أرسطكاس
أرِسْطَكَاس أو أريستوكسينوس التارنتي (بالإنجليزية: Aristoxenus of Tarentum) (نسبة إِلى مدينة تارَنتة Taranta) (335 قبل الميلاد) هو فيلسوف وموسيقي يوناني مشائي عاش نحو أواسط القرن الرابع قبل الميلاد. كان تلميذاً لأرسطو وواحد من أوائل كتّاب الموسيقى الإِغريقيين النظريين. وكان يرى أن الموسيقى عنصر مهم في كل تربية حرة.
كتب العديد من الكتب حول الموسيقى والفلسفة والتاريخ، لكن معظمها ضاع أو بقي منها أجزاء محدودة، إلا أطروحة موسيقية واحدة «عناصر الانسجام» غير مُكتملة. ذكره ابن النديم في الفهرست وقال أن له من الكتب: كتاب «الريموس» وكتاب «الإيقاع».
الحياة
ولد أريستوكسينوس في مدينة تارنتوم (Tarentum) في جنوب إيطاليا، وهي مستعمرة يونانية كانت مشهورة بالثقافة والفنون. كان والده فنانا موسيقياً اسمه سفينثرس. تعلم أريستوكسينوس الموسيقى منذ الصغر وتلقى ثقافته الموسيقية عن والده الفنان، كما تعلم العزف على آلة الأولوس (aulos)، وهي نوع من النايات ذات القصبتين. وبعدها تعلم من مدرسة الفيثاغورية، وأخيراً أصبح تلميذاً عند أرسطو.
سافر إلى أثينا لدراسة الفلسفة عند أرسطو، وأصبح من أبرز تلامذته. بعد وفاة أرسطو في عام 322 قبل الميلاد، انتقل أريستوكسينوس إلى مدينة مانتينا (Mantinea) في بيلوبونيز (Peloponnese)، حيث قضى بقية حياته.
ويغلب الظن أنه مارس أداء الألحان المعروفة في القرن الخامس ق.م وقد استقى مفاهيمه من الذوق التقليدي الصارم وتعاليمه الشديدة فأتت نظرياته الموسيقية تجريبية وتاريخية. ومما ساعد في ذلك إِقامته في مدينة مانتينس Mantines التي كانت الموسيقى تغلب على جوها الاجتماعي العام. وكان في جملة ما ألحّ عليه أن الموسيقى لا تقتصر على نوع من الابتكار العلمي المصوغ في قواعد محددة أو في أداء إِحساسي متنوع, بل هي جمال العمل الفني الذي ينتج عن التوافق المتبادل في جميع أجزائه من أصوات وإِيقاع وكلمات تتحد في صيغة واحدة مؤلفة وحدة لحنية نغمية متناسقة.
كتاباته
كتب أرِيستوكسينوس عدة مؤلفات عرف منها, في أوائل العصور الوسطى, أكثر من أربعمئة كتاب حول موضوعات مختلفة, كان أهمها ما دار حول الموسيقى. ومن أشهر هذه المؤلفات الموسيقية دراسات انسجامية «هارمونية» (معظمها محفوظ), وإِيقاعية (قسم منها محفوظ), ونظريات حول التأليف في الأصوات والآلات الموسيقية وثقوب آلة الآولوس، ورسالتان حول عازفي الآولوس وشعراء المأساة، وكتاب بحث في السلالم الإِغريقية يقع في ثلاثة أجزاء.
أفكاره
أريستوكسينوس كان مهتماً بدراسة الموسيقى من منظور علمي وفني. رفض نظرية فيثاغورث (Pythagoras) التي تعتمد على الأعداد والنسب لشرح طبيعة الأصوات والانغام، واعتبر أن الموسيقى تعتمد على التجربة والإحساس. قال أن المؤلف الموسيقي يجب أن يستخدم حاسة السمع لتحديد الصوت المناسب لكل لحظة، ولا يقتصر على اتباع قواعد ثابتة. كما قال أن المستمع يجب أن يكون قادرا على التمييز بين الأصوات المختلفة والتقدير لجمالها.
أريستوكسينوس قام بإعادة تصنيف الأصوات الموسيقية إلى ثلاث فئات: الأصوات الطبيعية، والأصوات الرياضية، والأصوات الحسية.
الأصوات الطبيعية هي التي تتبع القوانين الفطرية للإنسان والحيوان والطبيعة. هذه الأصوات تنتج عن التنفس والحركة والتعبير عن المشاعر. أريستوكسينوس يعتبرها أكثر أصوات ملائمة للموسيقى، لأنها تحمل إيثوس متزن ومعتدل، يناسب طبيعة الإنسان ولا يخل بحالته النفسية.
الأصوات الرياضية هي التي تتبع القوانين الرياضية والهندسية للتناغم والانسجام. هذه الأصوات تنتج عن حساب نسب الأطوال والترددات والمسافات بين الأصوات. أريستوكسينوس ينتقدها بشدة، لأنها تحمل إيثوس مغرور ومتكلف، يبعد عن طبيعة الإنسان ويؤثر سلبا على مشاعره.
الأصوات الحسية هي التي تتبع القوانين الجمالية والمتعة للإحساس والذوق. هذه الأصوات تنتج عن اختيار المؤلف أو المغني أو المستمع لما يروق له من أصوات. أريستوكسينوس يحذر منها، لأنها تحمل إيثوس متطرف ومخادع، يغير من طبيعة الإنسان ويؤدي إلى التشتت والانحراف.
إذاً، نستطيع أن نقول أن أريستوكسينوس كان يؤمن بأهمية الموسيقى في تشكيل شخصية الإنسان، وكان يدافع عن الموسيقى الطبيعية كأفضل نظام موسيقي يمكن أن يتبعه المؤلفون والمغنون والمستمعون.