الاقتصاد الكلاسيكي الجديد
الاقتصاد الكلاسيكي الحديث (بالإنجليزية: Neo-Classical Economics) هو مصطلح تم استخدامه بطرق مختلفة في مناهج الاقتصاديات التي تركز على تحديد الأسعار والمخرجات وتوزيع الدخل في الأسواق من خلال العرض والطلب، وغالبًا ما يتم إدخاله من خلال تحقيق الحد الأقصى الافتراضي للمنفعة التي يحصل عليها الأفراد محدودي الدخل وللأرباح التي تحصل عليها الشركات أصحاب التكلفة المحدودة، باستخدام المعلومات المتوفرة وعناصر الإنتاج طبقًا لنظرية الاختيار العقلاني. ويسيطر الاقتصاد الكلاسيكي الحديث على الاقتصاد الجزئي وبالإضافة إلى اقتصاد كينزي يشكّل التركيبة الكلاسيكية الحديثة والتي تسيطر على الاقتصاديات السائدة اليوم. وبالرغم أن الاقتصاد الكلاسيكي الحديث قد حظي بقبول واسع من قبل الاقتصاديين المعاصرين، إلا أنه تعرض للعديد من الانتقادات وغالبًا ما تُدمج في الإصدارات الأحدث للنظرية الكلاسيكية الحديثة بسبب الوعي بالتغييرات الطارئة على المعايير الاقتصادية.
يتعلق علم الاقتصاد -كنسق أكاديمى- بصفة أساسية بدراسة عملية تخصيص الموارد النادرة للاستخدامات البديلة من خلال الأسعار السائدة فى السوق. وتعد النظرية الكلاسيكية الجديدة النموذج المهيمن فى علم الاقتصاد الحديث، وهى النظرية التى تطورت من خلال مايسمى بالثورة الهامشية التى كان من بين روادها فى أواخر القرن التاسع عشر ليون والراس، ووليم ستانلى جيفونز، وألفرد مارشال. وتفترض هذه النظرية أن الأسعار تتحدد من خلال المنفعة الحدية (للمستهلك) والإنتاجية الحدية (لعناصر الانتاج). وتنهض النظريات الكلاسيكية الجديدة على نماذج سلوكية بسيطة على مستوى الوحدات الصغيرة
(الأسرة المعيشية، والشركة) تفترض التدفق التام للمعلومات، وحرية الحركة، والاختيار الضرورى، والرشد و المثالية فى اتخاذ القرار. ويمثل المشروع الخاص، وسيادة المستهلك، و التخفيضات السعرية السوقية، الشروط الأساسية لهذه النماذج. وتعد التأثيرات النظامية على سلوك الأفراد فى هذه النماذج بمثابة متغيرات خارجية وسمات مسلم بها، ولا تشكل جزءا من النموذج السلوكى الأساس. ومع ذلك، فقد تم مؤخرا تطوير اتجاهات تتبنى نظرية اللعب بغرض تفسير سلوك الأفراد فى إطار القواعد النظامية.
وثمة تطور راهن فى النظرية الاقتصادية المعاصرة فى الولايات المتحدة، هو ما يطلق عليه اسم الاقتصاد السياسى، وهو منبت الصلة بكل من التوجهات الراديكالية أو الماركسية التى كان يطلق عليها هذا الاسم بصفة عامة. وتطبق هذه الأدبيات فى الولايات المتحدة- مبادئ نظرية الاقتصاد الكلاسيكى الجديد على مجالات تقع خارج نطاق الاقتصاد، مثل السياسات العامة، وهى تركزفى ذلك على الندرة المتصورة (المريع) التى تنتج عن الضغوط السياسية التى تمارسها جماعات المصالح الافتصادية.
نظرة عامة
قدّم ثورستين فيبلين المصطلح للمرة الأولى عام 1900 في مقالته «التصورات المسبقة للعلوم الاقتصادية» 'Preconceptions of Economic Science'، لتمييز أصحاب مبدأ التحليل الحدي في تقاليد ألفرد مارشال عن تلك التي توجد لدى مدرسة النمسا.
حيث قال «فيبلين»: «لن تُجرى محاولات هنا لإصدار حكم على الادعاءات النسبية للمدرستين أو الثلاث مدارس الأساسية التي تبنت النظرية، فيما يتخطى النتائج الواضحة إلى حد ما، للغرض الذي نحن بصدده، فإن المدرسة التي يطلق عليها اسم المدرسة النمساوية تعتبر مختلفة جدًا عن المدرسة الكلاسيكية الحديثة، إلا إذا أصبحت في تصنيف مختلف من حيث الأهمية. إن الاختلاف بين الآراء الكلاسيكية الحديثة من ناحية، وبين المدارس التاريخية والماركسية من ناحية أخرى، يعتبر أكثر اتساعًا، إلى حد يتم معه في الواقع منع اعتبار مسلَّمات الأخيرة تحت نفس عنوان البحث الذي يتم وفقًا للأولى.» - فيبلين
وبعد ذلك تم استخدامه لاحقًا من قبل جون هيكس، وجورج ستيجلر، وآخرون ليتضمن أعمال كارل منجر، وويليام ستانلي جيفونز، وجون بيتس كلارك وآخرين كثيرين. وأما اليوم فعادةً ما يُستعمل للإشارة إلى الاقتصاديات السائدة بالرغم من استعماله كمصطلح شامل يضم عددًا من المدارس الفكرية، ويستثني بوضوح الاقتصاد المؤسسي ومدارس الاقتصاد التاريخية المتنوعة، والاقتصاد الماركسي، هذا بالإضافة إلى المناهج الاقتصادية غير الكلاسيكية المتنوعة.
ويتميز الاقتصاد التقليدي المحدث بالعديد من الافتراضات التي تنتمي إلى العديد من مدارس التفكير الاقتصادي. لم يتفق المتخصصون بصورة تامة على المعنى المقصود من الاقتصاد التقليدي المحدث، وكانت النتيجة وجود نطاق واسع من المناهج الكلاسيكية الحديثة في التعامل مع مجالات المشكلات المتنوعة، ونطاقات تبدأ من النظريات الكلاسيكية الحديثة للعمل إلى النظريات الكلاسيكية الحديثة للتحولات الديمغرافية. وطبقًا لما أشار إليه إليوت روي وينتروب فإن الاقتصاديات التقليدالكلاسيكية الحديثة تستند على ثلاثة افتراضيات بالرغم من أن فروع محددة في النظرية الكلاسيكية الحديثة قد تتبنى مناهج مختلفة:
- لدى الأفراد تفضيلات عقلانية بين المخرجات التي يمكن تحديدها وربطها بالقيمة.
- الأفراد يرفعون المنفعة إلى أقصى حد والشركات ترفع الأرباح إلى أقصى حد.
- يتصرف الأفراد بصورة مستقلة بناء على المعلومات الكاملة ذات الصلة.
واستنادًا إلى هذه الافتراضات الثلاثة، أسس علماء الاقتصاد التقليدي المحدث هيكلاً لفهم توزيع الموارد النادرة من بين أهداف بديلة أخرى- في الواقع، غالبًا ما يعد فهم هذا التوزيع تعريفًا للاقتصاديات لأصحاب النظرية الكلاسيكية الحديثة. وفيما يلي بيان للطريقة التي قدم بها ويليام ستانلي جيفونز «مشكلة الاقتصاديات».
«على فرض وجود مجموعة سكانية معينة لديهم احتياجات وقوى إنتاجية متنوعة، وفي حيازتها أراضٍ محددة وغيرها من موارد المواد: المطلوبة، فإن طريقة توظيف عمالتها هي التي سترفع المنفعة من إنتاجهم إلى أقصى حد ممكن:»
منشؤه
كان علم الاقتصاد الكلاسيكي، الذي طُوِّر في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، يحتوي على نظرية قيمة ونظرية توزيع. وكان يُعتقد أن قيمة منتج ما تعتمد على التكاليف التي يشملها إنتاجه، وكان شرح التكاليف في الاقتصاد الكلاسيكي هو شرح للتوزيع في الآن نفسه. يتلقى مالك الأرض الأجرة، ويتلقى العمال المرتّبات، ويتلقى المُزارع الرأسمالي المستأجر الفوائدَ على استثماره. وتضمنت هذه المقاربة الكلاسيكية أعمال آدم سميث ودافيد ريكاردو.
غير أن بعض خبراء الاقتصاد بدؤوا تدريجيًا بالتأكيد على القيمة المدرَكة لسلعة ما بالنسبة إلى المستهلك، وقدموا نظرية تنص على شرح قيمة المنتَج من خلال تبيان الاختلافات في منفعتها للمستهلك. (كان علماء الاقتصاد في إنجلترا يميلون إلى بناء فكرة عامة حول المنفعة بما يتماشى مع منهج النفعية لدى جيرمي بنثام ثم جون ستيوارت مل من بعده).
أما المرحلة الثالثة للانتقال من الاقتصاد السياسي إلى علم الاقتصاد فقد تمثلت في إدخال النظرية الحدية واقتراح أن يتخذ محركو الاقتصاد قراراتهم بناءً على الهامش الاقتصادي. على سبيل المثال، يقرر المرء شراء شطيرة ثانية من عدمه بناءً على مقدار الشبع الذي شعر به بعد إنهائه للشطيرة الأولى، وهكذا تعيّن الشركة موظفًا جديدًا بناءً على زيادة الأرباح التي تتوقع من هذا الموظف أن يجلبها. وهذا يختلف عن منهج صنع القرار الإجمالي في الاقتصاد السياسي الكلاسيكي بأنه يشرح كيف تكون السلع الحيوية مثل الماء رخيصة السعر، في حين تكون الكماليات والرفاهيات باهظة الثمن.