إرنست غيلنر

إرنست غيلنر أو جللنر (بالإنجليزية: Ernest Gellner) (9 ديسمبر 1929 - 5 نوفمبر 1995) وهو فيلسوف بريطاني تشيكي وعالم إنسانيات واجتماع.

مع أن جللنر ولد فى تشيكوسلوفاكيا، إلا أن أسرته (التى كانت ذات أصول يهودية) سرعان ما هجرت وطنها عقب الاحتلال الألمانى له فى عام 1939. وقد قضى الشطر الأعظم من حياته العملية فى إنجلترا. وقد اشتغل خلال الفترة من عام 1949 حتى 1984 بتدريس علم الاجتماع ثم الفلسفة فى مدرسة لندن للاقتصاد، قبل أن ينتقل لشغل كرسى الأستاذية فى تخصص الأنثروبولوجيا الاجتماعية بجامعة كمبردج, وفى عام 1993 عاد إلى براغ ليتفرغ للعمل مديرا لمركز دراسات القومية فى جامعة وسط أوروبا.

وتتسم مؤلفات إرنست جللنر بأنها تغطى أفقا عريضا من الحقول العلمية . فقد أصدر أول كتبه فى نقد الفلسفة اللغوية (وعنوانه: الكلمات والأشياء، ونشر عام 1959) ولكنه عاد فأنكره ورفضه لما يتسم به من ثقة لا مبرر لها، وافتقار إلى الخيال، ومحدودية الأفق. وطرح فى كتابه : الفكر والتغير، الذى صدر عام 1964، القضية الخلافية التى قرر فيها أن التظم الاجتماعية لاتعد شرعية إلا إذا أشبعت حاجة الناس إلى الوفرة و إلى القومية. (ويلاحظ أن كتابات جللنر التى ألفها بعد ذلك حاولت أن تحشر فكرة الحرية فى تصوره عن الحداثة، الذى يتسم فيما عدا ذلك بنوع من الحدة). كما قدم دراسة أنثروبولوجية ميدانية عن بربر شمال أفريقيا (نشرها فى كتابه : أولياء منطقة الأطلس، الصادر عام 1969) وعدداً من الدراسات النقدية للتحليل النفسى (نشرت فى كتابه ; حركة التحليل النفسى، الذى صدر عام 1985) ودراسة للإيديولوجيا السوفيتية (نشرت فى كتابه الدولة والمجتمع فى الفكر السوفيتى، وصدر عام 1988)، كما أصدر عديدا من الدراسات والكتب عن موضوع القومية، والمجتمع الإسلامى، ومذهب النسبية، والتعددية، ومناهج العلوم الاجتماعية، ونشرت جميعها بعد ذلك على التوالى. واستطاع قبل أن توافيه المنية بوقت قصير أن يفرغ من كتاب عن القومية (ملاحظات فى القومية، 1995)، ودراسة عن قتجنشتين ومالينوفسكى ( فى كتاب : اللغة والعزلة، 1995)، ولكنه لم يستطع أن يكمل دراسة كان قد بدأها عن ظروف التحول الناجح من الاشتراكية إلى الديموقراطية.

ومن الصعب وصف هذا الإنتاج الوفير وصفا مختصرا. ولكن الخط الذى يوحد هذه الأعمال الغزيرة هو الدفاع عن النزعة العقلية ضد مذهب النسبية فى العلوم الاجتماعية. ومن الملامح الأساسية الأخرى لأعماله ذلك الاهتمام المتصل بموضوع القومية، التى كان واعيا كل الوعى بأهوا لها، ولكنه كان يؤمن أن تأثيرها على تطور المواطنة تأثيرحاسم. لقد كان تأثيره على علم الاجتماع الأنجلو ساكسونى واضحا كل الوضوح فى أعمال الأجيال المتدابعة من علماء الاجتماع التاريخى والمنظرين الاجتماعيين فى بريطانيا و الولايات المتحدة الذين تعلموا على يديه.

نشأته

ولد غيلنر في باريس لأبوين يهودين. أنهى دراسته الابتدائية في تشيكوسلوفاكيا. وبعد صعود أدولف هتلر في ألمانيا غادر أهله تشيكوسلوفكيا عندما كان في الثالثة عشر من العمر إلى شمال لندن حيث أنهى تعليمه الجامعي وحصل على شهادة الدكتوراه في سنة 1961 عن أطروحتة في تنظيم زاوية الأمازيغ. لإرنست غيلنر مساهمة في كتاب الشعب والأمة والدولة الذي حرره إدوارد مورتيمر ونقله إلى العربية الدكتور أكرم حمدان، ومساهمته هي الفصل الثالث من الكتاب، وهي بعنوان «سرة آدم»، وقد جاء في مقدمتها عن إرنست غيلنر:

في الخامس من نوفمبر عام 1995 توفي إرنست جيلنر Ernest Giellner في براغ، المدينة التي عاش فيها طفولته، وعاد إليها عام 1992 ليؤسس مركز أبحاث القومية، الذي استقبل في شهر سبتمبر من هذا العام الدفعة الأولى من طلاب الدراسات العليا (الدكتوراه) والذين تذكر أحدهم أستاذهم بالكلمات التالية: لم نَجْرُؤْ يومًا أن ندعوَ الأستاذ جيلنر باسمه الأول، ولكنه كان يصر على أن ندعوه إرنست، قائلًا: «ادعوني إرنست من فضلكم»، إلا أننا بقينا جد وجلين. تعليقه الأول على أوراقنا كان دائمًا: «كذا وكذا كان جيدًا، ولكن...». لقد كان جيلنر مشهورًا بمقولته «لكن». لقد كان بالنسبة لنا، نحن الطلابَ المتخرجين الوافدين من وسط وشرق أوروبا، والذين ما زلنا في بدايات مهننا الأكاديمية، التسامحَ والإلهام أنفسهما.لم يتبرم يومًا بأفكارنا ومشكلاتنا التافهة، كما لم يدع سانحة لإشعارنا بأهميتنا إلا واهتبلها. لقد طلب منا في المؤتمر الأخير الذي حضرناه معه أن نتكلم ملء أفواهنا، لأنه كان يريد أن يسمع، عاليًا وبوضوح، أسماءنا واسمَ وليدِ عقله – مركز أبحاث القومية، جامعة وسط أوروبا، براغ.لم يكن إنسانًا عابثًا، بل لعله كان معلمًا شديدًا كثير المطالب، إلا أنه كان يلقانا بابتسامة عريضة، ويدخل البهجة والسرور إلى قلوبنا. في حفلات الاستقبال، كان دائمًا يتأكد من امتلاء كؤوسنا. كنا نمتلئ هيبة لدى مصادفته في مسكن الطلاب في شارع بروكوبوفا. لقد عاش معنا هناك، ولكنه لم يشتك يومًا من حفلاتنا، أو من اصطفافه معنا لانتظار الهاتف. أما خارجًا، في طرقات براغ، فقد كان بإمكاننا أن نشخصه عن طريق قبعاته الرخيصة الأنيقة. لقد علمنا الأستاذ جيلنر لذة التعلم، وأصولَ المناقشة الأكاديمية. لن ننسى ذلك، ولن ننساه هو.