ديمقراطية تشاركية

الديموقراطية التشاركية أو ديموقراطية المشاركة (بالإنجليزية: Participatory Democracy) هي عملية تؤكد على المشاركة الواسعة للناخبين في توجيه وإدارة النظم السياسية. البحوث والدراسات التي تناولت إشكالية الديموقراطية التشاركية تشير إلى أن الفضل في بروزها يرجع إلى الولايات المتحدة الأمريكية خلال فترة الستينيات من القرن الفائت، حيتث أن مواجهة الفقر والتهميش كانتا من بين العناصر الأساسية في الكشف عن أهمية الديموقراطية التشاركية، فمن خلال أسلوب الحوار والتشاور مع المواطنين بشأن كيفية تدبير الشأن العام وصنع القرار الكفيل لمواجهة التحديات المطروحة محليا، أسفرت الحصيلة بأن خلق نخبة محلية من المواطنين العاديين كان لها القدرة والقوة لطرح الحلول الملائمة للمشاكل المطروحة ولمواجهة النخبة المهيمنة محليا والمتكونة من القوى الضاغطة والفاعلين في الحقل المحلي.

وفي أوروبا الغربية، تناثرت الدعوات هنا وهناك، ومن أبرزها دعوة مؤتمر للاتحاد الأوروبي حول الديموقراطية التشاركية المنعقد بالعاصمة البلجيكية بتاريخ 8 و 9 من مارس 2004، حيت تم التأكيد على أن الديموقراطية الأوربية في أزمة حصيلة يتقاسمها الكل و”أن الديموقراطية التشاركية هي الحل للازمة وقيمة مضافة لدول الاتحاد الأوربي” و “يجب على الديموقراطية التشاركية ان تضخ دما جديدا للديموقراطية لتكمل الديموقراطية التمثيلية وتنمية التعاون مع باقي الشركاء الاجتماعيين”.

وفي فرنسا أثبتت التجارب المطروحة أن النجاح والتنفيذ تم عبر مراحل، وان التشاور/الحوار بشأن المشاريع الكبرى كان له الاثر الإيجابي لحل النزاعات، على سبيل المثال الأزمة التي اندلعت حول خطوط القطار الفائق السرعة (TGV) بفرنسا في سنة 1992، ومن ثم تم اقرار تجسيد مبادئ الديموقراطية التشاركية من خلال إصدار قانون 27 فبراير 2002 المتعلق بديموقراطية القرب الذي اشترط في فصله الأول من الباب المتعلق بمشاركة السكان في الشؤون المحلية إحداث مجالس الأحياء بالمدن التي يتجاوز ساكنيها 80000 نسمة. وقد اسفرت الحصيلة بفرنسا عن ايجاد الحلول للمشاريع الكبرى والتي تواجه معارضة قوية عند تنفيذها واستخلاص الملاحظات الايجابية والسلبية حول المشروع والتي تكون كفيلة بتطويره في نهاية الأمر.

وخلص تقرير ل”سيدريك بولير” حول الديموقراطية التشاركية، ان مرد تضمين التشريعات للديموقراطية التشاركية يرجع إلى عدم تمكن المواطنين من التعبير عن اهتماماتهم وطموحاتهم نظرا لتعدد المؤسسات وتنوعها واعتبر كل من “جوركن هابرماس” الألماني الاصل و”جون روول” (من جهابذة المفكرين للديموقراطية التشاركية) ان القرار السياسي يأخذ مشروعيته من خلال الإقناع والحوار وان القرار الجيد يتم من خلال التداول بشأنه. 

تحديد مفهوم الديموقراطية التشاركية

الدراسات التي تناولت الديموقراطية التشاركية تعرفها بانها نظام يمكن من مشاركة المواطنين في صنع القرارات السياسية ذات الاولويات بالنسبة إليهم عن طريق التفاعل المباشر مع السلطات القائمة والمشكلات المطروحة. كما تتفق على ان الديموقراطية التشاركية تتبنى مفهوما جوهريا يأخذ بعين الاعتبار دور المواطنين في المشاركة في صنع القرار السياسي وتدبير الشأن العام، كما انها تتسم بالتفاعل بين المواطنين والحكومات أو المستشارين المحليين، وانها مكملة للديموقراطية التمثيلية، هذا التصور الاخير ليس هناك اتفاق بشأنه، فحسب “انطوني جيدنر” عالم الاجتماع البريطاني “ليست –الديموقراطية التشاركية- امتدادا للديموقراطية التمثيلية أو الديموقراطية الليبرالية ولا حتى مكملة لها ولكنها من خلال التطبيق تخلق صيغا للتبادل الاجتماعي (المقصود هو الادوار الاجتماعية)” والذي وفق تصوره “تساهم موضوعيا وربما بشكل حاسم في إعادة بناء التضامن الاجتماعي”.

تاريخ الديموقراطية التشاركية

الديموقراطية التشاركية نسخة القرن العشرين من النموذج الإغريقى المثالى للحكم بواسطة الناس (الشعب). وديموقراطية المشاركة هى ديموقراطية مباشرة. بمعنى أن جميع المواطنين يشاركون بشكل إيجابى فى جميع القرارات المهمة. ويلاحظ أن حركات الشباب والحركات الطلابية خلال عقد الستينيات فى أوروبا وأمريكا قد تبنت الديموقراطية المباشرة بكل حماس. ويعنى ذلك فى الواقع أن تتم كل المناقشات وتتخذ كل القرارات فى اجتماعات مباشرة تجمع كافة أعضاء الجماعة. كما لعبت الديموقراطية المباشرة دورا فائق الأهمية فى حركة اليسار الجديد الأمريكية، وفى الحركات الطلابية فى كل من بريطانيا وفرنسا، والحركات النسائية المبكرة، وحركات مناهضة التسلح النووى والدعوة إلى السلام خلال عقدى الستينيات والسبعينيات. كما كانت سمة من سمات الحركات المحلية والبيئية التى ظلت حتى الثمانينيات والتسعينينات. والحقيقة أن الصعوبة التى تعانى منها ديموقراطية المشاركة صعوبة عملية، لأنها تعقد عملية صنع القرار وتبطئ منها. ولكن نقطة القوة فيها أنها تربط الأفراد بالجماعة من خلال مشاركتهم الإيجابية فى كل القرارات. وهناك اتفاق عام على أن ديموقراطية المشاركة لايمكن أن تكون فعالة إلا فى الجماعات التى تقل عن خمسمائة عضو نشط.

التمييز بين الديموقراطية التشاركية والديموقراطية التمثيلية

بالرجوع إلى الباحث السوسيولوجي البريطاني انطوني جيدنر، فالديموقراطية التمثيلية “صيغة لنظام حكم يتسم بانتخابات منتظمة وبالاقتراع العام وبحرية الفكر والحق العام في الترشح للمناصب العامة وتشكيل روابط سياسية”، كما خلص إلى أن الديموقراطية التمثيلية يعنى بها الحكم بواسطة جماعات تفصل بينها وبين الناخب العادي ويخضع غالبا لهيمنة -اهتمامات -سياسية حزبية، فالديموقراطية التمثيلية وفق تصوره هي وليدة الديموقراطية الليبرالية التي ارتبطت بنشأة دولة الرفاه والدولة الأمة فيما بعد الحرب الثانية وان الهدف هو تقاسم المخاطر بين الحاكمين والمحكومين الناجمة عن الحربين العالميتين. والجدير ذكره فإن المدافعين عن الليبرالية الديموقراطية وجدوا ضالتهم في الترويج لها عند انهيار الأنظمة الاستبدادية والشمولية في اروبا الشرقية. ويقدم الباحث السالف الذكر في كتابه “بعيدا عن اليسار واليمين، مستقبل السياسات الراديكالية” تفسيره الخاص به حول بزوغ الديموقراطية التمثيلية كحكم ارتبط بنشأة الدولة الامة وبدولة الرفاه للإجابة عن مخاطر الحروب وكيفية إدارة ذلك من خلال التضامن بين فئات المجتمع، وان الديموقراطية التشاركية /أو التداولية / أو الحوار، هي جوابا بديلأ ورد عن مخاطر الليبرالية الجديدة المتطرفة التي تنادي بتقليص دولة الرعاية الاجتماعية وان الدولة هي العدو ويجب عليها أن لا تتدخل، وأن من نتائج الديموقراطية التشاركية درء المخاطر والإشراك الفعلي للمواطنين في تدبير الشأن العام لمواجهة التحديات التي تطرحها العولمة المتوحشة

انظر أيضاً