إيراسموس

إيرازموس (باللاتينية: Desiderius Erasmus Roterodamus) عاش (روتردام 28 أكتوبر 1466 - بال 1536 م) هو فيلسوف هولندي، من رواد الحركة الإنسانية وعصر النهضة فيأوروبا، ومن الخدمات التي أسداها للتعليم علاوة على نشره الكتب التربوية اتصاله المباشر بالطلبة والمراسلات الشخصية وقد تناول في مؤلفاته معظم مظاهر التربية وقضاياها الهامة مثل الطريقة والمحتوى وآداب الطفولة وتعليم اللغة. كان يكتب باللغة اللاتينية.

تمتع إيرازموس بشخصية مستقلة كما عرف عنه طبعه الساخر في كتابه "مديح الحمق"، قام بالتعليق على نصوص العهد الجديد، وحاول أن يضع مبادئ الحركة الإنسانية حسب التوجهات المسيحية، كما أراد أن يقرب بين أتباع المذهب الكاثوليكي وأتباع الحركات الإصلاحية الجديدة.

حــياته

ولد أعظم عالم بالإنسانيات عام 1466 أو عام 1467 أو عام 1469 في مدينة روتردام (أكبر موانىء هولندة) أو بالقرب منها. وهو الابن الثاني غير الشرعي لجيرارد Rotger Gerrit وهو كاتب، وأمه مارجريت ابنة طبيبة وأرملة. وهذه الولادة غير الشرعية القت بظلها على حياته كلها، وكانت مصدر متاعب له من جانب أعدائه وحساده، ويبدو أن الأب رسم قسيساً عقب هذه الكارثة. الاسم ديزيدريوس أرازموس معناه الحبيب المرغوب فيه. ولقد علمه مدرسوه الأوائل القراءة والكتابة باللغة الهولندية ولكنه عندما ذهب ليدرس مع أخوة الحياة المشتركة في ديفنتر غرم لأنه كان يتحدث بلغته الوطنية فقد كانت اللغة اللاتينية هناك "الزاد الرئيسي للتعليم" وكانت التقوى تراعى بحزم كوسيلة من وسائل التربية والتهذيب- ومع ذلك فإن الأخوة كانوا يشجعون على دراسة كلاسيكيات وثنية مختارة وبدأ ايراسموس في ديفنتر يمسك بزمام اللغة اللاتينية والأدب بصورة مذهلة.

بعد وفاة والده وجهه الاوصياء أن يلتحق للانخراط في سلك الرهبنة لأنها لا تحتاج إلى امتلاك شيء على الإطلاق. وأخذ دسيدريوس على نفسه العهود كأي راهب أوغسطيني في دير رهبان عمواس في قرية Steijn بالقرب من مدينة خودا Gouda (في وسط هولندة). وحاول أن يحب حياة الدير جهد استطاعته بل إنه كتب مقالا بعنوان: De contemptu mundi "تأملات في الوجود"، ليقنع نفسه بأن الدير هو المكان المناسب له. لكنه لم يستطع التكيف مع الحياة الديرانية. كانت حياة الدير بنظامه وواجباته الصارمة خانقة بالنسبة لايراسموس الذي منحته معرفته الاستثنائية لللاتينية الفرصة لمغادرة الدير.

وسنحت له الفرصة للتخلص من الرهبنة حين عرض عليه هينرش فون برجن Heinrich von Bergen، أسقف كنبريه Cambrai أن يتخذه كاتباً عنده. وبهذا بدأت مرحلة أسفاره، فسافر إلى فرنسا، وانجلترة وإيطاليا وسويسرة. سافر كعالِم مستقل عبر مناطق كبيرة في أوروبا حيث اعتمد في معيشته على دخله من كتاباته والهدايا المقدمة إليه من العدد المتزايد من المعجبين. بقي ايراسموس على اتصال مع الأصدقاء والعلماء ذوي نفس التفكير والرواة عبر شبكة من المراسلات المكثّفة.

وفي سنة ١٥٠٩ دعاه هنري الثامن، ملك إنجلترة، إلى بلاطه. وفي أثناء رحلته ألف كتابه الشهير : «مدح الجنون» وقام بتدريس اللغة اليونانية في كمبردج، وفيها قام بشرح بعض كتب أباء الكنيسة وتفسير الأناجيل. وعاش في إنجلترة عامين (سنة ١٥١٥- ١٥١٦) وحينئذ دعاه عاهل الأراضي الواطئة، شارل الذي سيصبح فيما بعد ملكاً على إسبانيا وامبراطوراً لألمانيا باسم كارل الخامس (شارلكان) وعينه بلقب مستشار للملك براتب 400 فلورين، مما كفل له معاشاً رغيداً. وكتب من أجل الملك كارل مؤلفه: «واجبات الأمير المسيحي Institutio principis Christiani (طبع في لوزان سنة 1516)، بيد أنه لم يشارك في السياسة، لأنه كرس نفسه لأمور الفكر وحدها.

وفي سنة ١٥١٧ أعفاه البابا ليو العاشر من نذره للرهبنة، لكن لم يعفه من الاستمرار في الكهنوتية، وتوطدت علاقته بكبار أصحاب النزعة الإنسانية في أوربا، وخصوصا توماس مور وجون كولت John Colet.

في الاستقطاب الذي بدأ عام 1517 مع الإصلاح الديني مارتن لوثر لم يُرد ايراسموس أن يتخذ موقفاً، أو بالأحرى لم يجرؤ على ذلك، إذ لم يرغب بالانفصال عن الكنيسة الكاثوليكية، وأمِل أنه يمكن حل الاختلافات التي ظهرت بتفكير قويم. وقد أدى هذا إلى انتقاده من كلا الطرفين. لما قامت حركة الاصلاح الديني على يد لوثر، اهتم ايراسموس بها، لكنه رأى خطرها على الفكر والثقافة الإنسانية، ولهذا حاربها، بعد أن كان قد أمل منها في مطلعها أن تعالج مفاسد رجال الدين وتحرر العقل من سلطان الكنيسة.

وفي سنة 1521. استقر نهائياً في مدينة بازل (سويسرة) لكن لما انتصرت حركة الإصلاح الديني في بازل في سنة 1529 اضطر إلى مغادرتها الى فريبورج في بريسجاو (ألمانيا). لكنه صار هدفاً لهجمات أنصار الاصلاح الديني، ففكر في العودة إلى وطنه، هولندة. وكان عليه قبل ذلك أن يذهب الى بازل للاشراف على طبع عدة كتب. لكن مرض النقرس أثقل عليه. وتوفي في ليلة ١٢ الى١٣ يوليو سنة ١٥٣٦ في منزل الرسام فوربن في بازل، ودفن في كاتدرائية بازل (سويسرة).

أعمــاله

في عام 1500 كتب أديجيا (Adagia)، واحدة من أكثر المؤلفات مبيعاً في العالم، كمجاملة لطيفة للمطبعة التي كانت ما تزال جديدة. قدّمت هذه المجموعة من الأمثال الكلاسيكية للقراء تقدماً سريعاً في نمط الحياة وطريقة التفكير بأعضاء الحركة الإنسانية. بالإضافة إلى أن ايراسموس نشر أيضاً كتباً عن الايتيكيت وكتب إرشاد لرؤساء الدولة وحوارات وكرّاسات هدفت إلى تعليم الأسياد والعامة ليكونوا مسيحيين صالحين وعاقلين.

كان ايراسموس أول من طبّق الطريقة النقدية الإنسانية على المؤلفات المسيحية، إذ درس اللغة اليونانية خصيصاً من أجل قراءة مؤلفات المؤسسين الأوائل للكنيسة ونصوص العهد القديم باللغة الأصلية. ونتج عن هذا سلسلة من النسخ النقدية الجديدة للمؤلفات المسيحية المبكّرة، بما فيها نسخة جديدة من العهد الجديد باليونانية مع ترجمة جديدة إلى اللاتينية. مع هذا العهد الجديد باليونانية (Novum Instrumentum) أبعد ايراسموس نفسه جلياً عن الترجمة الرسمية للكنيسة (Vulgate) ودافع عن الحق لتبني طريقة نقدية في تناول الإنجيل بهدف تعزيز القدرة على فهم العقيدة. أمِل ايراسموس أن يتمكن كل واحد من الاقتباس من الإنجيل، كمثل المزارع خلف محراثه والحائك ومغزله والمسافر في رحلته، واعتقد أنه يجب حتى على النساء قراءة الإنجيل. كان هدفه الأعلى بلوغ السكينة والتقوى الخالصة المتأصلة في التفكير الداخلي.

مؤلفاته

الفضل الأكبر لارزمس هو في إحياء التراث الكلاسيكي اليوناني واللاتيني بالتحقيق والنشر النقدي وفقاً للمخطوطات المتاحة له. فمن بين مؤلفات اللاتين نشر مؤلفات كاتون Caton (ستة ١٥١٣) وبعض المؤرخين اللاتين (سوتيون، وأمليوس، وفكتور، وأميان مرسلان، ويوتروب، وكونت - كيرس) ونشر كتاب «في الواجبات» لشيشرون (سنة ١٥٢٠) و«التوسكلانات» لشيشرون أيضاً، وبعض مؤلفات سينكا وبلينوس العجوز (سنة ١٥٢٥) وتيتوس ليفيوس (سنة ١٥٣١)، وطبعة مشهورة لمسرحيات تيرنيتوس (سنة ١٥٣٢). ومن بين المؤلفات اليونانية حقق ونشر الطبعة الأولى من مؤلفات بطليموس (سنة 1530) والطبعة الأولى الكاملة لمؤلفات أرسطو (سنة ١٥٣١) وخطب ديموستانس الح.

أما كتبه في ميدان اللاهوت فعديدة جداً، نذكر على رأسها نشرته النقدية لأسفار «العهد الجديد» من الكتاب المقدس، مع ترجمة إلى اللاتينية قام هو بها (بازل سنة ١٥١٦، ط ٢ سنة ١٥١٩، ط٣ سنة ١٥٢٢، الخ) وقد قام لوثر بترجمة «العهد الجديد» بحسب الطبعة الثانية من نشرة ارزمس هذه، وذلك إلى اللغة الألمانية، وقد استخدم ارزمس في تحقيق «العهد الجديد» خمس مخطوطات، بالإضافة إلى استفادته من مراجعة فلا Valla لتسع مخطوطات أخرى.

أما مؤلفاته ذات الصبغة الفلسفية فهي :

  • Enchiridion militis Christian, 1502
  • Encomium moriae seu Laus stultiae, 1509
  • .1524,De Libero arbitirio
  • Hperaspistes

والثالث هو رد على كتاب لوثر بعنوان De servo arbitrio الذي نقد به الكتاب الثالث هنا. ولارزمس آراء جيدة في التربية وفي التوجيه الاخلاقي والسياسي، ففي نفس العصر الذي كتب فيه مكيافلليي كتابه الشهير: «الأمير» وفصل فيه بين الأخلاق والسياسة، لأن السياسي لا أخلاق له، نجد أرزمس يؤكد ضرورة أن يجمع السياسي بين الأخلاق والسياسة، فيراعي قواعد الأخلاق في سلوكه السياسي. كذلك يهاجم ارزمس الحروب وقال عنها انها « غرق لكل الأمور الخيرة» Omnium bonarum rerum naufragium