علم اجتماع القانون
علم الاجتماع القانوني (بالإنجليزية: Sociology of Law) هو ذلك الفرع من علم الاجتماع الذي يدرس القانون كنظام اجتماعي قائم وفعال ومؤثر في تنظيم المجتمع. ومعنى النظر إلى القانون كنظام اجتماعي التفكير بعمليات صنع القانون، وتنفيذه (أو إعمال نصوصه وتفعيلها على أرض الواقع الاجتماعي)، وتأمل الغايات التي تسعى إلى تحقيقها تلك النصوص القانونية. ويراعي في كل ذلك تتبع تأثير حقائق الواقع الاجتماعي السياسي الاقتصادي على عمليات صنع القانون وتنفيذه ورسم الغاية منه أصلا.
القانون هو قواعد الفعل أو قواعده التنظيمية التى تضعها بعض الهيئات المسئولة كالدولة. وقد كان القانون موضوعا محورياً من موضوعات الدرس النظرى والموضوعى عند كل مفكر من الرواد المؤسسين لعلم الاجتماع.
كارل ماركس
مع أن كارل ماركس لم يكتب دراسة منهجية منظمة حول القانون، إلا أنه مع ذلك تحدث عنه كثيراً (انظر مؤلف كاين وهانت المعنون: آراء ماركس وإنجلز فى القانون، الصادر عام 1979). ويحوى حديثه نقطتين أثرتا أثرا بعيدا على الدراسات التى جاءت بعد ذلك. تقول النقطة الأولى أنه لأن النظام القانونى يمثل جزءاً من الدولة البورجوازية، فقد كان هذا النظام أداة من أدوات القهر الطبقى. أما النقطة الثانية فمؤداها أنه لما كانت "الأفكار المسيطرة فى فترة معينة هى أفكار الطبقة الحاكمة"، فإنه حتى أهم المفاهيم القانونية وأكثرها خطورة (وفى مقدمتها: "الحقوق") تمثل هى الأخرى جزءا من نظام الهيمنة البورجوازية.
دوركايم
دوركايم هو الآخر لم يكتب دراسة مستقلة فى القانون بالذات، إلا أنه اقترب من القانون أكثر من ماركس، ذلك أن الجانب الأكبر من الحجج التى ساقها فى كتابه: تقسيم العمل الاجتماعى فى المجتمع، الصادر عام 1893، كان مخصصا لبيان لماذا تتسم النظم القانونية فى المجتمعات -التى أطلق عليها اسم مجتمعات المتضامن الآلى- بأنها نظم "عقابية"، فى حين أن النظم القانونية فى مجتمعات التضامن العضوى نظم "تعويضية" ثم نجد، فضلا عن ذلك، أن كتابه: الأخلاق المهنية والأخلاق المدنية، الصادر عام 1950، يحوى تحليلا مسهبا ومدعما بالشواهد العلمية لتطور العقد وقانون الملكية خلال القرن التاسع عشر.
ماكس فيبر
فى النهاية لا نجد من بين الأباء المؤسسين سوى ماكس فيبر، فقد كان الوحيد الذى كتب بالفعل دراسة مستقلة مكتملة عن القانون. وتستغرق تلك الدراسة أغلب صفحات المجلد الثانى من كتابه الأشهر: الاقتصاد والمجتمع، الصادر عام 1922. وهى دراسة تتسم بالبراعة والألمعية فعلا، تحيط بميادين نظريات القانون، وتاريخه، ودوره الاجتماعى عبر مدى واسع من المجتمعات المختلفة التى استمد منها شواهد دراسته. وهو يشبه دوركايم -وان اختلف منطلق كل منهما - فى أنه اتخذ موقفا من القانون أكثر ايجابية كثيرا من موقف ماركس، حيث اعتبر القانون قوة من قوى تكامل الممجتمع. ومع ذلك لم يخل موقفه هذا من بعض الغموض والازدواجية من حيث أنه اعتبر القانون عاملا مهما فى تحقيق عملية الترشيد المتاريخية العامة التى شهدتها المجتمعات الغربية (وحول هذه النقطة راجع مؤلفه: المتاريخ الاقتصادى العام، الصادر عام 1923)، كما اعتبر القانون كذلك مكونا حاسما من مكونات نظام السيطرة القانونية الرشيدة المميزة لغالبية المجتمعات الرأسمالية المتقدمة.
الفترة المعاصرة
مع أن تالكوت بارسونز كان يعود من فترة إلى أخرى إلى تناول القانون فى سياق نظريته العامة، مع ذلك فإنه مما يؤسف له أن القانون قد فقد مكانته كمحور رئيسى من محاور البحث الماكرو سوسيولوجى بعد وفاة الآباء المؤسسين لعلم الاجتماع الحديث. وربما لهذا السبب، ولكن من المؤكد أنه بسبب سيادة النزعة الإمبيريقية ووجود مستوى رفيع من الاهتمام الرسمى بنتائج البحوث المتصلة بالأداء الوظيفى للنسق القانونى، لتلك الأسباب مجتمعة اختفت القضايا النظرية بالفعل من اهتمامات علماء الاجتماع القانونى حتى مطلع السبعينيات. وفى فترة اختفاء الاهتمامات النظرية المشار إليها ظهر عدد لا حصر له من الدراسات التى تناولت موضوعات: الشرطة، والمحامين، والقضاة، والمحاكم وغيرها من عناصر النسق القانونى، فضلا عن كثرة من الدراسات التى تزعم تناول الآثار الاجتماعية لبعض القوانين.
ومن رحمة الله أن عصر سطوة النزعة الإمبيريقية المجردة - الذى طال كثيرا - قد بدأ ينحسر أخيرا. ومن ثم عاد إلى الظهور على مسرح العلم اولئك الباحثون ذوو الاتجاهات النظرية والموضوعية فى ميدان علم الاجتماع القانونى، ونهلوا من آراء الآباء المؤسسين للعلم الاجتماعى، ساعين إلى تطوير ارائهم وبحوثهم بحيث تصبح قابلة للتطبيق على المجتمعات المعاصرة. ومن أبرز الأعمال الممثلة لهذا الاتجاه كتاب برنارد إديلمان المعنون : ملكية الصورة : عناصر نظرية ماركسية للقانون، الصادر عام 1979، وكتاب فرانك بيرس بعنوان: دوركايم المتطرف، وصدر عام 1989، (ومؤلف روبرتو أنجر الذى يمثل إسهاما لاتصال تراث فيبر فى علم الاجتماع القانونى، وعنوانه: القانون فى المجتمع الحديث، الذى صدر عام 1976.
كما شهد علم الاجتماع القانونى حديثا مبادرات متعددة لخلق نوع من التكامل والتساند بين النظرية والبحوث الإمبيريقية (ويمثل كتاب كوتيريل المعنون: علم الاجتماع القانونى، الصادر عام 1984، وياخذ شكل المكتاب المدرسى، محاولة متميزة طموحة لتحقيق هذا النوع من المتكامل، بأثررجعى على الجهود السابقة). أما دراسة أسباب تلك التحولات والتطورات الجذرية فى اهتمامات علم الاجتماع القانونى، فهى ولا شك مهمة الباحثين فى علم الاجتماع المعرفى. و لكن من الأسباب الواضحة لتلك التحوات تجدد الاهتمام بالقضايا النظرية التى وسمت النظام القانونى فى خلال تلك الفترة. وبلاحظ فى الولايات المتحدة، على وجه الخصوص، أن الانجاهات الساندة والمستقرة، والتى تمثلها النزعة الوضعية القانونية والنزعة الواقعية القانونية، قد واجهت تحديا وقع عليها من القانون الليبرالى الجديد ومدرسة علم الاقتصاد (انظر حول هذا الموضوع مؤلف باولز، القانون والاقتصاد، الصادر عام 1982، وشارك فى ذلك أيضا حركة الدراسات القانونية النقدية (Critical Legal Studies Movement أو CLSM). وما زالت تلك الجهود وا لأراء تمثل تحديات يتعين على علم الاجتماع القانونى أن يستجيب لها ويرد عليها إذا ما أراد أن يظل محافظا على حيويته الراهنة.