الدور الاجتماعي

(بالتحويل من دور)


الدور (بالإنجليزية: Role) من المفاهيم الأساسية فى النظرية الاجتماعية. فهو يحدد لنا طبيعية المتوقعات الاجتماعية المرتبطة بمكانات أو أوضاع اجتماعية معينة، ويحلل تفاصيل تلك التوقعات.

الدَّوْر الاجتماعي مجموعة من العلاقات تربط بين الشخص وأفراد مجموعته. إن السلوك الذي يحرص الناس عليه في أداء أدوارهم الاجتماعية داخل المجتمع يسهل الحياة للمجتمع وأعضائه. فالفرد حين يكون مريضًا في مستشفى، فإنه يكون حريصًا على اتباع إرشادات الطبيب ويتعاون مع موظفي المستشفى، وبالمقابل فإن هذا المريض يتلقى الطعام، والدواء، وأنواعًا أخرى من الرعاية من عدد من الناس.

ويتم تعلّم الأدوار الاجتماعية واكتسابها من خلال التثاقف، والذي يُعرِّف ويحدد كيفية أداء هذه الأدوار. وهذه الأدوار ليست غريزية، بل يسهل على الناس تعلمها بدءًا من مرحلة الطفولة، وذلك بمراقبتهم لوالديهم أو للأشخاص البالغين. وهناك بعض الأدوار التي يتعلمها تقريبًا كل أفراد المجتمع، كدور المريض أو التلميذ. أما الأدوار الأخرى، كدور الطبيب أو المدرِّس، فإنها تحتاج إلى تدريب متخصص.

ولأن الأدوار الاجتماعية تتم بالتعلم، فهي تختلف باختلاف الثقافات. وعلى سبيل المثال، فإن الأدوار الأساسية للمرأة في بعض المجتمعات هي دور الزوجة ودور الأم، وهي الأدوار الطبيعية. ولكن هناك مجتمعات أخرى تقدِّم للمرأة عدة أدوار لتختار منها.

ويؤدِّي كل شخص عدة أدوار اجتماعية، خلال فترة حياته، فقد تكون المرأة بنتًا لأبويها، وزوجة لزوجها، وأُمًا لأطفالها، وعاملة لمخدومها. وقد تنشأ المشاكل إذا تداخلت متطلبات أحد الأدوار مع متطلبات أدوار أخرى. وتُسَمَّى هذه الحالة صراع الأدوار، فقد يحتاج الموظف للقيام بعمل إضافي لتحسين وضعه الوظيفي. ولكن هذا العمل يتعارض، على الأرجح، مع دور الفرد داخل أسرته كأب أو كأم.

وقد حظيت نظرية الدور بشهرة خاصة خلال الفترة حول منتصف القرن العشرين، ولكن بعد ما تعرضت له من نقد متصل أصبح ينظر إليها على أنها ناقصة ومعيبة، ومن ثم سقطت من الاستخدام فعلاً. ومع ذلك فما زال مفهوم الدور يمثل أداة أساسية للفهم فى علم الاجتماع.

البنائية وعلم النفس الاجتماعي

هناك اتجاهان مختلفان داخل نظرية الدور. أحدهما تطور فى إطار الأنثروبولوجيا الاجتماعية لرالف لنتون، ويولى أهمية بنائية للأدوار القائمة داخل النظام الاجتماعى. وهنا تصبح الأدوار مجموعة مترابطة مؤسسيا من الحقوق والواجبات المعيارية. ويعد تفسير تالكوت بارسونز المعروف لدور المريض مثالاً واضحاً على هذا الاتجاه. أما الاتجاه الثانى - فهو فى نزعته العامة - يميل إلى علم النفس الاجتماعى، ويركز على العمليات النشطة المتضمنة فى صنع الأدوار، وتولى الأدوار، وممارستها. وهذا الاتجاه جزء من تراث التفاعلية الرمزية والمنظور المسرحى، وهذا الأخير يحلل الحياة الاجتماعية مجازياً على طريقة الدراما والمسرح.

ويحدد التفسير البنائى للأدوار المكانات فى المجتمع، مثل مكانة المعلم مثلا، ثم يحاول وصف المجموعة المعيارية من الحقوق والواجبات المرتبطة بالنمط المثالى لهذا الوضع. وهذه التوقعات ذات الأساس الاجتماعى هى التى تكون الدور. وأى شخص يمكن أن يكون له عدد من المكانات (كأن يكون على سبيل المثال أباً أو معلما أو لاعب جولف)، وهذه تشكل مركب مكانة، حيث يكون لكل مكانة دورها الخاص بها. وكل دور له عدد من الأنماط المختلفة، ولكل دور مجموعة من التوقعات، و لذا فإن المعلم على سبيل المثال قد يكون لديه تلاميذ وزملاء ورؤساء وأولياء أمور كشركاء فى الدور، وكل واحد من هؤلاء لديه توقعاته المختلفة الى حد ما من سلوك هذا المعلم. ومجموع هذه التوقعات لهؤلاء الشركاء تمثل مركب الدور. وحينما تتعارض هذه التوقعات، وهو ما يحدث بين الحين والآخر، فإن علماء الاجتماع يتحدثون هنا عما يسمونه صراع الدور أو توترات الدور. وترى النظرية الاجتماعية الخاصة بتالكوت بارسونز أن أنماط الدور هذه تتحدد من خلال ما يطلق عليه "متغيرات النمط" أو الاختيارات بين زوجين من المعايير البديلة. وهذه النظرية مفيدة كاسلوب تجريبى استكشافى فى رسم خريطة لتنظيم المجتمعات على أساس الأنماط المعيارية، و لكنها كنظرية تميل إلى الإغراق فى تبسيط التوقعات المعيارية بافتراضها أن هناك قدرا من الإجماع والوفاق فى المجتمع يفوق الحقيقة، وتجسيد النسق الاجتماعى (أى اعتباره شيئا ماديا، مع كونه ذا طبيعة مجردة). ويحتوى ما كتبه رالف دارندورف الاجتماء الصذدر عن 1968 عرضاً لصيغة مدققة لهذا الاتجاه، استطاعت أن تثير جدا واسعاً فى أيامها، ولكن انطفات أهميتها الآن تماما.

أما الاتجاه الثانى الذى يقف فى مواجهة الاتجاه السابق، وهو الخاص بعلم النفس الاجتماعى فيركز بقدر أكبر على الجوانب الديناميكية لممارسة الأدوار بالفعل. فهو يدرس المتفاعلات التي يمارس الناس خلالها أدوارهم، بدلا من أن يصف ” شأن الاتجاه الآخر - مكان هذه الأدوار فى البناء الاجتماعى. فهنا يكون التركيز على الطرق المتى من خلالها يصل المناس إلى الاضطلاع بأدوار الآخرين (تولى الأدوار)، ويقومون بتشكيل أدوارهم الخاصة (صنع الأدوار)، ويتنباون باستجابات الآخرين لأدوارهم (توقع استجابات الغير = القولبة)، وأخيرا ممارسة أدوارهم الخاصة (أداء الأدوار). وفى بعض أجزاء هذه النظرية (وعلى سبيل المثال الجزء الذى يقدمه إيرفنج جوفمان) يتم التركيز على الطرق التى تمارس الأدوار من خلالها: فأحياناً قد يحب الناس أدوارهم ويتوافقون معها كلية "تقبل الدور" ويؤدونها بكل تفاصيلها المحببة إليهم. وفى أحيان أخرى قد يمارسون أدوارهم بلا حماس أو حب "مسافة الدور" (Role Distance) موضحين لكل من يراهم أنهم أكبر بكثير من هذا الدور البسيط الذى يؤدونه. أو أنهم قد يمارسون أدوارهم بطريقة ساخرة (فممارس هذا السلوك يؤمن بأن السلوك البشري تهيمن عليه المصالح الذاتية وحدها، ويعبر صاحبه عن موقفه هذا عادة بالسخرية والتهكم)، من أجل أن يسيطروا على تتائج الموقف (التحكم فى الانطباع). وفى كل هذا السياق يظل الاهتمام موجها إلى ديناميات ممارسة الأدوار، حيث لا تكون الأدوار مجرد توقعات ثابتة، وانما هى نتائج ومخرجات متجددة باستمرار. وربما كان أكثر التحليلات فى هذا الاتجاه إفادة لنظرية الدور، ذلك الذى قدمه جوفمان فى كتابه: تصوير الذات فى الحياة اليومية، الصادر عام 1959. وكذلك كتابه: المواجهات، الصادرعام 1961.

ومن المؤكد أن نظرية الدور ليست حكراً على علماء الاجتماع وحدهم. ففكرة تحليل الحياة الاجتماعية باستعارة التصور المسرحى من الأفكار الواضحة فى المسرح الإغريقى وفى إعلان شكسبير: إنما الدنيا مسرح كبير (وهي العبارة التي اشتهرت عربياً في صرخة بصوت الفنان يوسف وهبي)، وكذلك فى الأفكار المعاصرة عن الرؤية المسرحية للحياة. ولازالت كتابات ستانفورد لايمان ومارفن سكوت عن "دراما الحقيقة الاجتماعية:"، الصادر عام 1975، ولويس زورشر عن "الأدوار الاجتماعية"، الصادر عام 1983 تمثل مداخل جيدة لفهم هذا الميدان.

انظر أيضاً