علم الاجتماع العسكري

علم الاجتماع العسكري (بالإنجليزية: Military sociology) أو الدراسات السوسيولوجية العسكرية (بالإنجليزية: Sociological Studies of Ministry and Militarism) هو فرع من فروع علم الاجتماع. وهو قريب جدًا من دعوة رايت ميلز لربط العالم الفردي ببنى اجتماعية أوسع. يهدف علم الاجتماع العسكري إلى الدراسة المنهجية للجيش كمجموعة اجتماعية لا كمنظمة عسكرية. يفحص هذا المجال الفرعي عالي التخصص القضايا المتعلقة بموظفي الخدمة كمجموعة مميزة ذات عمل جماعي إجباري يعتمد على المصالح المشتركة المقترنة بالبقاء على قيد الحياة في العمل والقتال، بأهداف وقيم محددة ومخصصة أكثر مما هي داخل المجتمع المدني. ويعنى علم الاجتماع العسكري أيضاً بالعلاقات المدنية والعسكرية والتفاعلات بين المجموعات الأخرى أو الوكالات الحكومية.

النظرية والمنهجية

يعكس علم الاجتماع العسكري تنوع الأساليب التي يستخدمها علم الاجتماع نفسه. وتشمل هذه الأساليب تحليل البيانات على نطاق واسع، ومراقبة المشاركين، وتحليل الشبكة الاجتماعية، وأبحاث المسح، والتاريخ المقارن، ودراسات الحالة، وما إلى ذلك.

الدراسات السوسيولوجية العسكرية

من الأمور المستقر عليها أن علماء الاجتماع كانوا يميلون إلى إهمال القضايا والموضوعات العسكرية. والواقع أن هذا حكم مضلل إلى حد ما، ذلك أنه ليس هناك فقط العديد من الدراسات التى اتخذت من الجيش موضوعا لها، ولكن الأمر الأهم أنه من العسير أن نتبين الجوانب ذات الطابع السوسيولوجى المتميز فى العسكرية أو الحرب، هذا إذا كان هناك مثل هذه الجوانب أصلا. فالتهديد بالفناء الكونى الذى كان ماثلا فى فترة الحرب الباردة بين القوى العظمى المعادية، يبدو موضوعا يتجاوز حدود الاهتمام السوسيولوجى وحده.

وعلى أية حال، يقدم كتاب كيرت لانج المعنون: المؤسسات العسكرية وسوسيولوجيا الحرب (الصادر عام 1972) عرضاً مبكراً للتراث المنشور حول الموضوع، فضلاً عن ببليوجرافيا شارحة لأكثر من ألف وثلاثمائة موضوع حول العنف المنظم. وتشير هذه الموضوعات الى أن الدر اسات العسكرية يمكن تصنيفها بسهولة إلى ثلاث فئات:-

الأولى، هناك فيض من البحوث حول انخراط الجيش فى السياسة فى كل من البلدان المتقدمة والمنامية. ويعد تحليل تشارلز رايت ميلز للمركب العسكرى الصناعى الأمريكى خلال فترة الحرب الباردة نموذجا جيدا للفئة الأولى من الدراسات. وفى إطار المساهمات المهمة لتوسيع نطاق هذا التقليد البحثى إبان الثمانينيات، بدأ عدد من المنظرين الاجتماعيين ذوى الحيثية (مثل أنتونى جيدنز) والمتخصصين فى الدراسة التاريخية والمقارنة (مثل مايكل مان) البحث فى العلاقة بين التغيرات العسكرية من ناحية، والتغيرات الافتصادية والسياسية والاجتماعية والإيديولوجية، من ناحية أخرى، التى لقيت عادة قدرا أكبر من الاهتمام البحثى. بعبارة أكثر تحديدا، إن تأصل النزعة العسكرية (أى، الميل إلى البحث عن حلول عسكرية للمشكلان السياسية و الصراعات) فى بعض أجزاء العالم النامى، قد تم بحثها بصورة شاملة فى بعض الأعمال، مثل كتاب جونسون ؟ دور الجيش فى البلدان المتخلفة (الصادر عام 1962)، الذى يحدد فى آن واحد بعض الأشكال المتعددة التى يمكن بها للعسكرية أن تتدخل فى السياسة (الحكم المباشر، التأثير غير المباشر، التحالفات الاستراتيجية)، كما يقدم قائمة طويلة من العوامل التى تدفع إلى التدخل العسكرى فى الحكم فى مجتمعات بعينها مثل (القوة النسبية للقوات المسلحة، والمأزق السياسى، والفساد الإدارى وما إلى ذلك)، ومع ذلك ينبغى أن نلاحظ أن هناك قدرا ضئيلا من الاتفاق، أو ربما عدم اتفاق حول تحديد أى هذه العوامل هو الأكثر أهمية.

ثانياً: يمكننا الإشارة إلى الاهتمام الذى أولته النظريات السوسيولوجية مثل الداروينية الاجتماعية والنزعة التطورية لموضوع الحرب والعنف، مثلما هى الحال عند المنظر الاجتماعى البولندى لودفيج جمبلوفيتش (عاش من 1838 حتى 1909)، والنمساوى جوستاف راتسينهوفر (عاش من 1842 حتى 1904)، اللذان وسعا من نطاق نظرياتهما حول أصول الصراع بين الجماعات الاجتماعية لتشتمل على الصراع العسكرى بين الدول. وقد أرجع جمبلوفيتش العنف إلى الكراهية المفترضة المتى لا يمكن غض الطرف عنها بين الأعراق المختلفة، استنادا إلى عدم وجود رابطة دم مشترك فيما بينها. وقد افترض بناءا على ذلك أن الحروب بين الدول تعبر عن الرغبة الملحة فى الغزو الذى ينبع من الحاجة إلى تحسين الظروف الاقتصادية على حساب الجماعات الأخرى أما راتسينهوفر (وقد كان ضابطا برتبة فريق ورتيسا للمحكمة المعسكرية العليا بالنمسا)، فقد طور تنميطه للمصالح التى ادعى بأنها متأصلة فى الطبيعة الانسانية وحاكمة للحياة الاجتماعية، والتى تتلخص فى الرغبة فى التناسل وتأكيد الذات الفيزيقية والذات المفردية (تأكيد الذات)، والجماعية (رفاهية الجماعة) والرغبة فى التسامى (الدين). ومن شان هذه المصالح أن تولد الصراع بين الجماعات (بسبب التوجه الإنسانى الداخلى للانصياع إلى الدوافع الأوليةوإلى الكراهية)، والتى تشكل فى ذات الوقت أساس النظام الاجتماعى، حيث أن الصراع من أجل البقاء سرعان ما يتخذ شكلا منظما تنخرط فيه الجماعة، ثم يفضى فى الذهاية إلى ظهور الدول القومية المتنافسة.

وهناك أخيراً عدد كبير من الدراسات التى تناولت جوانب مختلفة من الجيش باعتباره تنظيما رسميا، بما فى ذلك دراسة صامويل ستوفر و آخرون المعنونة : الجندى الأمريكى (المنشور عام 1949)، وصامويل فاينر: الفارس (المنشور عام 1962)، وموريس جانوفينر: الجندى المحترف (عام 1960). وقد تناولت العديد من هذه الدراسات ظواهر اجتماعية ذات طبيعة نظرية وموضوعية أكثر عمومية وأهمية (مثل خبرة الحرمان النسبى التى درسها ستوفر وزملاؤه). وما من شك فى أن مؤلف جانوفيتز: علم الاجتماع والمؤسسة العسكرية، الطبعة الثالثة، (عام 1974) يمثل أفضل عرض لأدبيات علم الاجتماع العسكرى، وربما ما زال يعد أفضل مقدمة لهذا الميدان من ميادين علم الاجتماع. كما يمكن للقارئ أن يجد عرضا جيدا وحديثا لهذا المميدان فى كتاب مارتن شووكولين كرايتون (محرران) بعنوان: سوسيولوجيا الحرب والسلام (الصادر عام 1988).

علم الاجتماع العسكري المعاصر

علم الاجتماع العسكري المعاصر هو في المقام الأول نتيجة لعصر الحرب العالمية الثانية والحرب الباردة. بدأت هذه الأحداث في دراسة منهجية لعلم الاجتماع العسكري، ولكن من المنطقي أن العلاقة بين الجيش والمجتمع سبقت هذه الأحداث. يشتمل علم الاجتماع العسكري على العديد من الموضوعات، فمن المهم أن نلاحظ أن نطاقه لا يقتصر بشكل حصري على المؤسسة العسكرية نفسها أو على أعضائها. يشمل علم الاجتماع العسكري مجالات مثل العلاقات المدنية العسكرية والعلاقة بين القوات المسلحة وغيرها من الجماعات العسكرية أو الوكالات الحكومية. تشمل المواضيع الأخرى في علم الاجتماع العسكري ما يلي:

  1. الافتراضات السائدة لدى أفراد الجيش.
  2. التغييرات في استعداد أعضاء الجيش للقتال.
  3. النقابة العسكرية.
  4. المهنية العسكرية.
  5. زيادة انتساب النساء للجيش.
  6. المجمع الصناعي الأكاديمي العسكري.
  7. اعتماد الجيش على البحوث.
  8. الهيكل المؤسسي والتنظيمي للجيش.

الجيش كمجتمع

الجيش كمهنة

هناك نقاش حول ما إذا كان يجب اعتبار الجيش مهنة أكثر من كونه مؤسسة. على الرغم من أن الجيش لا يزال يحتفظ بالمبادئ المؤسسية «القيم الوطنية والتقاليد التاريخية، وما إلى ذلك» فإنه يتجه نحو مبادئ الأعمال والاقتصاد ويمكن تصنيفه بكل إنصاف على أنه مهنة. يمكن اكتشاف ذلك من خلال المقارنة مع المهن الأخرى من ناحية ترتيب السلطة والمزايا. هناك رتب عسكرية مختلفة ضمن الجيش تمنح بعض الناس المزيد من السلطة. يتطلع الكثير من الشباب إلى الجيش للحصول على المكافآت والمزايا وفرصة للالتحاق بكلية دون الحاجة لقرض كبير.

الجيش كمهنية

يؤثر اثنان من كبار الباحثين، صامويل فيليبس هنتنجتون وموريس غانويتز، على فكرة المهنية العسكرية في علم الاجتماع العسكري. جادل هنتنجتون بأنه يجب أن تكون هناك درجة عالية من الحكم الذاتي داخل المهنة العسكرية على المسائل العسكرية، لأن المدنيين لا يمتلكون الخبرة اللازمة على مستوى المؤسسة للإشراف على المسائل العسكرية ووصف ذلك بالسيطرة الموضوعية. من ناحية أخرى، أكد جانويتز على أن دور الجيش في المجتمع الحديث كان معقدًا للغاية. وبسبب المخاطر العالية المقترنة بواجب الجندي المحترف، تجاوز دوره مجرد تنفيذ العنف. يترتب على النخبة العسكرية الحفاظ على علاقات دولية مستقرة، هذه الخبرة الإدارية بالإضافة إلى المهارات السياسية والكلاسيكية مطلوبة كمهارات للضابط العسكري. كان جانويتز يشعر بالقلق من احتمال أن تصبح المهنة العسكرية فئة دائمة الخدمة الذاتية.  لذلك، من المهم أن يكون الجيش ممثلًا اجتماعيًا للمواطن الذي يخدمه. وفقًا لسام سركيسيان وروبرت كونور، فإن المهنة العسكرية مهنة فريدة من نوعها. هناك ستة عناصر رئيسية لها أهمية قصوى في تشكيل شخصية المهنة العسكرية. مدرجة على النحو التالي:

  1. للمهنة مجال اختصاص محدد مبني على معرفة الخبراء.
  2. هناك نظام للتعليم المستمر مصمم للحفاظ على الكفاءة المهنية.
  3. المهنة لديها واجب تجاه المجتمع ويجب أن تؤديه دون أجر.
  4. وجود نظام قيم يديم الشخصية المهنية ويؤسس ويحافظ على علاقات شرعية مع المجتمع.
  5. وجود إطار مؤسسي للوظائف المهنية.
  6. للمهنة سلطة على نظام المكافآت والعقوبات وهي في موقع يسمح لها تحديد نوعية الذين يدخلون في المهنة.

انظر أيضاً