التنظيمات السياسية في العصور البرونزية في جنوبي بلاد الشام
في هذه المرحلة من الزمان لمتعرف بلاد الشام في هذا الوقت الكتابة وكان اعتمدنا على المصادر الكتابية الأخرى التي سبقتنا إليها مناطق مجاورة مثل بلاد الرافدين ومصر. ومن أهم هذه المصادر الذي نعتمد عليها
- المصادر المصرية
ترجع غالبية المصادر المصرية إلى الألف الثاني قبل الميلاد، وتغطي الفترة الزمنية الممتدة بين (1575 – 1194 ق. م).
وتصنف هذه المصادر إلى
- الحوليات والحملات العسكرية التي قادها ملوك الدولة المصرية الحديثة ,وسجلت إخبارها على الواجهات المعابد مصر القديمة، وعلى المسلات والنصب التي وصفها ملوك مصر داخل وخارج مصر تخليدا لانتصاراتهم
- القوائم الطبوغرافية والاراشيف تل العمارنة وكتابات على ورق البردي (رحابنة 1993 : 60).
- المصادر والكتابات المحلية ويقصد بها تلك الكتابات التي عثر عليها في مواقع متعددة في جنوبي بلاد الشام، سواء أكانت موجودة على المسلات أو على الألواح الطينية وجاءت معظم هذه الكتابات مكتوبة باللغة الهيروغليفية المصرية، ومعظمها وصف لملوك مصر تخليدا لانتصاراتهم التي حققوها على المدن الكنعانية ومنها رسائل تل تعنك، ومسلة سيتي الأول الكبير في بيسان، ومسلة سيتي الأول الصغير في بيسان، ومسلة رمسيس الثاني في بيسان ,ومسلة رمسيس الثاني في طره، ومسلة البالوعة، ورقم دير علا طينية (رحابنة 2003 : 98 – 102).
العصر البرونزي المبكر
يمتاز العصر البرونزي المبكر بوجود تغيرات شاملة على النواحي الاقتصادية والاجتماعية والمعمارية (أبو حاكمة 2005 : 115)، وازدهرت المدن الكنعانية ازدهارا كبيرا وانتشرت المدن في جميع الارجاء وأزداد عدد سكانها، ولكنها ضعفت في 2100 قبل الميلاد، بسبب الغزو القبائل البدوية من الداخل والخارج وهذا الهجوم رافقه انهيار المملكة الفرعونية (الحديدي 1996 : 36). و في منتصف المرحلة الأولى من العصر البرونزي المبكر، كانوا الناس يسكنون مدن غير مسورة وهي اقرب إلى المعسكرات، وأقام أهلها القليل من المنشات المعمارية الحجرية المبنية من الطوب. أي أنهم سكنوا القرى قبل أن يحولوها إلى مدن كبيرة محصنة (ياسين 1991 : 18)، ولكن هناك بعض المدن في هذه المرحلة في (3200 ق. م)، كانت المدن المسورة بالأسوار الدفاعية المبنية من الطوب فوق أساسات حجرية مثل تل السلطان /أريحا، تل المتسلم (مجدو) وغيرها، وان أسلوب البناء متأثر ببلاد الرافدين والمدن ازدهرت وانتشرت على مفترق الطرق القريبة من الأراضي الزراعية، وتشير النصوص المصرية والرافدية بان الكنعانيين هم أقدم الشعوب التي سكنت البلاد (الحديدي 1996 : 34). و في المرحلة الثانية والثالثة من العصر البرونزي المبكر ابرز ما يميزه هو انتشار المدن (أبو طالب 1978 : 57)، المسكونة من الشمال إلى الجنوب، وان نظام الحكم التي ساد فيها هو نظام مملكة المدينة, أي وجود عدة دويلات تتألف الواحدة منها من مدينة مسورة، يحيط به عدد من القرى التابعة لها (خريسات 2000 : 41)، وأصبح لكل مدينة إطار سياسي مستقل نسبيا، وتنوع في هذا العصر الصناعات الأساسية مثل صناعة الفخار، وتطورت العلاقات التجارية مع مدن مركز الشرق القديم، (شاهين 1985 : 89) وفي هذا العصر أصبح وجود علاقات سياسية قوية بين مصر وبلاد الشام، وكانت في هذا الإثناء مصر دولة قوية، لذلك أصبحت بلاد الشام تابعة لها بسبب وقوعها على الطريق الذي يربط مصر مع بقية الدول المتمدنة (ياسين 1991 : 13) وفي المرحلة الرابعة من العصر البرونزي المبكر تحطمت التنظيمات السياسية الذي كانت سائدة، وانتهى مع تدمير المدن الكنعانية، وانتقلوا إلى حرف الرعي والقرى إلا ان هناك القليل من المدن استمرت، وهذا انعكس سلبا على طبقات الحاكمة في مجتمعات المدينة (كفافي 2006 : 374).
العصر البرونزي المتوسط
عادت دويلات المدن مع ظهور العصر البرونزي المتوسط، وتزودنا المصادر الفرعونية بهذا ومن لأمثله على ذلك قصة سنوهى تزودنا عن تنظيمات السياسية التي سادت بلاد كنعان، خلال العصر البرونزي المتوسط، وأيضا تزودنا نصوص العنة المصرية على العلاقات العدائية التي سادت بين مصر والمدن الكنعانية، وفي المرحلتين الثانية والثالثة قسمت بلاد كنعان إلى أقاليم يحكم كل منها ملك ,و على مايبدو في منتصف العصر البرونزي المتوسط قسمت المدن الكنعانية إلى ثلاث وحدات سياسية وهي المدن والأرياف والبوادي. لغياب الشواهد الكتابية في هذه المرحلة فلا بد من الاعتماد على لقي الأثرية، فمثلا التحصينات الكبرى في جاوة تشير إلى وجود سياسية تقوم بتنظيم أمور المدينة، ومن الشواهد الأثرية الأخرى العثور على أدوات معدنية، في العديد من المواقع ومنها الأسلحة والخناجر والرماح ومن الأماكن التي عثر عليها مثلا في أريحا، وفي هذا العصر دخل الهكسوس إلى مصر وحكموا منطقة دلتا على ما يقارب مائتي عام، ولان ليست أصولهم مصرية، كرههم المصريين وحاربوهم وطردوهم من مصر على يد الفرعون احمس الأول في حوالي(1550 ق. م) وهذا انعكس بطبيعة الحال على دويلات المدن في جنوبي بلاد الشام، ومع قدوم الأسرة الثامنة عشر في مصر بدأت بلاد الشام عهد جديد حيث أصبحت المدن التابعة لها (كفافي 2006 : 376 – 377).
العصر البرونزي المتأخر
هذا العصر اشتهر بكثرة المصادر الكتابية وخاصة المصرية التي زودتنا بعدد كبير من الدويلات المدن الكنعانية وأمراءها، وكذلك من خلال أرشيف تل العمارنة، ويضاف إلى ذلك الشواهد الأثرية التي تؤكد ما ورد في المصادر المصرية. بقي في هذا العصر نظام دويلات المدن، والذي تغير في هذا العصر ان المنطقة أصبحت مقاطعة مصرية، بسبب السيطرة المصرية عليها، وزودت مصر جنوبي بلاد الشام بالحاميات العسكرية التي أقيمت داخل العديد من الحصون بهدف مواجهة أي تمرد أو ثورة تنشا ضد السلطة المصرية، وتزودنا المصادر المصرية بالعديد من دويلات المدن المنتشرة على امتداد الطرق والممرات الرئيسة وعلى طريق الشريط الساحلي السوري – الفلسطيني، ومن هذه المصادر حوليات تحتمس الثالث، والقوائم الطبوغرافيا واراشيف تل العمارنة. ويرى بعض الباحثين ان عدد دويلات المدن تراوحت من 15 – 17 مدينة، كما ان مساحة كل دولة وما يتبعها من قرى صغيرة تبلغ حوالي الف كيلو متر، وبلغت المسافة بين كل مدينتين حوالي 35 كيلو متر. و نستدل من خلال قوائم تحتمس الثالث ورسائل تل العمارنة على ان المصريين قد قسموا بلاد الشام إلى ثلاث مقاطعات إدارية رئيسة حتى يتمكنوا من السيطرة عليها ومراقبة كل ما يجري بداخلها، كما كان لكل مقاطعة عاصمة يتواجد فيها حاكم مصري، وكانت عاصمة مصر في جنوبي بلاد الشام هي غزة، ووضعت في كل منطقة حامية تابعة لها وتدار كا حامية من ضابط مصري مهمته الاشرلف على تنفيذ أوامر الحاكم المصري وحماية المصالح المصرية من الإخطار الخارجية والداخلية، إلى جانب قمع أي محاولة تمرد ضد السلطة المصرية، وإرسال الجزية المترتبة على المدن الكنعانية إلى مصر بالإضافة إلى حماية القوافل التجارية المصرية التي تمر عبر كنعان إلى سوريا وبلاد الرافدين. أما بالنسبة للمدن الكنعانية فقد كان الأمير الذي أعطي لقب ملك في بعض رسائل تل العمارنة يشكل اعلي سلطة سياسية فيها، وغالبا ما يكون من كبار طبقة التجار، وان ملوك كنعان كانوا تابعين للحاكم المصري وظيفتهم إرسال الجزية والهدايا إلى الحاكم المصري والتي تشكل إحدى أهم روافد الخزنة المصرية وتذكر رسائل تل العمارنة ان هذه الجزية كانت تتكون من مواد متنوعة كالذهب والفضة والنحاس إلى أخره، ويلي الأمير من حيث الأهمية في المدن الكنعانية طبقة نبلاء ويشكلون طبقة الارستقراطية في المجتمع الذي يتشابه مع مختلف المدن في جنوبي بلاد الشام، وأما الطبقة الأخيرة فقد كانت من عامة الشعب والذي يتكون في الغالب من المزارعين (رحابنة 2003 : 111 – 116).
المصادر والمراجع
- أبو حاكمة، هشام 2005 ؛ تاريخ فلسطين قبل الميلاد. عمان : دار الشرق الأوسط للطباعة.
- الحديدي، عدنان 1996 ؛ الأردن وفلسطين تاريخ وحضارة. بيروت : مؤسسة الرسالة للطباعة والنشر والتوزيع.
- خريسات، ورفاقه 2000 ؛ محاضرات في تاريخ الأردن وحضارته. اربد – الأردن : مؤسسة حمادة.
- رحابنة، علي محمود 2003 ؛ العلاقات السياسية والتجارية المتبادلة بين مصر وجنوبي بلاد الشام خلال العصر البرونزي المتأخر (1550 – 1200 ق. م). رسالة ماجستير غير منشورة مقدمة لمعهد الآثار ووالانثروبولوجيا في جامعة اليرموك. اربد – الأردن.
- شاهين : محمود، فلسطين ارض وحضارة، ملخص لوقائع الندوة العالمية الأولى للآثار الفلسطينية المنعقدة بأشراف جامعة حلب، طرابلس – ليبيا، 1985، نشرت بالمنشاة العامة للتوزيع والإعلان، طرابلس – الأردن، 1985.
- كفافي، زيدان 2006، تاريخ الأردن وآثاره في العصور القديمة (العصور البرونزية والحديدية). عمان : الدار النشر والتوزيع.
- ياسين، خير نمر 1991، جنوبي بلاد الشام تاريخه وأثاره في العصور البرونزية. عمان : لجنة تاريخ الأردن.