إدوارد جينر
إدوارد جينر (بالإنجليزية: Edward Jenner) هو طبيب إنجليزي (17 مايو 1749 - 26 يناير 1823) كان أول من اكتشف التطعيم (التلقيح) كوسيلة لمنع مرض الجدري. غالبًا ما يُطلق على جينر لقب "أبو علم المناعة" ، ويقال إن عمله "أنقذ حياة أكثر من عمل أي إنسان آخر". في زمن جينر ، قتل الجدري حوالي 10٪ من السكان، مع ارتفاع يصل إلى 20٪ في البلدات والمدن حيث تنتشر العدوى بسهولة أكبر. وكان الآباء ـ قبل زمنه ـ لا يعدون أطفالهم سالمين مالم يتعدوا مرحلة الجدري. كان هذا المرض يمثل رعبًا قائمًا عبر القرون. وكان الجميع ـ في زمان جنر ـ يعرفون أن الشخص يصاب بالجدري مرة واحدة، وقد حاول الكثيرون تطعيم أنفسهم بمادة في قروح مرض الجدري، حيث كانوا يأملون أن تكون إصابتهم خفيفة حتى يكتسبوا المناعة ضد هذا المرض بقية حياتهم. أدخلت السيدة ماري ورتلي مونتاجو الكاتبة الإنجليزية، هذه الطريقة إلى إنجلترا عام 1718م، إلا أنها كانت طريقة خطرة.
قام إدوارد جينر بملاحظة ودراسة الآنسة ساره نيلمس حلابة البقر التي اصيبت بالجدرى سابقا ووجدت بعد ذلك محصّنه ضدّ الجدري وذلك لأنها كانت قد أصيبت بحمى جدري البقر (cowpox). فاستنتج جينر أن أخذ مواد من جلد المصابة وحقنها بشخص آخر لإصابته بنفس المرض سوف يولد مناعة مستقبلية ضد مرض الجدري وذلك لأن هذا المرض هو مشابه ولكنه أقل خطورة. طوّر جينر اللقاح الأول مستند على هذه النتائج. جنر أجرى أول تطعيم ضد الجدري بحقنه جيمس فيبس في إنجلترا عام 1796م. بعد جهد طويل (لكن ناجح) قام بحملة تطعيم استمرت إلى أن أعلنت منظمة الصحة العالمية استئصال الجدري من العالم في عام 1980.
في عام 1821 ، تم تعيينه طبيبًا استثنائيًا للملك جورج الرابع ، كما تم تعيينه أيضًا رئيسًا لبلدية بيركلي وعضو في الجمعية الملكية ، في مجال علم الحيوان كان أول شخص يصف حضنة التطفل من الوقواق. في عام 2002 ، ورد اسم جينر في قائمة بي بي سي لأعظم 100 بريطاني.
حياته
ولد جنر في 17 مايو عام 1749م في باركلي في جلوسترشاير. ذهب إلى لندن لدراسة الطب تحت إشراف الجراح البريطاني جون هنتر عام 1770م. عاد إلى باركلي حيث شرع في ممارسة الطب وبقي هنالك معظم سني حياته.
اكتشاف أدوارد جنر علاج لمرض الجدري
حتى القرن الثامن عشر، كان الجدري من بين الأمراض المفزعة التي قد تصيب الأشخاص بالعمى أو التشوه وربما يودي بحياة المصاب. لكن، لم يكن معروفاً سبب الإصابة به، وقد كانت جميع أنواع العلاج المتاحة ضربا من المحاولات ليس إلا، ولكن لم يكن لها أدنى فاعلية. وكان ذلك المرض يحصد أرواح العديد من سكان القارة الأفريقية وأمريكا وجزر المحيط الهادئ الفقراء التي لم ينتشر به ذلك المرض حتى وصل إليها الغزاة الأوربيون.
منذ بداية القرن الثامن عشر، تمت تجربة العديد من اللقاحات من أجل الوقاية من ذلك المرض والحد من انتشاره. وقد لوحظ أنه لا يمكن إصابة الشخص بمرض الجدري مرتين أبدا. ويعني هذا أن المريض تتكون لديه مناعة ضد ذلك المرض عند إصابته الأولى به. لذلك كان يؤخذ جزء من الصديد الموجود في البثور الناتجة عن المرض؛ ثم يتم حكها بالجلد كلقاح ضد المرض. وتكمن الفكرة في ذلك في أنه عند تناول المريض ذلك اللقاح، يكون قد حصل على جرعة مناسبة من المرض والتي يأمل أن تصبح علاجا ووسيلة فعالة للوقاية من المرض في اوقت نفسه. وبالفعل، انسجب المرض فترة معينة ولكنه عاد في الانتشار مرة ثانية بصورة وبائية.
بدأ جنر تجاربه في موطنه باركلي في جلوسترشاير. اعتقد كثير من الناس هنالك أن عاملات المَلبنة اللاتي أصبن بجدري البقر لا يمكن أن يصيبهن الجدري. كان جدري البقر مرضًا خفيفًا يتسبب في قروح قليلة في الأيدي، ومخاطره قليلة فيما يتعلق بالتشوه أو الموت. أخذ جنر عام 1796م عينة من مادة التقرح الذي أصاب يد سارا نَلمِس عاملة الملبنة المحلية التي أُصيبت بجدري البقر أثناء حلبها للأبقار، وقطع جرحين على ذراع جيمس فيبس ـ صبي معافىً عمره ثمانية أعوام ـ وأدخل مادة التقرح التي أخذها من قروح سارا، فأصيب الصبي بمرض جدري البقر. وبعد 48 يومًا أدخل جنر مادة الجدري داخل ذراع الصبي ـ وعادة ما تكون هذه المادة مهلكة ـ إلا أنها لم تؤثر في الصبي لأنه قد تطعم بمادة جدري البقر وبالتالي نجحت تجربة جنر. تلك كانت المرة الأولى التي تم فيها التطعيم.
في ذلك الوقت، قدم الطبيب الإنجليزي أدوارد جنر أسلوبا أفضل لمكافحة هذا المرض قام بتجريبه في جلوستر شاير. لاحظ أدوارد جنر أن السيدات اللاتي يعملن في حلب الألبان يتميزن ببشرة صافية ونقية من مرض الجدري وذلك لإصابتهن بمرض جدري البقر نظرا لطبيعة عملهن. وقد أدى ذلك إلى وقايتهن من الإصابة الخطيرة بمرض الجدري وفي عام ١٧٩٦ ، قام أدوارد جنر باختبار تلك الفكرة، مستخدما أسلوب التلقيح السابق نفسه ولكن باستعمال صديد جدري البقر هذه امرة. وقد لاحظ أن مريضا كان يبلغ من العمر ١٨ عاما قد استجاب للعلاج فورا. وبعد ٦ أسابيع، أعطاه أدوارد جنر جرعة قياسية من اللقاح، وكانت النتيجة عدم إصابته بالعدوى مرة أخرى. وبذلك، أضبح جدري البقر لقاحا للإنسان ضد الإصابة بالجدري.
أطلق أدوارد جنر على ذلك الأسلوب الجديد (Vaccination) اسم التلقيح ضد الجدري نسبة إلى الكلمة اللاتينية vacca التي تعني البقر. ويعد هذا الاكتشاف هو بداية عصر جديد في عالم الطب العام. وبعد استخدام ذلك اللقاح، أصبح العالم خاليا تماما من مرض الجدري لمدة ٢٠٠ عام. وباستخدام الأفكار التي قدمها العالم لويس باستور عام ١٨٨٦ والعديد من العلماء الآخرين على مدار القرن التاسع عشر، تم التوصل إلى علاج العديد من الأمراض المميتة الأخرى. وقد أثار الاكتشاف الذي قدمه أدوارد جنر العديد من الأسئلة، مثل: كيف يمكن للجسم مقاومة العدوى بصفة يومية؟ وكيف يمكن الوقاية من الأمراض المعدية؟ لكن، لم تتم الإجابة على تلك الأسئلة سوى بعد مرور 100 عام أخرى (متشنيكوف - ١٨٩١).
يغمرني ذلك الشعور بالسعادة البالغة عندم أتذكر أن القدر جعلني أداة لتخليص العالم من واحد من أخطر الأمراض الوبائية (الجدري)؛ لدرجة أنني أعتقد في بعض الأحيان أن ذلك أحد أحلام اليقظة. --- أدورد جنر
الاعتراف
بعد مزيد من التجارب نشر جنر كتابه سؤال في أسباب وتأثيرات لقاح الجدري (1798م)، ثم ذهب إلى لندن لعرض اكتشافه على عالم الطب. نشر عام 1799م مزيدًا من الملاحظات حول لقاح الجدري أو جدري البقر، الذي كتبه أساسًا ردًا على الذين عارضوا التطعيم.
أصبح التطعيم مقبولاً كوسيلة لوقاية الناس من العدوى بمرض الجدري. وفي القرن التاسع عشر الميلادي انهالت ألقاب الشرف على جنر من جميع أنحاء العالم.
منحه البرلمان 10,000 جنيه عام 1802م و20,000 جنيه أخرى عام 1806م، لأنه كرس كل وقته في اكتشافه الذي أفقده دخلاً من ممارسة عمله الطبي النظامي. كما منحته جامعة أكسفورد درجة الدكتوراه الفخرية في الطب عام 1813م.
الإنجازات
اللقاحات التي تعطى لكل طفل منذ الأشهر الأولى لولادته، تحصنه ضد عدد كبير من الأمراض، مثل الحصبة وشلل الأطفال والتهاب الكبد الفيروسي وغيرها، لهذه اللقاحات قصة بدأت في مدينة بركلي البريطانية، في نهاية القرن الثامن عشر وبداية القرن التاسع عشر، اكتشف إدوارد جينر بالمصادفة أن الإصابة بفيروس جدري البقر تقي البشر من ويلات الإصابة بمرض الجدري، الذي كان يعتبر أخطر وباء يصيب البشر في ذلك الحين، لقد بدأ الفصل الأول لقصة أول لقاح في التاريخ عام 1798 عندما جاءت سيدة تستشير إدوارد جينر في مرض، وعند سؤالها إذا كانت أصيبت بالجدري، أكدت له أنها تعرضت لجدري البقر لذلك لن تصاب بجدري البشر!! فبدأ الطبيب يبحث في خفايا هذا السر، فاكتشف أن جدري البقر نوعان، يشبه أحدهما جدري الإنسان، فاستفاد منه في فكرة التلقيح، وفي 14 مايو 1796 اختار جينر طفل سليم (جيمس فيبس) كان عمره حوالي 8 سنوات ليقوم بتلقيحه بمرض جدري البقر. ونجا الطفل من التلقيح التجريبي لفيروس جدري البقر ولكن عانى فيبس من حمى خفيفة فقط. وفي 1 يوليو 1796 أخذ "جينر" عينة من قيح مرض الجدري المميت، وقام بتطعيم الطفل "فيبس" بها في ذراعه وقام بالأمر مرارا وتكرارً، ونجا الطفل بعد أكثر من 20 محاولة دون استسلام للمرض، وبعد وقت قليل اتضح ان طريقة جينر للتطعيم بجدري البقر هي آمنة أكثر من طريقة التجدير، وفي عام 1801م تم تطعيم أكثر من 100.000 شخص ضد المرض.
ولكن بالرغم من اعتراضات الممارسين الطبيين للتلقيح بالجدري (varilation) وربما لأنهم توقعوا انخفاضاً في دخلهم، جعلت المملكة المتحدة التطعيم بالمجان للفقراء في عام 1840م. وفي العام نفسه تم منع الممارسة بالحقن بالجدري وأعُلن انها ممارسة غير قانونية بسبب الوفيات المصاحبة لها. ثم أصبح التطعيم إجباريا في بريطانيا ووبيلز بموجب قانون التطيعم لعام 1853م، ونص القانون على تغريم الآباء جنيهًا إسترلينيًا ما لم يتم تطيعم أطفالهم قبل بلوغهم عمر ثلاثة أشهر. ولم يُطبق القانون بالشكل الكافي بالاضاقة إلى عدم فعالية نظام توفير التطعيمات والذي لم يتغير منذ عام 1840م. وبعد أن اظهر السكان امتثالا مبكرا للتطعيم، كانت نسبة قليلة فقط هي التي خضعت للتطعيم. فلم يلقى التطعيم الإجباري ترحيباً، وبعد مظاهرات معارضة، تأسست رابطة مناهضة للتطعيم وأُخرى مناهضة للتطعيم الإجباري في عام 1866م. وعقب الحملات المناهضة للتطعيم الإجباري تفشى الجدري في صورة وباء خطير في مدينة غلوستر، حيث ضرب الوباء المدينة لأول مرة منذ 20 سنة ومات 434 شخص من بينهم 281 طفل. وبالرغم من ذلك وافقت الحكومة على رأي معارضي التطعيم، وأصدرت قانون التطعيم لعام 1898 ونصت ومنعت موجبه الغرامات كما أدرجت بنداً لأول مرة "المستنكف الضميري" (Conscientious objector) يتعلق بأن يعمل المرء بما يمليه عليه ضميره، ويسمح للآباء والأمهات الذين لا يؤمنون بفعالية التطعيم أو سلامته بالحصول علي شهادة إعفاء من التطعيم. وخلال السنوات التالية منح 205.000 اعفاء من التطعيم، وبحلول عام 1912 تم تطعيم أقل من نصف عدد السكان من المواليد الجُدد. وفي عام 1948م لم يعد التطعيم ضد الجدري اجبارياً في المملكة المتحدة.
ومن هذه البداية ظهرت عشرات اللقاحات وتطورت أساليب استخلاصها إلى أن ظهر الآن علم متكامل اسمه علم المناعة يرجع الفضل الأول فيه إلى تجارب إدوارد جينر.