الآلات الموسيقية في عصر النهضة

وجدت في اوروبا في العصور الوسطى نوعيات مختلفة من الآلات منها ما هو محلي        (اوروبي) ومنها المقتبس او المستورد من مناطق مختلفة مثل بعض الآلات الوترية من العرب عن طريق اسبانيا وآلة المونوكورد من بقايا الإغريق والأرغن الذي ظهر في القرن الثامن في الشرق البيزنطي . اما الآلات الوترية ذات القوس فيحتمل انها كانت وارده من الكوطيين او من الشرق . اما آلات النفخ البسيطة فقد كانت موجودة ومتوفرة في الاستخدام الشعبي وان الرسوم والمخطوطات بالكنائس القديمة فهي شواهد يمكن الخروج منها بصورة الى حد ما دقيقة عن الآلات في العصور الوسطى وقد مرت الآلات مع تطور الموسيقى نفسها بسلسلة طويلة من التطورات والتحسينات عن طريق الاختراع او التعديل على ان فن الموسيقى نفسه كان في طريقة الى التحول من مجرد فن غنائي كورالي فقط الى اداء كورالي وآلي معاً . وبعد الاداء الكورالي الكمال من ناحية الكتابة البوليفونية في حين ان الاداء الآلي كان حينئذ ثانوياً بالنسبة له الاهمية وكلن مالبث الاداء الآلي ان استمد منه الجانب الفني والصنعة حتى أصبح هو فيما بعد المجرى الرئيسي للتطور الموسيقي بشكل عام .

الاورغن

كانت آلة الاورغن قبل القرن العاشر موجودة في بعض قصور الملوك والامراء اما في الأديرة والكنائس فقد كان بالدرجة الاولى وسيلة للتعليم الموسيقي ، وبعدها صارت شيئاً ثابتاً في كنائس اوروبا الكبيرة ، وهذا الاورغن كانت مكونة من عشرة الى اربعة عشر انبوبه كل انبوبة لها درجة صوتية ومتصلة بمفتاح يتم بواسطته اخراج الصوت ثم اضيفت بعد ذلك انابيب أخرى وصنعت لها صمامات التحكم في مقدار الهواء المتجه للأنابيب . اما لوحة المفاتيح فلم تكن بصورتها المعروفة حالياً ، انما كانت عباره عن عارضات ثقيلة تضرب بقبضة اليد ، وكان صوته ضخم جداً . اما مداه الصوتي فقد ساير سرعة التطور حتى وصل في القرن الرابع عشر الى ثلاثة دواوين على لوحتين وفي القرن السادس عشر تحسنت الى حد ما ميكانيكية الحركة للحوامل والرافعات الموصلة بين لوحة المفاتيح وبين الانابيب ، والتي سمحت باستخدام لوحة مفاتيح شبيهة باللوحة الحالية . وحتى أصبح من الممكن والضروري تصوير المقامات على طبقات مختلفة وهذا ما أدى بالتالي إلى ظهور علامات التحويل والتلوين وذلك نظراً لتغيير مكان أنصاف الاتوان . وانتشرت صناعة والاورغن الكبيرة والضخمة وظهرت بالتالي نوعيات أخرى من والاورغن الصغيرة (النقالي) وتسمى REGAL وأصبحت هذه الاورغانات الصغيرة من المقتنيات المنزلية ، أما الآلات الكبيرة فصار لها لوحتان مع وجود بدالات للأرجل ، والاورغن رغم عيوبه حينئذ في نقل الحركة الميكانيكية وثقلها وعيوب التسوية ( الدوزان ) فقد كانت له أهمية كبرى في حركة وتاريخ التطور الموسيقي .

المونوكورد MONOCORD

كانت آلة المونوكورد في العصور الوسطى لها أهمية كبرى حينما كانت تستخدمه الكنيسة لمساعدتها في ضبط وتحديد الطبقات الصوتية . ومع التجارب الكثيرة التي تعرض لها المونوكورد والتي أدت إلى ظهور نوعيات أخرى أكثر تقدماً في عائلة آلات لوحات المفاتيح مثل الكلافيكورد ، وكانت أول خطوة للتطور هذه هي وضع الوتر في آلة المونوكورد فوق صندوق مصوت وتزويد الآلة بالمفاتيح المزودة بلمسات تحل محل القنطرة المتحركة على أساس العلامات الموضوعة لبيان الأطوال المختلفة التي تصدر عنها أصوات السلم الموسيقي ثم زيدت أوتاره بعد ذلك حتى أصبحت آلة المونوكورد المتطور هذه خطوة هامه في سبيل تطور آلة الكلافيكورد .                          

الكلافيكورد

بعدما أضيفت أوتار جديدة إلى آلة المونوكورد والتي أدت إلى صنع آلة يمكن عزف عدة أصوات في وقت واحد هي آلة الكلافيكورد. وفيه تكون اللامسة التي تتحرك عند الضغط على لوحة المفاتيح ويصدر الصوت بذلك بواسطة ضرب اللامسة للوتر وفي نفس الوقت تحدد أيضاً طبقته حيث تقوم بمهمة القنطرة لأنها تكتم الجزء الذي لا يصدر فيه الصوت. وقد تطورت ميكانيكية الآلة حتى صار يمكن إصدار عدة أصوات من الوتر الواحد بلامسات متصلة عدة مفاتيح وهو ما كان يسمى (بالكلافيكورد المطلق) هذا إلى جانب أنواع أخرى منه وفيها كان كل مفتاح يضرب وتر واحد فقط وكان بذلك يسمى(كلافيكورد مقيد) وللكلافيكورد صوت مميز ويمكن به للعازف أن يحتفظ بصفة الاهتزاز والتذبذب الصوتي   VIBRATO كما يفعل عازف الكمان بذبذبة أصبعه على الوتر وذلك بأن عازف الكلافيكورد يمكنه أن يترك إصبعه على المفتاح ليظل محتفظاً باتصاله بالوتر حيث يحرك إصبعه عليه كما يشاء ليتذبذب معه الوتر وبرغم أن الآلة صوتها محدود إلا أنها انتشرت بشكل واضح حينئذ.

السنطور

السنطور هو نوع مبسط من الهارب(الكيناره)وتمتد الأوتار فيه داخل إطار مثلث ويصدر الصوت فيه بواسطة نبر الوتر بريشه. كما كان يوجد نوع آخر من هذه الآلات الوترية     البسيطة هو الدولسيمر. DULCIMER وفيه تشد الأوتار فوق قنطرتين مثبتتين على صندوق مصوت وتضرب أوتاره بواسطة مطارق خفيفة وعلى أساس هاتين الآلتين تطورت وابتكرت آلة الهاربسكورد.

الهاربسكورد

الهاربسكورد في صورته المتطورة عبارة عن آلة كبيرة الحجم تشبه البيانو الكبير، وفيه يصدر الصوت بواسطة ريش مثبته في نهاية حوامل وعند تحريك وضغط أصابع لوحة المفاتيح تتحرك هذه الحوامل لتنبر نهايتها الوتر ثم تعود بعد ذلك إلى مكانها ولهذا فإنه لا يمكن تلوين الصوت وتنويعه بين الشدة واللين إلا بتغير نوعية مادة الريشة الضاربة، وبهذا كان صوت الهابسكورد لامحاً رقيقاً ولكنه غير قوي.

وتسمية هذه الآلة بالهاربسكورد هو الاسم الانجليزي أما في الايطالية فيسمى كلافيشمبالو أو شمبالو وفي فرنسا يسمى الكلافسان وفي ألمانيا عرفت بالفلوجيل وبعدها ظهرت أنواع أخرى تختلف في الشكل والحجم وصارت لها شعبية واسعة كآلة موسيقية لا يخلو منها منزل من طبقة متوسطة وذلك حتى نهاية القرن الثامن عشر تقريباً وكان يسمى الفرجنال VIRGINAL وكانت الريش فيه تصنع من عظام الحوت أو من الجلد أو المعدن الرقيق....الخ تبعاً لنوع الصوت المطلوب وكان اتساع نطاق الآلة الصوتي حوالي ثلاثة اوكتافات أو أكثر قليلاً.

آلات العود والفيولا

هناك ثلاثة آلات وترية من آلات النبر أو آلات القوس، توحي بصلتها البعيدة لآلة القيثارة الإغريقية القديمة مثل الجيتار – الكيتاروني – الريشار وقد ظهرت في الرسوم الموجودة بالمخطوطات والكنائس القديمة آلات تعزف بالنبر وآلات تعزف بالقوس أو النبر والقوس معاً على السواء دون تفرقة في الشكل الذي كان غالباً كمثري الشكل وأصبحت فرسة الآلة (تحت الأوتار) المنخفضة من ميزات آلات النبر أما الفرسة المرتفعة فقد كانت للآلات التي تعزف بالقوس عندما ظهر أن سطح الآلات المقوس يعوق العزف بالقوس وكذلك فإن جوانب الآلة تصطدم بالقوس، كان ذلك سبباً في جعل سطحها مسطحاً ثم قطعت جوانبها عند ملمس الأقواس، وكانت هذه التغيرات هي التي أدت إلى ظهور الشكل المميز لآلة الفيول.

أما العود فقد كاد يكون هو من أكثر الآلات شيوعاً في عصر النهضة، ويعزف نبراً، وهو عبارة عن الآلة الكمثرية الشكل الأصلية ذات الرقبة المزودة بدساتين وقد صنع في أحجام مختلفة، أما الحجم المتوسط فهو الشكل الأصلي المزود بستة أوتار مزدوجة تضبط في العادة على مسافة رابعات.

وللأعواد خاصية مثالية لمصاحبة الغناء إن لم يكن صوتها ممتد كما في آلات القوس ولها صوت جميل ناعم والعازف الماهر كان يستطيع أن يؤدي عليها نسيجاً بوليفونياً.

وعائلة الفيول كانت تعزف منفردة أو في طاقم مكون من ستة آلات مختلفة الأحجام أصغرها كانت تسمى الدسكانت العالي ثم السوبرانووا والتينور والباصين الأول والثاني وقد كانت تعزف وهي ممسوكة لأسفل وليست تحت الذقن كما هو معروف الآن ثم ظهرت بعد ذلك آلة الفيول الانفرادية، أي فيول التقسيم أو التنويعات مصاحبة للغناء، وكان صوت الفيول بشكل عام أنفياً ولكنه مقبول، وقد كانت توجد أنواع مختلفة تختلف في تسوية أوتارها فقط. وكانت أكثر الآلات منها شعبية هي الفيولا دامورى بدون دساتين تمسك تحت الذقن وكذلك الفيولا ديبور دونى أكبر في الحجم وتمسك بين الركبتين عند العزف. أما الربابة فهي الجد المباشر لأسرة الفيولينا الحديثة(الكمان)وكانت تصنع منها أحجام مختلفة تمسك تحت الذقن وبالطبع ليست على رقبتها دساتين ومن الملاحظ أن الربابات لم تكن تعزف في جماعات مثل الفيول وذلك لأن صوتها كان يعتبر لامعاً وواضحاً وقد ذاع استعمالها أيضاً مع الرقصات وعند التحدث عن الآلات الوترية من ذات الأقواس لا بد من التحدث عن شكل وتطور القوس نفسه فمن المعروف أن شكل القوس المعروف حالياً يعتبر نسبياً حديث الاختراع ولكنه في السابق كان يصنع من شعر الحصان المشدود على عصا مقوسة كالقوس، وهو ما كان مناسباً بشكل فرس آلة الفيول المسطحة، حينئذ وحين يسهل بذلك عزف عدة نوتات في وقت واحد، وذلك حتى قام أحد الإيطاليين بصنع أول فيولينة حقيقية في أواخر القرن السادس عشر وإن كانت صلتها بآلات الفيول الأصلية يبدو بعيداً(إلا في اشتقاق الاسم)على أنه يبدو أن انحدارها من آلة الربابة أوضح. ثم اكتسبت بعد ذلك الآلة الجديدة انتشاراً وذيوعاً نظراً لإمكانياتها وصفاتها الصوتية مما تسبب في اندثار أسلافها فيما بعد تدريجياً.

آلات النفخ النحاسية والخشبية:

كانت توجد في عصر النهضة نوعيات كثيرة من هذه الآلات أشهرها وأهمها أنواع المزامير التي يصدر الصوت منها بوساطة ريشة مزدوجة(تشبه المزمار البلدي)عندنا وهي تعتبر آلة أوبوا بدائية وتعتبر من جدات آلات الأوبوا والفاجوت وهي آلات ذات بوق مخروطي ولها ثقوب للأصابع وتوجد منها عدة أحجام مختلفة وبالطبع فإن صوتها لم يكن مستستغاً كالآلات الحديثة، لهذا لم يجد لها المؤلفون استعمالاً مهماً في القرنين الخامس عشر والسادس عشر ولهذا كانت تعزف في الهواء الطلق والميادين أو تستخدم كآلات حربية تعزف في مجموعات أثناء السير بما يشبه المارش.

أما آلات الفلوت الخشبي(الريكوردر)فهي تشبه إلى حدٍ ما الآلات السابقة وإن كان حجمها أصغر ويتألف طاقمها من آلات هي بين الريكورد السوبرانو والباص الكبير. وصوتها يشبه إلى حدٍ ما صوت الفلوت الحديث وإن كان أقل منه اتساعاً وأكثر وداعة وعذوبة وكانت تستخدم كآلة لموسيقى الحجرة.

أما آلة الكورنو والترمبيت فقد كان استعمالهما بشكلهما المبسط يكون للنداءات العسكرية أو لنداءات الصيد، أما آلة الساكبت التي تطور عنها آلة الترمبون المعروفة حالياً والتي كان من الممكن ضبط طبقتها الصوتية القابلة للتغيير بواسطة زلاقات تعمل بتدخل الأنابيب. وهي آلة ذات صوتٍ ضخم ثقيل استعملت لتقوية الأصوات الغنائية وخصوصاً في الكورالات، لذلك استعملت على نطاق واسع في الكنائس بشكل خاص.

وبشكل عام كانت الآلات المستعملة في القرنين الرابع عشر والخامس عشر من الآلات النحاسية والخشبية ذوات الريش ذات طبيعة صوتية خشنة غير دقيقة المعالم بمقارنتها بالآلات من ذوات الفصيلة. أو بنفس الآلات بعد تحسينها وذلك لأن ما أضيف إليها وما ادخل عليها من ابتكارات جديدة مثل الصمامات والغمازات وروافع نقل الحركة والتي أدت إلى تحسين وتغيير شامل في شكل الصوت وسرعته ونوعيته وكذلك ما أسهمت به من تسهيل مهمة العازف ومقدرته في التحكم الدقيق في الدرجات الصوتية وذلك قد أثر بدوره على مقدرة العازفين وعلى أسلوب وتكنيك العزف وهذا ما يبدو واضحاً في المؤلفات التي كتبت بعد تلك الفترة هذا علاوة على أن علوم الكيمياء والفلزات لم تكن قد تطورت بعد بالشكل الذي يمكن استغلالها في تصنيع الآلات الجيدة من معدن مناسب يتفق مع المواصفات المعينة التي تضفي على الآلة نوعية مميزة وطابع خاص يميزها عن بقية النوعيات الأخرى من الآلات الموسيقية المختلفة.