التحديث الانعكاسي
التحديث الانعكاسي أو تأمل التحديث (بالإنجليزية: Reflexive modernization) مصطلح صكه عالم الاجتماع الألمانى أولرش بيك ليشير به إلى كيفية تحول الحدانة المتقدمة إلى أن "تتأمل ذاتها"، بمعنى أن : "موضوعات تطوير التكنولوجيا واستخدامها (فى أمور الطبيعة والمجتمع والشخصية) أصبحت تتضاءل إلى جاتب قضايا التعامل السياسى والاقتصادى مع المخاطر الفعلية أو المحتملة للتكنولوجيات المستخدمة، بمعنى العمل على اكلشافها، أو التحكم فيها، أو الإقرار بوجودها، أو تجنبها أو إخفائها، كتلك المخاطر التى حدد بعضا منها على وجه التحديد (وذلك فى كتابه المعنون : مجتمع المخاطر : نحو حداثة جديدة، الصادرعام 1992.
ويرى ترتيب بيك لمراحل التغير الاجتماعى أن الحداثة البسيطة مرادفة لنمو المجتمع الصناعى، والحداثة الانعكاسية الجديدة مرادفة لظهور ما أسماه مجتمع المخاطر. ويقصد به المجتمع الذى عمل فيه نمو المعرفة على خلق حالة من عدم اليقين المستند إلى أساس (مثل مخاطر الكارثة البيئية) بحيث تزايد الاعتماد على الخبرة العلمية للتخفيف من الآثار التى نجمت عن التطبيقات السابقة للعلوم. وعلى حين كان المجتمع الصناعى مهتما فى الأساس بانتاج السلع وتوزيعها، نجد أن مجتمع المخاطر يتمحور حول إدارة الشرور والأضرار أو الأخطار وتوزيعها. ولا يقتصر الأمر على الأضرار المرتبطة بالممخاطر المادية (الطبيعية) الناجمة عن تطبيق العمليات التكنولوجية، وإنما يشمل كذلك الآثار المترتبة على الأنشطة المتنظيمية و العلاقات الاجتماعية المفعمة بالمخاطر . فالحداثة الانعكاسية هى مزيج من الاستمرار والانقطاع الذى يتضح فى النقد العلمى الذى تمارسه حركات الخضر، ومن شأنها أن تعمل على تفكك وتداعى "اشكال العقل الجمعى" (كثقافة الطبقة و الأدوار الأسرية) "التى تعتمد عليها وتستهدى بها النظم والمؤسسات الاجتماعية والسياسية فى المجتمع الصناعى".
ويزيد بيك رؤيته تلك تحديدا فيقول إن الخمسينيات قد شهدت بداية تفكك الوحدة غي المستقرة للخبرات الحياتية المشتركة التى خلقها تظام السوق وصاغها نظام المكانة، والتى لخصهاماكس فيبر فى مفهوم الطبقة الاجتماعية . وبدأت مكوناتها المختلفة تتفكك تدريجيا، ومن تلك المكونات : الظروف المادية التى تعتمد على الفرص المحددة التى يتيحها السوق، وفاعلية التراث وأساليب الحياة الراجعة إلى مجتمع ماقبل الرأسمالية، والوعى بالروابط الاجتماعية ومعوقات الحراك، وكذلك شبكات العلاقات. "ويعنى إضفاء الطابع الفردى على صور اللامساواة الاجتماعية أن تتحول السيرة الطبقية - فى ظل مجتمع الرفاهية -التى كانت موروثة على نحو ما، إلى سيرة انعكاسية تعتمد على قرارات الفاعل" . لذلك يتعين على كل منا أن يزيد اهتمامه بمخاطر الاختيار بين ذلك الكم الكبير من الهويات، و أساليب الحياة، والآراء، والجماعات أو الثقافات الفرعية المتباينة. وهنا تذوى علافات الانتماء للطبقات الاجتماعية، ويبدو الناس وقد انفصلوا عن شبكات الدعم الاجتماعى التقليدية التى تكفلها الأسرة أو الجيرة، وهنا أيضا يفقد العمل أهميته كمحور للهوية وأساس للصراع. بعد ذلك تبدأ الفروق الموروثة -كالفروق الاتنية، أو الفروق فى النوع، والعمر، والقومية — تبداً تشكل أساس أساليب الحياة والتصورات الذاتية الجديدة التى تحل محل صور الانتماء الطبقى السابقة , ويمكن وصف هذا الوضع بالمصطلح الماركسى بأنه رأسمالية بلا طبقات، ولكنه يتسم بأشكال جديدة ومتجددة باستمرار من التفاوت و اللامساواة .
ويحظى تحليل بيك هذا الشهير للتحديث الانعكاسى لدى بعض الدوائر بقدر عال من الاحترام و التقدير، بوصفه فى الأساس نقدا لما بعد الحداثة. وقد ذهب بيك إلى أن الآتار السيئة اللا وظيفية لتبرير الحياة الاجتماعية يمكن فهمها والتحكم فيها على أفضل نحو عن طريق "التطرف فى الرشد"، لا نفى الرشد , وذهب آخرون إلى أن هذا المفهوم، شأنه شأن مفهوم الصياغة البنائية الذى طوره أنتونى جيدنز، (ولنتذكر أن جيدنزقد تعاون مع بيك فى تطوير بعض أفكاره كتلك الخاصة بالثقة والهوية. انظر على سبيل المثال أولريش بيك، وأنتونى جيدنز وسكوت لاش، التحديث الانعكاسى، الصادر عام 1994، ذهبوا إلى أن هذا المفهوم قد طرح بمستوى عال من التجريد، يفتقر إلى الأساس الإمبيريقى، كما أنه غير قابل للاختبار أساسا.