تكامل اجتماعي وتكامل النسق
التكامل الاجتماعي وتكامل النسق (بالإنجليزية: Social Integration and System Integration) صاغ هذين المصطلحين لأول مرة عالم الاجتماع البريطانى دافيد لوكوود للإشارة إلى ما اعتبره مشكلات أساسية تكتنف النظريات الوظيفية فى الخمسينيات من ناحية، وما كتبه كل من رالف دارندورف وجون ركس فى نظريات الصراع ليعرضا من خلاله نقدا للاتجاهات الوظيفية من ناحية أخرى.
وبشيرمفهوم التكامل الاجتماعى إلى المبادئ التى من خلالها يترابط الأفراد أو الفاعلون الاجتماعيون بعضهم ببعض فى المجتمع. أما تكامل النسق فيشير إلى العلاقات بين أجزاء المجتمع أو النسق الاجتماعى. ورغم استخدام كلمة تكامل فهذا لايعنى وجود أى افتراض بأن العلاقات الموصوفة هنا تكون بالضرورة منسجمة أو متناغمة. فمصطلحا "تكامل اجتماعى"، وتكامل نسق" قد يتضمنا أويجمعا بين مفهومى النظام Order والصراع.
و المصدر الرئيسى للتكامل الاجتماعى الذى حدده علماء الاجتماع فى المجتمعات الرأسمالية المتقدمة هو النظام الطبقى. ففى المجتمع الإقطاعى لعب نظام الطبقات الإقطاعية دورا مساوياً لدور نظام الطبقات المغلقة فى المجتمع الهندى. وبصفة عامة (وانطلاقا من تصور ماكس فيبر عن التدرج الاجتماعى) فإن المجتمعات القائمة على المكانة غالبا ماتؤدى إلى أشكال منسجمة أو متناسقة من التكامل الاجتماعى، أما المجتمعات الطبقية فإنها تؤدى إلى أشكال صراعية من التكامل الاجتماعى. ومن ناحية أخرى فإن تكامل النسق هو إشارة إلى الطريقة التى تترابط من خلالها الأجزاء المختلفة للنسق الاجتماعى (أى النظم الاجتماعية). إن أى نظرية سوسيولوجية واسعة النطاق ذات كفاءة فى تفسير التغير الاجتماعى يجب أن تحاول الربط بين التكامل الاجتماعى وتكامل النسق. وعلى أية حال ففى المقال الأصلى الذى كتبه لوكوود عن التكامل الاجتماعى وتكامل النسق، لاحظ كيف يركز المنظرون من مدرسة الصراع على أن الصراع بين جماعات الفاعلين هو المحرك الأساسى للتغير الاجتماعى، بينما يغمط الوظيفيون المعياريون دور الفاعلين أنفسهم ويسعون إلى التأكيد على العلاقات (الوظيفية أو اللاوظيفية) بين مؤسسات المجتمع. وفى رأى لوكوود أن كلا الاتجاهين يتسم بالقصور، لأن كلا منهما يعالج جانبا واحدا من الثنائى: فإما يعالج مشكلة البناء أو مشكلة الفعل. ومهمة النظرية السوسيولوجية تتمثل فى التغلب على تلك الثنائية.
وإضافة إلى هذا فإن التمييز الذى أقامه لوكوود يشير إلى الملامح الحاسمة التى يتعين الكشف عنها ودراستها فى أى نظرية فى التغير الاجتماعى. ولكى يوضح لوكوود هذه النقطة يذكر كيف أن نظرية كارل ماركس عن المجتمع الرأسمالى تشير إلى نمو العداء بين الطبقات (تكامل اجتماعى) والذى يرتبط بالتناقضات بين قوى الإنتاج وعلاقات الإتتاج (تكامل النسق) ذلك أن تناقضات النسق ترتبط فى رأى كارل ماركس بأفعال الجماعات التى تستجيب لتلك التناقضات بسعيها إلى تغيير المجتمع القائم أو الحفاظ عليه. فالتناقضات على مستوى النسق هى التى تؤدى إلى الصراع الطبقى الاجتماعى: مما يعنى أن تكامل النسق يرتبط بالتكامل الاجتماعى. وحاول أنتونى جيدنز أيضا فى الفترة الأخيرة أن يستخدم هذا التمييز. وقد بدأ استخدامه بطريقة مشابهة لطريقة لوكوود، ولكنه سعى فى دراسة أخيرة له إلى أن يستخدمه كطريقة بديلة للمقارنة بين المستوى الميكرو (الصغير) والمستوى الماكرو (الكبير)، (وبالتالى للمقارنة ببن مشكلات الفعل ومشكلات البناء). وهنا أصبح مصطلح التكامل الاجتماعى يشير إلى المواقف التى يتواجد فيها الفاعلون معاً تواجداً فيزيقياً خلال التفاعل، فى حين يشير تكامل النسق إلى عدم تواجد هم فيزيقياً فى عملية الترابط أوالتفاعل. ولكن هذا التصور غير مقنع لأن علاقات التفاعل المباشر (أى الوجه للوجه، حيث يتحقق التواجد الفيزيقى للأفراد) لا تقتصر على المستوى الميكرو (الصغير) (خذ على سبيل المثال اللقاء الذى تم بين وزير الدولة لشئون العمل مع السكرتير العام لاتحاد النقابات فى بريطانيا، لمناقشة قانون العلاقات الصناعية).
وباختصار فإن التمييز بين التكامل الاجتماعى وتكامل النسق -كما قصد إلى استخدامه لوكوود فى الأصل -يعتبر أساسياً لأى نظرية تسعى إلى أن تجمع فى رؤيتها بين تحليل الوحدات الصغرى والوحدات الكبرى، أى التحليل على مستوى الميكرو ومستوى الماكرو. وتحتوى كتابات يورجن هابرماس على تمييز معرفى بين ما يطلق عليه عالم الحياة وبين النسق الاجتماعى.