتية..إلى جانب ترميم الحصون والقلاع الآيلة للسقوط. وها هي الجعاشن تحاول الخروج من شرنقة الجعاشن لتعرف بمفاتنها الجميلة والنادرة علها تتمكن من خطف الأنظار والولوج بقوة إلى دائرة الضوء.