جان باتيست لامارك

(بالتحويل من جان ـ باتيست لامارك)

كان جان باتيست بيير أنطوان دو مونيه شوفالييه دو لامارك، والمعروف باسم لامارك. جندي فرنسي الجنسيّة؛ وعالم أحياء وأكاديميّاً ومؤيّداً مبكّراً لفكرة أن التطوّر البيولوجي حدث واستمر وفقاً للقوانين الطبيعية.

حارب لامارك في حرب السنوات السبع ضد بروسيا، وحصل على ميداليّة بسبب شجاعته في ساحة المعركة. انتقل لاحقاً إلى موناكو، وأصبح لامارك مهتمّاً بالتاريخ الطبيعي وعزم على دراسة الطبّ. تقاعد من الجيش بعد إصابته في عام 1766، وعاد إلى دراسته الطبيّة.

طوّر لامارك اهتماماً خاصّاً في علم النبات، وبعد أن نشر العمل المؤلّف من ثلاثة مجلّدات (Flour françoise (1778) حصل على عضويّة الأكاديميّة الفرنسيّة للعلوم في عام 1779. أصبح لامارك أستاذاً في علم الحيوان، عندما أسست الجمعيّة الوطنيّة الفرنسيّة متحف التاريخ الوطني في عام 1793.

في عام 1801، نشر كتاب «نظام الحيوانات اللافقاريّة»، وهو عمله الرئيسي في تصنيف اللافقاريّات، وهو مصطلح صاغه في عام 1802م. يعتبر لامارك من أوائل من استعملوا مصطلح البيولوجيا بمعناه الحديث. واصل لامارك عمله كمرجع رئيسيّ في علم الحيوان اللافقاري.

يتم تذكّر لامارك في العصر الحديث بسبب نظريّة وراثة الخصائص المكتسبة، والتي تسمّى الميراث الليّن، والتي ذكرها في كتابه الفلسفي لعلم الحيوان عام 1809. ومع ذلك، فإن فكرة هذه النظريّة موجودة من قبل تطوير هذه النظريّة، ولم تشكّل إلا قسم صغير من نظريّة التطوّر، وكانت مقبولة في وقته من قبل العديد من المؤرخّين الطبيعيين. تألفت مساهمة لامارك في النظريّة التطوريّة بكونها أوّل نظريّة متماسكة حقاً للتطوّر البيولوجي، حيث دفعت قوة التعقيم الكيميائي الكائنات الحيّة إلى سلّم التعقيد، وقامت القوّة البيئيّة بتكييفها مع البيئات المحليّة من خلال استخدام خصائص والتخلّص من أخرى، والتفريق بينها وبين الكائنات الحيّة الأخرى.

التطوّر اللاماركيّ

أكّد لامارك على موضوعين رئيسيّين في عمله البيولوجي، لا يتعلّق أي منهما بالميراث الليّن. الأوّل هو أن البيئة تؤدّي إلى تغييرات في الحيوانات. وذكر أمثلة كوجود الأسنان في الثديّات وغياب الأسنان في الطيور كدليل على هذا المبدأ. المبدأ الثاني هو أن الحياة كانت منظّمة بطريقة ما وأن العديد من أجزاء مختلفة من جميع الهيئات تجعل الحركات العضويّة للحيوانات ممكنة.

على الرغم من أنّه لم يكن أول مفكّر يدافع عن التطوّر العضوي، إلا أنّه كان أوّل من طوّر نظريّة تطوريّة متماسكة حقّاً. أوجز نظريّته المتعلّقة بالتطوّر أولاً في محاضرته في عام 1800، ثمّ في ثلاثة أعمال نشرت لاحقاً:

  • بحث حول تنظيم الأجسام الحيّة، 1802.
  • فلسفة علم الحيوان، 1809.
  • التاريخ الطبيعي للحيوانات اللافقاريّة، (في سبعة مجلّدات، 1815-1822).

استخدم لامارك عدّة آليات كمحرّك للتطوّر، مستمدّاً من المعرفة الشائعة في عصره ومن إيمانه بالكيمياء قبل لافوازييه. لقد استعمل هذه الآليّات لشرح القوّتين اللتين رآهما تشكّلان التطوّر: إجبار الحيوانات على الانتقال من الأشكال البسيطة إلى الأشكال المعقّدة، والقوّة التي تكيّف الحيوانات مع بيئاتها المحليّة وتميّزها عن بعضها البعض. كما يعتقد أن هذه القوى يجب أن تفسّر على أنّها نتيجة ضروريّة للمبادئ الفيزيائيّة الأساسيّة، مع تفضيل الموقف المادّي تجاه البيولوجيا.

قوّة الحياة: قوّة التعقيد

تتضمّن نظريّة لامارك من عاملين: (1) قوّة معقّدة تدفع مخططات جسم الحيوان نحو مستويات أعلى (تكوين العظام) مما يخلق سلّماً، (2) قوّة تكيفيّة تؤدّي إلى تكيّف الحيوانات مع مخطط جسم معيّن مع الظروف (الاستعمال وعدم الاستعمال، وراثة الخصائص المكتسبة)، وخلق مجموعة متنوّعة من الأنواع والأجناس. تعتبر الآراء الشائعة حول اللامركيّة مجرّد جانب من جوانب القوّة التكيفيّة.

كان لامارك معارضاً للكيمياء الحديثة التي روّج لها لافوازييه، وفضّل تبنّي رؤية كيميائيّة أكثر تقليديّة للعتاصر التي تتأثّر أساساً بالأرض والهواء والنار والماء. وأكّد أنّه بمجرّد تكوين الكائنات الحيّة، فإن حركات السوائل في الكائنات الحيّة تدفعها بشكل طبيعي إلى التطوّر نحو مستويات متزايدة من التعقيد:

تأثير الظروف: القوة التكيفيّة

المكوّن الثاني لنظريّة لامارك هو تكيّف الكائنات الحيّة مع بيئتها. هذا يمكن أن يحرّك الكائنات الحيّة من أعلى سلّم التقدّم إلى أشكال جديدة ومميزة مع التعديلات المحليّة. كما يمكن أن تدفع الكائنات الحيّة إلى الأزقّة العمياء التطوريّة، حيث أصبح الكائن الحي متكيّفاً بدقّة بحيث لا يمكن أن يحدث أي تغيير آخر. جادل لامارك بأن هذه القوّة التكيفيّة كانت مدفوعة بتفاعل الكائنات الحيّة مع بيئتها، عن طريق استعمال بعض الخصائص والتخلّص من بعضها الآخر.

القانون الأوّل: الاستعمال وعدم الاستعمال

القانون الأوّل: في كل حيوان لم يجتاز حدّ نموّه، يحفّز الاستخدام المتكرّر والمستمرّ لأي عضو تدريجيّاً هذا العضو ليتطوّر وينمو، ويمنحه قوّه تتناسب مع طول الفترة الزمنيّة التي استخدم فيها. في حين أن الإهمال الدائم لأي عضو يضعفه بشكل تدريجي، ويقلّل تدريجيّاً من قدرته الوظيفيّة، حتّى يختفي في النهاية.

القانون الثاني: وراثة الخصائص المكتسبة

جميع عمليّات الاستحواذ أو الخسائر التي تحدثها الطبيعة على الأفراد، من خلال تأثير البيئة التي بقي الأفراد من نفس الجنس فيها لفترة طويلة، ومن ثمّ من خلال تأثير الاستخدام السائد أو التخلّص الدائم من أي عضو؛ يتمّ الحفاظ على كلّ ذلك من خلال التكاثر للأفراد الجدد الذين ينشؤون، شريطة أن تكون التعديلات المكتسبة شائعة بين الجنسين، أو على الأقلّ للأفراد الذين ينتجون الشباب.

يقدّم البند الأخير من هذا القانون ما يسمّى اليوم بالوراثة الرخوة، أو وراثة الخصائص المكتسبة، أو ببساطة «اللاماركيّة»، على الرغم من أنها لا تشكّل سوى جزء بسيط من أفكار لامارك[27]. ومع ذلك، في مجال علم التخلّق، هناك أدلّة متزايدة على أن الوراثة الرخوة تلعب دوراً مهمّاً في تغيير الأنماط الظاهريّة لبعض الكائنات الحيّة: فهي تترك المادة الوراثيّة (DNA) دون تغيير (وبالتالي لا تنتهك العقيدة المركزيّة لعلم الأحياء) ولكنّها تمنع التعبير عن الجينات[28]، مثل المثيلة لتعديل نسخ الحمض النووي؛ هذا يمكن أن ينتج عن التغييرات في السلوك والبيئة.

العديد من التغييرات اللاجينيّة هي وراثيّة إلى حدّ ما. وهكذا، على الرغم من أن الحمض النووي نفسه لا يتغيّر مباشرة بواسطة البيئة والسلوك إلا من خلال الانتقاء، فإن علاقة النمط الوراثي بالنمط الظاهري يمكن أن تتغيّر، حتّى عبر الأجيال، من خلال التجربة خلال حياة الفرد. وقد أدّى ذلك إلى دعوات لعلم الأحياء لإعادة النظر في العمليّات اللاماركيّة في التطوّر في ضوء التطوّرات الحديثة في البيولوجيا الجزيئيّة.

اكتشاف جان لامارك لحقيقة تطور الكائنات

ترتبط مكانة الفرنسي جان لامارك في تاريخ العلوم بنظريته المثيرة للجدل عن التطور البيولوجي. تتغير هيئة الحيوانات والنباتات بمرور الزمن نظر لأن الطاقات التي تكتسبها في حياتها والتي تساعدها في البقاء على قيد الحياة تورث بعد ذلك للجيل التالي من نسلها. على سبيل المثال، تتسم بعض أنواع من الطيور مثل الطيور المخوضة بسيقانها الطويلة؛ لأنه يجب عليها أن تصطاد الأسماك. كانت السلالات القديمة لهذا الطائر تمد سيقانها في الماء كي تستطيع الخوض في المسطحات المائية الأكثر عمقاً: وبالتالي، ورث الجيل التالي هذه السيقان الطويلة. يعتقد لامارك أن إهمال استخدام الأطراف والأعفاء يؤدي إلى هذه النتيجة. فالثعابين، على سبيل المثال، ليست لها سيقان وهذا يرجع إلى أن السلالات القديمة لم تكن في حاجة إليها. ويمكن أن تتضاعف الأمثلة على هذا الرأي إلى عدة أضعاف.

لكي يوضح السبب وراء عملية التطور، تخيل لامارك الطبيعة كما لو كانت في حالة ثابتة من "التقدم تجاه الكمال". تتطور الكائنات الخية باستمرار عبر مراحل الحياة المختلفة من الشكل البسيط إلى المعقد وتكتسب بذلك قدرات ومهارات جديدة من خلال الصراع من أجل البقاء على قيد الحياة، وتتناقل هذه المهارات المكتسبة عبر الأجيال. يتصدر الجنس البشري قائمة التسلسل الهرمي، بمعنى أننا تجاوزنا بالفعل جميع مراحل الطبيعة.

دون لامارك أفكاره في كتابه تحت عنوان The Philosophy of Zoology في عام ١٨٠٩ وعند وضع تفسير يتعلق بالكثير من الأشياء التي نراها في الطبيعة، كان التفسير المتعلق بتوريث الصفات المكتسبة يعد تفسيرا مبدعا وشاملاً؛ حيث اعتمد بقوة على المشاهدات التي لاحظها بنفسه (١٨١٥). ولكن المشاهدات والتجارب الأخرى التي استمرت على مدار قرن أثبتت خطأ نظريته؛ لأن التطور الذي يؤمن به لم يحدث.

إذن ما السبب في تخليد ذكراه في تاريخ العلوم؟ إن كل طالب يدرس علم الأحياء يعرف جيداً من هو لامارك الذي أدعى أن عنق الزرافة الطويلة هو نتيجة لأجيال من الزراف التي كانت تقوم بمد العنق كي تصل إلى أوراق الأشجار الشاهقة. قام الجيولوجي الإنجليزي تشارلز ليل (١٨٢٩) بتقديم هذا المثال كي يسخر من نظرية لامارك كلية إن اقتباس ليل مقتطفات عدة من آراء لامارك في كتابه Principles of Geology جعل اسم لامارك معروفا بدرجة كبيرة.

لم تلق أفكار لامارك كثيراً من التأييد حتى في موطنه. فبالنسبة لآراء معظم العلماء الفرنسيين، ليس هناك مجال لحدوث عملية التطور على الإطلاق. توقع العلماء ابتداء من العالم البارز جورج كوفييه (١٨١٢) ومن تبعوه من بقية العلماء أن بعضا من أنواع الكائنات الحية قد انقرضت بشكل مأساوي والبعض الآخر ربما خلق ليكون خلف لها. وإلا فإن الأنواع لن تتغير طالما أنها تسعى للوصول إلى الكمال. عارض تشارلز داروين بشدة التفسيرات التي قدمها لامارك ولكن يحسب لهذا العالم الفرنسي على الأقل محاولته لدراسة عملية التطور البيولوجية. وكما اعترف داروين في كتابه The Origin of Species (١٨٥٩) بأن لامارك أثار احتمالية أن "عالم الكائنات العضوية، والكائنات غير العضوية إنما هو نتيجة لقوانين الطبيعة وليس بسبب تدخل خارق من قوة ما".

إسهامات جان لامارك في مجال علم الأحياء

عرف عن الفرنسي جان لامارك أنه قد أدرك نظرية التطور بشكل خاطئ (١٨٠٩)، في حين أن تشارلز داروين استطاع أن يدرك تلك النظرية بشكل صائب (١٨٥٩). ولكن، وكما هي الحال مع معظم العلماء، كانت أفضل أفكار معروفة لدى لامارك هي جزء من نبوغ ذلك الشخص العالم. فقد توارثت الأجيال بعده مصطلح "البيولوجي" الذي صاغه ليكون مصطلحا شاملاً للدراسات الأخرى كافة المنفصلة المتعلقة بالكائنات الحية المتنوعة (علم دراسة النبات وعلم دراسة الحيوان وعلم التشريح وغيرها من العلوم). لم يبتكر لامارك هذا المصطلح ولكن جعله مصطلحا خاصا به وجعله منتميا للأوساط لعلمية أيضا.

على الرغم من أنه دخل متأخرا في مجال العلوم بعد أن عمل في الكلية والجيش وفي إطار الأعمال المصرفية وأيضا في مجال الطب، فقد أجاد لامارك واجتهد في بحثه في مجال دراسة علم النبات والموضوعات الأخرى. على الرغم من تلاشي شهرته بعد ذلك، فقد ضمن لامارك لنفسه مكانة داخل الأكاديمية الفرنسية للعلوم عندما كان عمره 34 عاما فقط تحت رعاية دو بوفون (١٧٤٩) الذي ساعده في نشر أول كتاب له تحت عنوان.

لعب لامارك في عام ١٧٩٣ دورا جوهريا في إعادة تنظيم الحدائق النباتية الملكية في متحف التاريخ الطبيعي. فقد تولى أمر جمع الحشرات والديدان وهو الدور الذي يعد أقل مكانة بالنسبة له. فقد كان العلماء العظماء أمثال كارل لينين عام ١٧٥٣ يعتقدون أن ذلك الأمر لا يستحق الدراسة. بما أنه لا يعلم نقطة انطلاق يبدأ منها، فقد أصبح لامارك خبيراً في مجال "اللافقاريات" (هي الحيوانات التي ليس لها عمود فقري) وهو المصطلح الذي استحدثه. لقد قام لامارك بتنظيم المجموعات الضخمة والمتفرقة من العينات التي جمعها ووضع مناهج لتصنيفها، مما جعلها ذات تأثير إلى الآن.

في كتابه عن اللافقاريات الذي نشر في عام ١٨١٥، قام لامارك بفصل المجموعات الرئيسية مميزاً بذلك الحشرات ذات الست أرجل عن طائفة العنكبوتيات ذات الثماني أرجل (مثل العنكبوت)، ويميز القشريات (مثل سرطان البحر وجراد البحر) عن الحلقيات (مثل الديدان الحلقية أو المتقطعة). وسرعان ما اكتشف أن الكثير من الافقاريات تختلف عن بعضها البعض قليلاً، مما دفعه إلى تطوير نظريته "توارث السمات المكتسبة لكي يشرح السبب في الصورة التي توجد عليها.

لا ينتمي أصل لامارك إلى طبقة النبلاء (إلا أنه كان يحمل لقب النبيل)، ولكنه كان دائما ما يكافح من أجل الاعتراف به وتأمين حياته من الناحية المادية. توفي لامارك عن عمر يناهز ٦٥ عاما وكان فقيراً مغموراً غير معروف ومصابا بالعمى. تزوج لامارك ثلاث مرات على الأقل وكانت اثنتان من بناته المخلصات له تقومان على رعايته، وقد تم دفنه أخيراً في مقبرة مؤجرة لمدة خمس سنوات، ثم فقدت بقايا جثته ولا يعلم عنها أحد شيئا إلى الآن.

نباتات وصفها لامارك

طالع أيضاً