الأفلاطونية المحدثة والغنوصية
ثمة عناصر أخرى يذكرها المؤ رخون ويقولون إنه كان لها تأثير كبير في نشأة الأفلاطونية المحدثة، ويخصون بالذكر منها «الغنوص» ي٧٧0001 ، وكانت سائدة في القرنين الثاني والثالث خصوصاً بعد الميلاد، وبينها وبين أقوال الأفلاطونية المحدثة كثير من التشابه، وبخاصة فيما يتعلق بثلاث مساثل: المسألة الأولى مسألة «الواحد» بوصفه مفارقا كل المفارقة، ولا يمكن أن ينعت، أي الواحد، بأية صفة، وثانياً مسألة ,الصدور» وثالثاً واخيراً مسألة الهيولى أو المادة بوصفها مشتقة من الواحد. فإن أصحاب مذهب الغنوص؛ وخصوصاً النزعة التي قال بها منهم فلنتينوس؛ تقول بأن الله لا يمكن أن ينعت ولا يمكن ان يوصف، وهي بهذا اكث تجريداً لفكرة النه وعلواً به من فكرة فيلون لأن فيلون قد أضاف إلى اله صفة واحدة على الأقل وهي صفة الوجود، أما أصحاب الغنوص فينكرون هذا لاغهم ينكرون إمكان نعت اسه بأية صفة من الصفات. ثم إنهم قد تأثروا كذلك الغيثاغورين في قرهم بأن «الموناس» ي440٧ أو الواحد عال على بقبة الأشياء وبينه وبينها هوة لا يمكن عبورها، فهذا الواحد الذي لا يقبل النعت قر يب الشبه جدأ بما قاله أفلوطين في فكرة الله أو المبدع الأول أو الواحد. ثم إن هزلاء الغنوصيين يقولون كذلك بأن الأشياء «تصدر» عن الواحد في نظام تنازلي حتى نصل إلى المادة. إلا انهم لا يوضحون كبفية هذا الصدور بل يلجأون ، على طريقتهم الرمزية الأسطورية، إلى تهاويل وتصورات غير دقيقة، ولا واضحة؛ فيصورون المالة كالولادة تماماً، ويتحدثون عن ذلك بلغة الولادة. ولكنهم إذا كانوا قد قالوا بفكرة ,الصدور, فإتهم لم يكونوا واضحين في عرضهم لهذه الفكرة، وبهذا تفوق عليهم أفلوطين.
وإلى جانب هذا يلاحظ أنهم قد جعلوا المادة شيئاً مشتقاً من الواحد على أساس أنها الدرجة النهائية التي ينزل إليها الواحد، ولكنهم، هنا أيضاً يتحدثون بلغة أسطورية رمزية لا تبين كيفية الصلة بين المادة وبين الله ، وإن كانوا قد قالوا بالفكرة الرئيية الأصلية وهي أن المادة او الهيولي ليست شيناً قائما بذاته بجانب الواحد أو المبدع الأول فمهما قيل عن وجود هذا التشابه، فإنه يلاحظ أن المذهبين كانا متعاصرين، بل لا ندري على وجه التحقيق: هل عرف أفلوطين هذه المذاهب الغنوصية أم لم يعرفها. غير أننا نستطيع ان نؤكد أن المؤثرات في كلا المذهبين واحدة : ففد تأثر مذهب الغنوص بالأفكار اليونانية من فيثاغورية محدثة وافلاطونية مجددة، كما تأثر بعض المذاهب الثرقية التي غزت الإسكندرية في ذلك العهد، ونأثر كذلك بفيلرن، . وسواء أكان هذا التأثر بطريق مباشر ام غير مباشر، فإنه من المؤكد على كلحال أذالمعادر كانت واحدة بالنسبة إلىكل من الأفلاطونية المحدثة والمذاهب الغنوصية، فليس ثمة مانع إذن من أن يكون الاتفاق في المصادر هو العلة في التشابه في النتانج، خصوصا وأن العصر كان واحدا بل والبيئة كانت واحدة كذلك.
فمسألة الصلة بين الغنوص وبين الأفلاطرنية المحدثة غامضة إذن لا بمكن القطع فيها برأي نهائي، وتسلر مثلا بميل إلى إرجاع التأثرات الأفلاطونية كلها إلى المذاهب اليونانية، وخصوصاً الرواقية والفيثاغورية المحدثة والافلاطونية المجددة، ثم أفلاطون وأرسطو، وأخيراً فيلون. وعلى كل حال فإننا نستطيع أن نقول إن الأفلاطونية المحدثة كات متأثرة بكل هذه التيارات التي غزت تلك البيئة في ذلك العصر، وكانت من الأسس الأولى الرثيية التي قامت عليها النظرة الوجردية الجديدة في الحضارة السحرية العربية.