الأخلاق عند أفلاطون

لن يكون أفلاطون تلميذاً مخلصاً لاستاذه سقراط، إن لم يقم بالبحث في الأخلاق وإن لم يوجه إليها أكبر عناية. فإن سقراط قد بدأ كل أبحاثه بالأخلاق، وكانت الغاية من هذه لأبحاث جميعاً إنما هي لأخلاق . وكذلك فعل أفلاطون، فإنهم عني أشد العناية بالأبحاث الأخلاقية، حة، إننا لنستطيع أن نقول إن مذهب أفلاطون العام يسوده سذهبه الأخلاقي الخاص. وقد كانت أبحاث سقراط تبتدئ من العقائد أو الأفكار الشعبية في الأخلاق، ولم يكن لديه إلى جانب مذهبه الأخلاقي مذهب منظم في الميتافيزيقا أو في علم النف أو في الطبيعيات. ولكن الحال على العكس من هذا عند أفلاطون : فلديه مذهب في الوجود ولديه مذهب في الطبيعيات، ولديه مذهب في علم النف ٠ ومن هنا اختلفت طبيعه الأخلاق عند كل من سقراط وأفلاطون، على الرغم مما هنالك من شبه وقرابة بين كلا المذهبين . ونستطيع أن نقسم الأخلاق عند أفلاطون إلى ثلاثة أقسام رئيية : فالبحث في الأخلاق يتجه أولا إلى البحث في الخير الأسمى؛ ويتجه نانياً إلى البحث في تحقيق هذا الخير الأسمى في جزثياته، وذلك عن طريق الفضائل، وهوما يتحقق بالنسبة للأفراد، وثالثاً يتجه البحث الأخلاقي إلى تحقيق الخيرفي الدولة، أي البحث في السياسة. فلنأخذ الآن في دراسة كل قسم من هذه الأقسام.

الخير الأسمى

حينما بحث سقراط في الخير، قال عن الخيرانه السعادة، لان الخيرهوما يحقق النفع للانسان، والغاية من كل عمل أخلاقي تحقيق السعادة . ومن هنا فالغاية والباعث عند سقراط واحد. كذلك الحال بالنسبة إلى أفلاطون: السعادة والباعث شيء واحد، لم يفرق بينهما، وإلما جاءت هذه التفرقة في العصر الحديث فحسب، خصوصا ابتداء من كنت، الذي جعل السعادة منفصلة تمام الانفصال عن الدافع الأخلاقي : فإن الدافع الأخلاقي عنده هو الواجب، والواجب لا صلة له بالسعادة : فقد يتأتى عن تحقيق الواجب سعادة، وقد يتأتى عن تحقيقه شقاء. والنتيجة الأخلاقية في كلا الحالين واحدة عند كنت، لأن الأخلاق هي تحقيق الواجب، وليست تحقيق السعادة . أما الحال فليس كذلك عند سقراط وأفلاطون، وعنذ

اليونانيين بوجهعام-كما أشرنا إلى هذا عند كلامنا عن خصائص الفلسفة اليونانية في كتابنا «ربيع الفكر اليوناني». وهذه الخاصية هى التى تميز الأخلاق عند اليونانيين متها عند المحدثين، وهذا ما اوضحه جيداً بروشار.

وهذا الخير الذي هو السعادة عند أفلاطون، ينقسم بحسب الملكات النفسية التي عرضناها، مما سيظهر أكثر عند كلامنا عن الفضائل. ولنتحدث الآن عن ماهية هذا الخير الأسمى، فنقول إن لوجود الحقيقي عند أفلاطون هووجود الصور: فكل ما يتصل بهذا الوجود إذن هو وحده الوجود الحقيقى، أما ما يتعلق بالوجود المحسوس فلن يكون خيراً بالمعنى الصحيح، ولهذا يميز بين أنواع من الخبر تبعاً لهذه التفرقة. فالخير الأول هو الخير المناظر للصورة، أي المشارك في الصورة إلى أعلى درجة، والخير الثاني هوتحقيق هذه الصورة في الموجودات الخارجية عن طريق الانسجام، والخير الثالث هو تحقيق هذه الصورة عن طريق العلم الصحيح، وذلك يتم في العلم والفن بوجه عام. ويلي هذا خيررابع هو الذي يتم عن طريق التصور الصحيح . وأخيراً يأي الخير الذي في المرتبة الدنيا، وهو الخير بمعنى الذة الخالية من الألم.

تلك ماهية ألخير. فلننظر في الأخلاق الأفلاطونية من حيث طابعها العام بالنسبة إلى فكرة الخير الأعلى. وهنا نجد أفلاطون يقدم لنا صورتين متعارضتين للخير. فإنه إذا كان الوجود الحقيقي هووجود الصورة، فكل ما يتصل بوجود الصورة هو الحقيقة وهو الخير، وكل ما يتعارض وهذا الوجود هه الشر. ولما كانت النف الانسانية في اتصالها بالجسم تبتعد شيئاً فشيئاً - وبحسب درجة الاتصال - عن الصورة، فإنه كلما كان لانسان أكثر ابتعاداً عن الجسم، كان محققاً لدرجة أكبر من الخير. ومن هنا نشاهد أن الصورة العليا للأخلاق الأفلاطونية هي الصورة السلبية، إذ نرى أفلاطون أولا في وتيتاتوس، (١٧٦ ا) يقول لنا إن من الواجب على الانسان أن يتشبه قدر الامكان بالآلهة أوبالصور، بأن يكون حرا من الجسم قدر الاستطاعة، كم يأقي بعد في «فيدون» (ص ٤ ٦) فيقول لنا إن النفس سجينة في الجسم ولا بد لها ان تتحررمنه، ولهذا يقول إن حياة الفيلسوف - والفيلسوف عنده هو الحكيم، أي الذي أحرز كل الفضائل - يقول إن حياة الفيلسوف حياة موجهة نحو الموت، وان حياة الانسان - على حد تعبير سقراط -ممارسة للموت 900 ٣٦عةعلا ؛ أي أن الواجب على الانسان في هذه الحياة أن يتخلص من البدن قدر الاستطاعة، وأن يكون هذا في أقرب وقت ممكن، ولا يتم هذا إلا عن طريق الموت. أما أثناء الحياة فعلى الانسان أن يميت شهواته، وأن يعذب نفسه عن طريق المجاهدة والرياضة والزهد في الحياة. وبهذا يتم تحقيق الخير. ولهذا يقول سقراط العبارة المشهورة: «إن الموت ملهم الفلاسفة، ونقطة البدء وغاية الفلسفة» ثم يأي بعد في «السياسة»، فيذكر تلك الاسطورة الخالدة «اسطورة الكهف» في الكتاب السابع منها، ويصور لنا فيها أناسا قد وضعوا في كهف وجعلت ظهورهم لنور قوي باهر، تظهر منه خيالات على الجهة المقابلة لوجودهم، وهم لا يسنطيعون أن يدركو هذا النور مباشرة، وإنما هم يتأملون فقط الأشباح التي يلقيها على الوجهة المقابلة لهم . وهو يمثل بهذه الأسطورة النفس من حيث ان النفس في الجسم كهؤلاء الذين في الكهف ولا يستطيعون إدراك النور؛ وحينما يتخلصون من الكهف ويخرجون منه، يستطيعون أن يتأملوا هذا النور مباشرة؛ أما طالما هم في الكهف، فإنهم لا يستطيعون أن يدركوا غبر الأشباح . فتبعا لهذه الأسطورة، النفس في الجسم سجينة، والجسم يسيء إليها كل الاساءة، والخيرإذن في التخلص منه، اي في إماتة الشهوات والانصراف انصرافاً تاماً عنكل ما يتصل بالجسم.

ومن هذا كله نجد أن الصورة الأولى التي يعرض لنا أفلاطون فيها الخيرالأعلى هي صورة الزهد في الحياة، والاقبال على الموت، بمعنى إماتة كل العلائق المتصلة بالوجود الحي من أجل خلوص النفس إلى حياة الصورة. وحياتها على هذا الأساس حياة تأمل مستمر للصورة. لكن لن يكون أفلاطون بنا حقيقيا للروح اليونانية إذا وقف عند هذه الصورة ولم يعرض لنا صورة مقابلة. فإذا كان الوجود الحقيقي هو وجود الصور، فإن للصور، بوصفها متحققة في الوجود، درجة من الوجود الحقيقى كذلك، أي أن الوجود الخارجى، وهو الذي تتحقق فيه الصور، ليس شراً كله كما يظهر من الصورة الأولى، وإنما يحتوي على شىء من الخير، فليس للانسان أن ينصرف عنه انصرافاً كليا، بل يجب عليه أن يتأمل هذ الوجود الحي . ومن هنا نجد أفلاطون يدعو في «المأدبة» أولا إلى الأخذ باللذات والاقبال على الحياة، خصوصا وقد وجد أن معى الحب رمزي، إذ معناه الدافع إلى الحياة , فليكن هذا النوع وسيلة للتأهب والاستعداد على الأقل للنوع الآخر من الأخلاق الذي عرض لنا مضمونه في الصورة الأولى.

ثم نراه من بعد في «فيلابوس» يبحث طويلا في اللذة وفي صلة اللذة بالوجود ثم صلتها بالخير، فيقول إنه ولو أن اللذة شيء يتصل بالوجود اللامحدود، فإنه يجب مع ذلك أن لا تعد شراً، ويأخذ على الكلبيين هذه النزعة إلى احتقار اللذات والانصراف عنها كل الانصراف، ويقول إن للذة، إن لم تكن خيراً كلها، فإنها أيضاً ليست شراً كلها، وإنما هي عندما تخلو من الألم نوع من الخير، يجب على الانسان أن ياخذ بحظه منه .

فكأننا الآن بإزاء صورتين : إحداهما تدعوإلى العزوف عن الحياة، والتوجه إلى الموت؛ والأخرى تدعو إلى الأخذ بشيء من الحياة. والواجب أن نجمع بين الصورتين، وألا نأخذ بإحداهما فحسب، بوصفها الممثلة الحقيقية لفكر أفلاطون، وإنما لا بد من الجمع بين سقراط 1( المأدبة,) ، وسقراط «فيدون». ومن هنا نجد بعضاً من المؤرخين يتحدثون عن الفيلسوف الأفلاطوني في إقباله على الحياة وفي نظرته إلى الموت -على حد تعبير الكتاب القيم الذي كتبه شولتس . فأفلاطون يريد أن يجمع في تناسق وانسجام بين هاتين النظرتين إلى الخير، وبهذا أعطانا صورة عليا من صور الأخلاق اليونانية، ولوأنه يلاحظ في بعض الأحيان أن أفلاطون كان يميل إلى الصورة الأولى ويؤثرها على الصورة الأخرى.

وننتقل من الكلام على الخير الأسمى إلى الكلام عن الفضائل:

الفضائل

كان سقراط يضع الفضيلة في العلم، وإذ كانت الفضيلة هي العلم، وإذا كان العلم واحدا، فالفضيلة واحدة. ومن جهة أخرى أدلى سقراط بأخلاق معارضة للأخلاق الشعبية ، إذ كات الأخلاق عنده رد فعل ضد هذه الأخلاق الشعبية . ولو أن افلاطون ظل مخلصا لسقراط، على الأقل في بادئ الأمر، فبما يتصل بهاتين ا شالتين ، فإننا نجده ينصرف شيئاً فشيئا عن مذهب أستاذه

فيجعل ثمت تفرقة واضحة بين الفضائل، ومن ناحية اخرى لا ينكر الأخلاق الشعبية إنكاراً تاماً، بل يقول إن هذه الأخلاق الشعبية مقدمة للأخلاق الفلسفية.

أما فيما يتصل يالمبدأ الأول، وهووحدة الفضائل، فنقول إن أفلاطون قال إنه مهما اختلفت الفضائل فهي ليست إلا أسماء لفضيلة واحدة. وعلى هذا فإنه لو كان قال من بعد بتعدد الفضائل، فإن لديه في آخر الأمر فكرة وحدة الفضائل قائمة باستمرا.

يقم افلاطون الفضانا على أساس تقبمه لكف . خإذا كانت النفس تنقسم إلى قوى ثلاث : القرة الثهوية رالقوة الغضية والقوة العاقلة، فكذلك الفضانل تنقم هذه الأقسام، لأن معى الفضيلة تحقيق الطبيعة، وتحقبق الطبيعة معناه قعبين الحدود لكل فضبلة من فضانل النف مرتبة بحسب ما وضعت له وعلى الترتيب الذي وضعت عليه . وتبعاً لهذا فالفضيلة الأولى تفابل القرة الشهوية. لأنمهمة القوة لثهوية أن تكرن في خدمة الفوة العاقلة، وألا تندفع تبعاً فذا، وأن تستعين بالقوة الغضبية من أجل أن تحكمنفها . فكان وظيفتها الأساسية - ما دامت جموحا يخرج على الحدود - أن تضبط نفها والا تجاوز الحدود، وأن تخضع لما تقول به الفوة العاقلة، أي ان فضيلتها هى السفة أو ضبط النف .

وتليها القوة الثانية. ومهمتها أن تلبى الأوامر التى تصدر من القوة العليا . وأن تنفذ كل ما نريد الأولى تحقيقه، وأن تكون مقبلة، من أجل هذا التحقيق، على كل المكاره التى يتطلب تحقين الحير مواجهنها► إذن ستكون هذه الفضيلة الثانية فضيلة التحاعة .

ثم تأتي القوة العليا، وقد قلنا إن مهمتها هي النسييز بين أنراع الخير وتحقبف الخير الأسمى، وتحديد النفع على أساس الطبعة؛ اي أن مهمتها إدن أن تحكم وأن مبز. ولذا نسسى الحكة

ولكر هذه القوى المختلفة لاد أن تبسعها وحدة تعلو علبها ميعا لكي يتحفق هدا الانسحام التام بين ما تز ديه م جمال فلا د إدد من حمبلة رابعة مهسننا تحقيق الاسحام ين ميع الفصانل : لهي فصيلة مرارنة س مقتصات وواحات كل فوة مر هده القوى . ومن أحل هدا سسين اسم العدالة

نلك هي المضانل الاربع الني قال بهاافلاطون أما لحرى كل ضبلة من هذه المضان ل. والطرف التي هها تتحهق، والكيفية الني عفق على حرها. هدا لم يبحن فبه أفلاطون سحثا عميقا يستحق أن يذكر ، وكل ما هنالك مما يستحق أن بذكر في هذا الباب تلك الأفوال الني تمبزها أفلاطرن عن الأقوال الشعبية مثل قوله بعدم وعل الشر مهما كان، سوا، بالنسبة إلى عدو ار!لى صديق. نم إنه مثل الروح اليونانية في الفضانل الجرنية . حصوصا ويما يتصل بقيمة العسل، وكان يعد العسل مر ب العبيد . نم يبحث في مسالة تحقيف الفصيلة ، وهل هذا التحقق يمكن ا بتماف مع الخير، فيهول إل وصع هدا السزال كوصع السزال عن الصحة وهل هي خير ام شر،

بمعى أن هذا من البديهيات. و لهذا يقول إن وعل الخير وعدم ارتكاب الظلم ٠مهاجرعلى الانسان من الم، هر الخير الدائم، وم أجل هذا فخير للانسان أن يتحمل الطلم من ان يفعل الظلم.