أبو سليمان السجستاني

أبو سليمان السجستاني (توفي 380هـ) هو أبو محمد سليمان السجستاني هو الشيخ أبي سليمان محمد بن بهرام المنطقي السجستاني أو الشيخ الجليل أبو سليمان محمد بن طاهر بن بهرام السجستاني المنطقي، مفكر مسلم، فيلسوف، شاعر وأديب اهتم بالمنطق والفلسفة الطبيعية والنفس. من أصحاب النزعة الانسانية، وصاحب حلقة من المفكرين والأدباء في القرن الرابع الهجري. له تصانيف في فنون أخرى مثل كتابه التعليقات في الطب.

حياته

لا يعرف تاريخ ميلاده ولا تاريخ وفاته بالدقة، لكن الأرجح أنه ولد في العقد الثالث من القرن الرابع، وعاش بعد سنة ٣٩١ ه.

ونشأ في اقليم سجستان، (أقليم في جنوبي إيران يتاخم باكستان على المحيط الهندي).

وصحب أبا جعفر بن بابويه، ملك سجستان، ثم ورد بغداد، واتصل بالمشتغلين بعلوم الأوائل - أي العلوم المنقولة من اليونان - وعلى رأسهم يحيى بن عدي، فتتلمذ على هذا الأخير، الذي كان أستاذ جماعة من المشتغلين بالفلسفة وعلوم الأوائل في بغداد، نذكر منهم. ابن زرعة، وابن الخمار، وابن السمح، ومسكويه، ونظيف القس الرومي، وعيسى ابن علي، وأبا الحسن العامري.

وبعد أن تمكن من علوم الأوائل، لازم بيته حيث اجتمع إليه نفر من طلاب هذه العلوم. وهذه الحلقة كانت تضم نخبة ممتازة من المشاركين في الفكر والفلسفة والأدب، ذكر اسماءهم، أبو حيان التوحيدي، وكان هو من أبرزهم. وكانت الموضوعات التى تدور حولها أحاديث أبي سليمان معهم تدور خصوصاً حول الفلسفة، وقد سجل طائفة من هذه الأحاديث أبو حيان التوحيدي في كتاب «المقابسات».

مؤلفاته

مؤلفات أبي سليمان قليلة، نذكر منها:

  1. «صوان الحكمة»، وقد نشره عبد الرحمن بدوي في طهران سنة ١٩٧٤ .
  2. «مقالة في أن الأجرام السماوية ذوات أنفس ناطقة» وفد نشره عبد الرحمن بدوي ضمن نشرته لـ «صوان الحكمة».
  3. «مقالة في المحرك الأول» - نشره عبد الرحمن بدوي في نفس الكتاب.
  4. «مقالة في الكمال الخاص بنوع الانسان» - وقد نشره عبد الرحمن بدوي في الكتاب المذكور.
  5. «كلام في المنطق».
  6. «مسائل عدة سئل عنها وجواباته لها».
  7. «رسالة في السياسة».

فلسفته

لم يصل إلينا عمل كامل من أعماله الفلسفية ليتسنى للباحث الوقوف على طبيعتها المعرفية الإبستيمولوجية والمنهجية، والحال هذا لابد من أجل هذه الغاية النظر فيما وصل إلينا عن طريق الآخرين.

نقده لرسائل إخوان الصفا

نقل عنه أنه نظر في «رسائل إخوان الصفا» ثم انتقدها لما فيها من خلط ومزج بين مختلف العلوم والفنون عن غير دراية:

حُملت هَذِه الرسائل إِلَى الشَّيْخ أبي سُلَيْمَان محمّد بن بهْرَام المنطقي السجسْتانِي فَنظر فِيهَا أيَاماً وتبحّر فِيهَا دهراً طَويلا وَقَالَ تعبوا وَمَا أغنوا ونصبوا وَمَا أجدوا وحاموا وَمَا وردوا وغنّوا وَمَا أطربوا ظنّوا مَا لم يكن وَلَا يكون وَلَا يُسْتَطَاع ظنّوا أنّهم يدسّون الفلسفة الَّتِي هِيَ علم النُّجُوم والأفلاك والمقادير والمجسطي وآثار الطبيعة والموسيقي الَّذِي عو علم معرفَة النغم والإيقاع والنقرات والأوزان والمنطق الَّذِي هُوَ اعْتِبَار الْأَقْوَال بالإضافات والكميّات والكيفيّات وأنْ يطفئوا الشَّرِيعَة بالفلسفة وَقد رام هَذَا قبلهم قوم كَانُوا أحَدَّ أنياباً وأحضر أسباباً وَأعظم قدرا فَلم يتمّ لَهُم مَا أَرَادوا وَلَا بلغُوا مَا أمَّلوه وحصلوا على لوثات قبيحة وعواقب مَحْزَنَة.

فهو يرى أن محاولات إخوان الصفا للتوفيق بين ما في الشريعة من عقائد وأحكام وبين ما في الفلسفة من تصورات ومعارف هي محاولات سبق وأن أقامها من هم أكثر إطلاعا على محتويات الفلسفة وأعمق فهما لما فيها، وهي محاولات لا جدوى منها بل بلا معنى لما بين الشريعة وما في الفلسفة من فروقات، ويؤكد هذا ما نقله إبو حيان التوحيدي في الإمتاع والمؤانسة:

إنّ الشريعة مأخوذة عن الله- عزّ وجلّ- بوساطة السّفير بينه وبين الخلق من طريق الوحي، وباب المناجاة، وشهادة الآيات، وظهور المعجزات، على ما يوجبه العقل تارة، ويجوّزه تارة، لمصالح عامّة متقنة، ومراشد تامّة مبيّنة، وفي أثنائها ما لا سبيل إلى البحث عنه، والغوص فيه، ولابدّ من التّسليم للداعي إليه، والمنبّه عليه، وهناك يسقط (لم) ويبطل (كيف) ، ويزول (هلّا) ويذهب (لو) و (ليت) في الرّيح، لأنّ هذه الموادّ عنها محسومة، واعتراضات المعترضين عليها مردودة، وارتياب المرتابين فيها ضارّ، وسكون الساكنين إليها نافع، وجملتها مشتملة على الخير، وتفصيلها موصول بها على حسن التّقبّل، وهي متداولة بين متعلّق بظاهر مكشوف، ومحتجّ بتأويل معروف، وناصر باللغة الشائعة، وحام بالجدل المبين، وذابّ بالعمل الصالح، وضارب للمثل السائر، وراجع إلى البرهان الواضح، ومتفقّه في الحلال والحرام، ومستند إلى الأثر والخبر المشهورين بين أهل الملّة، وراجع إلى اتفاق الأمّة. وأساسها على الورع والتّقوى، ومنتهاها إلى العبادة وطلب الزّلفى..

وخلاصة ما نقله أبو حيان:

إن أبا سليمان المنطقي السجستاني - محمد بن بهرام - يقول:.. صاحب الشريعة مبعوث، وصاحب الفلسفة مبعوث إليه، وأحدهما مخصوص بالوحي، والآخر مخصوص ببحثه، والأول مكفيء، والثاني كادح، وهذا يقول: أمرت وعلمت، وقيل لي، وما أقول شيئا من تلقاء نفسي. وهذا يقول: رأيت ونظرت واستحسنت واستقبحت، وهذا يقول نور العقل اهتدي به، وهذا يقول: معي نور خالق العقل امشي بضيائه. وهذا يقول: قال الله وقال الملك، وهذا يقول قال أفلاطون وسقراط. (مجلة الرسالة: العدد 679، الصفحة: 37)

ويستفاد من ذلك أن أبو سليمان المنطقي كان مبتدعا ولم يستن بسنة من يوفق بين ما في الشريعة وبين ما في الفلسفة، كما يظهر من النص أنه لم يستن بسنة من يفصل بين الشريعة والحكمة على اعتبار الشريعة، أو الدين عامة، منهج مقابل منهج آخر هو منهج الفلسفة لأنه يميز بين المنهج وبين المحتوى أو المضمون المعرفي. ففي ما يتعلق بالمضمون المعرفي الذي هو في الشريعة يفصل الفيلسوف المنطقي السجستاني في مراتب العلاقة بين العقل و النقل:

  • العلاقة الضرورية (ما يوجبه العقل)
  • العلاقة التجويزية (ما يجوّزه العقل)
  • العلاقة النسبية (ما هو خارج نطاق العقل وطاقته)

وفي منهج التعامل مع نصوص الشريعة يرفض أبو سليمان المنطقي مذاهب الغنوصية والباطنية لأنها مذاهب لا تواصلية والنص إنما له ناصر باللغة الشائعة مستبعدا بقوله هذا أهل الرموز والإشارات بحيث لا يُنظَر إليهم في أي مرتبة من مراتب النص التي ذكرها وكلها بائنة بطرق اللغة الشائعة، والفقه، والإستدلال بالبرهان الواضح، والاستناد إلى الخبر والأثر الصحيح، والإجماع (اتفاق الأمة). هذه اللمحات من "ردوده" على إخوان الصفا تشير إلى اهتمام آخر من اهتماماته: الاهتمام بفلسفة اللغة والتواصل، وبفلسفة الدين.

مسألة العلاقة بين الفلسفة والدين

تعرض أبو سليمان لمسألة العلاقة بين الفلسفة والدين ، وخلاصة رأيه في هذا الشأن:

  1. أن الدين شيء والفلسفة شيء آخر، إذ الدين يقوم على الوحي، بينما تقوم الفلسفة على العقل. والوحي يقرر في ثقة واطمئنان ، بينما العقل لا يستطيع القطع بشيء.
  2. لا حاجة بالشريعة الى لفلسفة بكل فروعها : من منطق وطب ورياضيات.
  3. الدين لا يسمح بالسؤال عن «لما» و«كيف»، لأنه قائم على التقرير القطعي، فلا محل لتشكيك او تعليل أو اعتراض.

العقل عنده

العقل عند أبي سليمان ينقسم إلى نفس الأقسام التي نجدها عند الكندي والفارابي، إذ ينقسم العقل إلى أقسام ثلاثة:

  1. العقل الفعال، وهو في نسبة الفاعل، وهو الأول بالنسبة إلى سائر العقول.
  2. العقل الهيولاني، وهو في نسبة المفعول، وهو الأخير في سلسلة العقول.
  3. وبينهما العقل المستفاد، وهو في نسبة الفعل والقوة معاً. وإلى جانب الحس والعقل، يقول أبو سليمان بما يسميه «البديهة» أي الوجدان intuition. ويقول أن «البديهة» تحكي الجزء الإلهي بالاشخاص، وتزيد على ما يغوص عليه القياس».

ويخلع أبو سليمان على العقل من النعوت ما يخلعه أفلوطين على «النوس» Nous فيصف العقل بأنه قوة إلهية، ويقول أن «العقل هو خليفة الله، وهو القابل للفيض الخالص الذي لا شوب فيه ولا قذى».

ويبحث أبو سليمان في معاني النفس، والطبيعة، والزمان والدهر. والدهر عنده إما مطلق، وإما نسبي. فالمطلق هو الديمومة والازلية والابدية، وليس له بدء ولا نهاية، ويطلق على القديم الازلي الابدي. أما الدهر النسبي فهو الذي يتعلق بفعل في وقت محدود له بداية ونهاية. وواضح ان أبا سليمان تأثر في هذا بأفلوطين وبرقلس.