كوارك علوي
كوارك علوي (بالإنجليزية: up quark) ورمزه (u)، أخف الكواركات وزنا، وهو جسيم أولي وأحد المكونات الرئيسية للمادة. وتشكل مع الكوارك السفلي جسيم النيوترون (واحد كوارك علوي واثنان كوارك سفلي) والبروتون (اثنان كوارك علوي وواحد كوارك سفلي) وهما نواة الذرة. وهو جزء من الجيل الأول للمادة، ولديه شحنة كهربائية تعادل +2⁄3 e وكتلة ظاهرة 1.5–٣.3 MeV/c2. كما هو الحال في جميع الكواركات فإن الكوارك العلوي يعتبر فرميون أولي له لف مغزلي -1⁄2 وتفاعله مع جميع قوى الترابط الأربع: كهرومغناطيسية, جاذبية, قوي, وضعيف. ويسمى ضديده باسم ضديد الكوارك العلوي أو كوارك علوي مضاد أو ضديد العلوي، فهو يعادله بالحجم ومعاكس له بالرمز.
كان ظهورها سنة 1964 بواسطة فرضية موري جيلمان وجورج سويج لشرح نماذج الهادرونات وقد أطلق عليها طريق الثمان لفات، نسبة إلى الثمان لفات للسعادة القصوى في البوذية. تمت ملاحظة الكوارك العلوي لأول مرة سنة 1968 في مركز SLAC.
البداية
بداية فيزياء الجسيمات (في النصف الأول من القرن العشرين)، على الرغم من أن الهادرونات مثل البروتونات والنيوترونات البيون هي جسيمات أولية، لكن تم اكتشاف هادرونات جديدة فأصبحت من الكثرة أشبه بحديقة حيوان الجسيمات، فبعدما كانت عدة هدرونات في الثلاثينات والأربعينات صارت عدة عشرات في الخمسينات، وكانت الروابط فيما بينها غير واضحة حتى سنة 1961 عندما افترض كلا من موري جيلمان ويوفال نعمان كلا على حدة نموذج للتركيب الدقيق للهادرونات وسمي طريق الثمان لفات، أو بالمصطلح العلمي تناظر النكهة.
هذا النموذج للتركيب رتب الهادرونات حسب تعدد اللف النظائري، ولكن تبقى الأسس الفيزيائية التي وراء ذلك غير واضحة المعالم. وفي سنة 1964 اقترح كلا من جيلمان وجورج سويج (كلا على حدة) مايسمى بنموذج الكوارك، وتحتوي على كواركات علوية وسفلية وغريبة. مع أن نموذج الكوارك قد شرح طريق الثمان لفات، لكن لايوجد دليل مباشر على وجود الكواركات حتى تم اكتشافها سنة 1968 في مختبر SLAC. تجربة النثر غير المرن العميق (بالإنجليزية: Deep inelastic scattering) أشارت إلى أن البروتون له بنية داخلية فرعية، وهذا البروتون مكون من ثلاث جسيمات أساسية تشرح البيانات (وهذا يشرح نموذج الكوارك).
أحجم الناس عن التعرف على الثلاث أجسام ككواركات، مفضلين تسمية ريتشارد فاينمان لها بالبارتون وكان ذلك في بداية الأمر، ثم مالبث أن بدأ القبول بنظرية الكوارك.
اكتشاف جسيم الكوارك الفوقي
في عام ١٩٩٦، تمكن مسارع الجسيمات الضخم الموجود بمعمل Fermi الوطني بضواحي ولاية شيكاغو من العثور علي ما كان يبحث عنه، ألا وهو الدليل على الوجود الحر للجسيم دون الذري والمعروف باسم الكوراك الفوقي، الذي تم التنبؤ بوجوده من قبل لكن لم تتم رؤيته حتى تلك اللحظة. لقد كان هذا الاكتشاف على القدر نفسه من الأهمية المتمثلة في التعرف على العناصر الجديدة لملء الفراغات الموجودة في الجدول الدوري للعناصر الخاص بالعالم دمتري مندلييف (١٨٧٥) أو اكتشاف البوزترون ليتم التأكيد بذلك على صحة ما تنبأ به بول ديراك في عام ١٩٢٨ بوجود الجسم المضاد للمادة.
في أواخر القرن العشرين، كانت فيزياء الجسيمات تمثل أحد فروع العلوم المتطورة عظيمة الشأن. فقد قام المسارع بقذف البروتونات ومضاداتها التي تدور حول دائرة يبلغ عرض قطرها ٣ كيلو مترات بسرعة الضوء نفسها تقريبا. وعندما اصطدمت الأشعة معا، نتج عن ذلك انطلاق كميات كبيرة من الطاقة تقدر بتريليونات من الفولت الكهربائي، في حين أن المسارعات الأولى (معمل كافندش ١٩٣٢) كانت تستطيع قذف ١٠٠٠٠٠ وحدة من هذه الوحدات فقط. فمن خلال التوهج الذي يحدث نتيجة تدمير البروتونات ومضاداتها لبعضها البعض، من الممكن أن تتولد جسيمات جديدة لو توفرت كميات كافية من الطاقة.
بحلول عام ١٩٩٦، كان مسارع التيفاترون (Tevatron) بمعمل فيرمي الوطني يعمل فوق مستوى الطاقة المسموح. ومع اصطدام أشعة الجسيمات، استطاعت فرق العمل المحتشدة والمكونة من مئات العلماء في الفيزياء والمهندسين جمع الأدلة، ليس على وجود جسيم الكوارك الفوقي مباشرة لأنه كان قد تحطم بمجرد أن تم تكوينه، وإنما على البقايا المتخلفة عنه. وبتجميع هذه القطع الصغيرة وتتبع آثارها، كان من الواضح أن جسيم الكوارك الفوقي - في الواقع الكثير من تلك الجسيمات - كان يوجد بصورة مؤقتة.
تم التنبؤ بوجود الكوارك الفوقي بناء على النموذج الذي أطلق عليه علماء الفيزياء النموذج المعياري (جلاشو وعبد السلام ووينبرج ١٩٦٧)، وهو عبارة عن مجموعة من العلاقات التي بإمكانها شرح الترتيب المحير للجسيمات الأساسية المعروفة. وقد تضمن النموذج لمعياري فكرة وجود جسيمات الكوارك، وعددها ثلاثة جسيمات، وتم افتراض وجودها لأول مرة في عام ١٩٦٣ على أنها المجموعات المكونة للبروتونات والنيوترونات على وجه التحديد. ومع تطور النظرية، بدا أننا في حاجة إلى وجود ستة من هذه الجسيمات لشرح سلسلة كاملة من الملاحظات، لكن لم يتم العثور إلا على اثنين منهم فقط (الفوقي والسفلي) داخل كل مادة. أما باقي الجسيمات، التي كانت كلها غير مستقرة، فربما كانت توجد في الأيام الأولى للكون التي كانت تتسم بالحرارة العالية والكثافة الشديدة، لذا اضطر العلماء إلى تحضيرها داخل آلات عملاقة كتلك المستخدمة بمعمل Fermi الوطنى.
عندما تزداد طاقة هذه الآلات، يتم تكوين جسيمات الكوارك واحدا بعد واحد: الكوارك الغريب والكوارك المفتون وكوارك القاع. وبالنسبة للوزن، فقد جاء الكوارك الفوقي في المؤخرة. يبدو أن علماء الفيزياء كانوا على يقين بأنه لا يمكن العثور على جسيمات أكثر من ذلك، لكن هذا لم يمنعهم عن البحث والسعي في هذا إلصدد. وكان الهدف التالي هو التعرف على جسيمات هيجز، التي يحتاج إليها النموذج المعياري لشرح السبب في أن جميع الجسيمات الأخرى لها كتلة. وتكمن الفكرة في أن الكتلة تتكون نتيجة تبادل الجسيمات الأخرى لجسيمات هيجز، كما هي الحال في القوة التي تربط بين الشحنات الكهربائية والتي تأتي نتيجة تبادل الفوتونات. من أجل العثور على جسيمات هيجز، وجسيمات أخرى، فإن أكبر معمل فيزيائي للجسيمات في العالم بمركز الأبحاث النووية خارج جنيف لا يزال يقوم حاليا (2005) بإعداد مسارع ضخم سيتم وضعه داخل دائرة تحت الأرض يبلغ محيطها ٢٧ كيلو مترا. وتبلغ تكلفة هذا المشروع مليار دولار. وبهذا يتضح لنا مدى أهمية العثور على جسيمات هيجز بالنسبة للعلوم الفيزيائية، حيث إنه بالعثور عليها سيكون النموذج امعياري قد اكتمل.
الكتلة
على الرغم من كونها معروفة جدا، إلا أنه لم يتم التعرف على الكتلة الظاهرة للكوارك العلوي بشكل جيد بعد، لكنه تقديريا يقع ما بين 1.5 و٣.3 MeV/c2. فعند وجودها في الميزونات (وهي جسيمات تتكون من كوارك واحد وضديد كوارك واحد) أو الباريونات (وهي جسيمات تتكون من ثلاث كواركات)، فإن الكتلة المؤثرة للكوارك ستصبح أعظم بسبب طاقة الربط المتسببة من مجال الغلوون بين الكواركات (أنظر أيضا إلى تكافؤ المادة والطاقة). فعلى سبيل المثال، تكون الكتلة المؤثرة للكوارك العلوي في البروتون حوالي ٣٣٠ MeV/c2. لأن الكتلة الظاهرة له تكون خفيفة جدا، فلا يمكن حسابه بشكل مباشر لأنه يجب أن يؤخذ بالحسبان الآثار النسبية.