إبوخية
الإبوخية الإيبوخية، هو مصطلح يوناني قديم يُترجم عادةً على أنه «تعليق للحكم» ومفهومه هو التوقف عن الحكم ووضع العالم المكاني الزماني بين أقواس. وعدم اعتماد الاعتقاد الطبيعي لهذا العالم. والتوقف عن اتخاذ أي موقف إثبات أو نفي إزاء وجود الموضوعات، يستخدم المصطلح بطرق مختلفة حسب المدارس الفلسفة وهو مبدأ يشبه فلسفة شكوكية، البيرونية (pyrrhonism)، وأول من اعتنقها الفيلسوف أركسيلاوس فيلسوف إغريقي.
ثم ظهر المصطلح في القرن العشرين من قبل إدموند هوسرل، مؤسس الفينومينولوجيا، وجاك دريدا ولدى الكثير من الفلسفة الاخرين كمنهج. وهي احدى الركائز الثلاث التي تقوم عليها الفلسفة الظاهراتية وفقاً لفلسفة ادموند هوسرل، والركائز الثلاث هي الأبوخية (تعليق الحكم) والرد والقصدية. والأبوخية، أو تعليق الحكم، أو الوضع بين قوسين كما يسميها هوسرل، هي أن يضع المتلقي للظاهرة كل الأحكام المسبقة، الفلسفية والتاريخية والطبيعية بين قوسين، ولا يستعملها في تفكيك هذه الظاهرة الملقاة على صفحة الوعي.
عند اليونان
أبوخيه كلمة يونانية ἐποχή ( = وقف، مهلة توقف) استعملها الشكاك اليونانيون اصطلاحاً للدلالة على وقف أو تعليق الحكم على الأمور المادية منها والمعنوية بسبب عجز الانسان عن الوصول إلى معرفة صحيحة أو يقينية. وبهذا المعنى استعملها الشكاك من رجال الأكاديمية الأفلاطونية الجديدة، خصوصا أركسيلاوس وكرنيادس. كما استعملها الشكاك الخلص خصوصاً انسيداموس وسكستوس امبريكوس الذي عرف الابوخيه بأنها « حالة سكون عقلي فيها لا توجب شيناً ولا تنفيه، وهي حال من شأنها ان تؤدي إلى راحة البال النفسية والطمأنينة السلبية » («الأتركسيا»).
ولا نعلم أول من استعملها من هؤلاء الشكاك: فالبعض يقول إنه فورون، مؤسس مدرسة الشك في الفلسفة اليونانية للدلالة على استحالة ادراك حقيقة الأشياء، والبعض يذهب الى أن أركسيلاوس هو أول من استعملها في جدله مع الرواقيين.
وقد ميز كرنيادس بين الابوخيه الكلية والابوخيه الجزئية، وقرر أن على الحكيم أن يتمسك بالابوخيه الكلية، أي بتعليق الحكم على أي شيء كان، لا عن أشياء دون أخرى.
والابوخيه عندهم جمبعاً تتناول العلم كما تتناول السلوك العملي: فالتعليق يجب أن يتناول الأحكام الخاصة بالعلم، وتلك المتعلقة بالأخلاق، وخصوصاً في هذه ما يتعلق بالخير الاسمى.
في القرن العشرين
في القرن العشرين، جاء هسرل فاستخدم هذا اللفظ بمعنى مختلف تماما عن معناه عند الشكاك اليونانيين. إذ ستعمله لما يدعو إليه من « تعليق الحكم فيما يتعلق بالمضمون المذهبي لكل فلسفة معطاة، واجراء كل براهيننا داخل اطار هذا التعليق للحكم » (راجع كتابه: «أفكار في ظاهريات محضة وفلسفة ظاهرياتية» ١٩١٣ ) .
والابوخيه الظاهرياتية هي التغيير الجذري للوضع الطبيعي، « ففي الوضع الطبيعي يكون الوعي (أوالشعور) تجاه العالم من حيث هو واقع موجود هناك. وبتقييدنا جهذا الوضع نعلق - أو نضع بين أقواس » - ليس فقط الآراء المتعلقة بالواقع، والتأثير في الواقع، بل وايضاً نعلق حقيقة وجودنا» وهسرل يسمي الابوخيه باسم «الوضع بين أقواس» لوجود العالم الخارجي ويريد هسرل من وراء هذا الوضع بين أقواس لوجود الأشياء في الخارج - إلى الوصول إلى « الأنا المغالي» أي الذات التي تضع كل تجربة ممكنة، أعني إلى تقرير أن «كل ما يوجد وله قيمة عندي أنا هو موجود وله قيمة في داخل شعوري الخاص» («التأملات الديكارتية» ص ٦٩).
ومن هنا لا تقارن الابوخيه الظاهرياتية بالشك الديكارتي، لأن هذا يفضى الى استنباط وجود الذات، ولا تعليق الحكم عموماً كما عند الشكاك، بل هي من نوع آخر مختلف تماماً.